حذرت دار الإفتاء المصرية أول من أمس من تزايد نفوذ تنظيم داعش في آسيا، مؤكدة في تقرير لها أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة أن «داعش» يسعى بشكل حثيث الآن لتشتيت جهود التحالف الدولي بفتح بؤر صراع جديدة في مناطق متباعدة وفي قارات مختلفة، تنفيذا لاستراتيجية «النكاية والإنهاك» والتي وردت في كتاب «إدارة التوحش»، الذي يعد المرجع الأهم للتنظيم الإرهابي.
وقال مصدر مسؤول في الدار لـ«الشرق الأوسط» إن «استراتيجية (النكاية والإنهاك) تتطلب وجود الكثير من العناصر المسلحة المنضوية تحت لواء (داعش) للعمل على زيادة مناطق الاضطراب بالانتشار السريع والتنقل الدائم بين المناطق، مما يتطلب تجنيد أكبر عدد ممكن من العناصر خاصة الشباب لهذا الغرض».
وأشارت دار الإفتاء إلى أن لجوء تنظيم داعش إلى استراتيجية «النكاية والإنهاك» يهدف إلى تشتيت جهود مكافحته والقضاء عليه، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجه ضده إلى أماكن مختلفة من العالم.. وقد زاد اعتماد التنظيم على تلك الاستراتيجية في الآونة الأخيرة، حيث نفذ التنظيم الكثير من العمليات في عدد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، وبشكل متزامن ومتوالٍ، وسعى لإنشاء كيانات جديدة محلية في تلك البلدان تابعة له، بهدف دفع التحالفات الدولية ضده إلى توسيع عملياتها في مختلف المناطق التي يوجد بها التنظيم، وهو ما يخفف الضغط على معاقله في سوريا والعراق، ومؤخرا ليبيا التي باتت مركزا استراتيجيا للتنظيم.
يأتي تحذير دار الإفتاء في أعقاب العملية الإرهابية التي نفذها التنظيم في جاكرتا عبر سلسلة من التفجيرات في العاصمة الإندونيسية قرب مكتب الأمم المتحدة ومناطق أخرى، وأسفرت عن مقتل نحو ثمانية أشخاص من بينهم خمسة من منفذي الهجوم، وإصابة كثير من المدنيين. وأوضح مرصد الإفتاء أن العملية الأخيرة في إندونيسيا - أكبر دولة مسلمة في العالم - تؤكد أن الغالبية العظمى من ضحايا العمليات الإرهابية هم من المسلمين، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تحميلهم مسؤولية تلك العمليات، أو تشويه معتقداتهم بتلك الذريعة؛ بل إن الخطاب المعادي للمسلمين والمسيء للإسلام إنما هو خطاب داعم لتلك التنظيمات ويصب في مصلحتها، ويوفر لها المادة الخصبة لترويج نفسها وجذب الأتباع والمتعاطفين.
وكتاب «إدارة التوحش» مؤلفه اسمه «أبو بكر ناجي» ويقع في 110 صفحات، وكان محاطا بسرية حتى عثرت عليه سلطات السعودية خلال إحدى المداهمات في معاقل المتطرفين عام 2008، ومُؤلف الكتاب شخصية غامضة، فأجهزة الأمن في سوريا والعراق تؤكد أن ناجي هو أحد مؤسسي جماعة التوحيد والجهاد في العراق، وهو التنظيم الذي تحول فيما بعد لـ«داعش»، بينما ترى أجهزة أمن في دول أخرى أنه ليس الاسم الحقيقي للمؤلف، واللافت أن معظم الذين تداولت أسماءهم باعتبارهم مؤلفين لهذا الكتاب كانت لهم صلات بشكل أو بآخر بـ«داعش» في بداية ظهوره، ويعتمد الكتاب بشكل كبير على نظرية «الفوضى الخلاقة».. ويؤكد الكتاب على اعتماد الشدة وإثارة الرعب والسير في طريق الأشلاء والدماء والجماجم هو الطريق لإقامة دولة «داعش» المزعومة.. لذلك يظل «التوحش» عند «داعش» مقدسا، بحسب مراقبين.
وأوصى تقرير مرصد دار الإفتاء بضرورة تكثيف جهود التوعية ونشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة في دول جنوب شرقي آسيا، وقطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة من نقل المفاهيم المغلوطة عن الإسلام إلى مسلمي تلك الدول، حتى لا توظفهم تلك الجماعات في تنفيذ العمليات الإرهابية التي تستهدف تقويض دعائم تلك الدول وإضعافها وفتح مناطق سيطرة وانطلاق لعناصر التنظيم.
من جهته، حذر المصدر المسؤول في الدار من توافد عناصر قتالية تابعة لتنظيم داعش ممن تمرسوا على القتال في سوريا والعراق وليبيا كي يقوموا بإدارة العمليات في آسيا، لضمان استمرار وجود التنظيم في آسيا أطول فترة ممكنة، والتأكد من تكوين البؤر الإرهابية بشكل عنقودي يصعب معها حصار التنظيم والقضاء عليه. وأضاف المسؤول أن التنظيم يرى في استراتيجية «النكاية والإنهاك» وقودًا حيويًا يؤدي دوره في إبقاء نار الصراعات والمواجهات معه مشتعلة، لافتا إلى أن القضاء على التنظيمات المتطرفة يتطلب تضافر الجهود للقضاء على تلك التنظيمات في دول الجوار الإقليمي، وتجفيف منابعها وهدم معاقلها التي استقرت بها، خصوصا أن هذه الجماعات تلجأ إلى التنقل بين الدول والاختفاء عن الأنظار للهروب من المواجهات الحقيقية مع الجيوش الوطنية القوية للدول أو التحالفات، التي تسعى للقضاء على كل أشكال العنف والتطرف في المنطقة وخارجها.
في سياق آخر، قال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، إنه أصدر قبل أيام تحذيرا من تزايد خطورة وقوة تنظيم القاعدة واستفادته من التركيز الدولي على محاربة «داعش» في سوريا والعراق وليبيا، بإعادة بناء شبكة علاقات قوية مع التنظيمات المحلية المؤيدة له، وقيامه بتدشين عدد من مراكز التدريب الخاصة بمقاتليه للتدريب على تكتيكات القتال وتنفيذ العمليات التي ينوي التنظيم القيام بها، وهو ما تحقق بالفعل، حيث أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عن هجوم على فندق في «واغادوغو» عاصمة بوركينا فاسو.
ولفت مرصد الإفتاء إلى أن ديسمبر (كانون الأول) الماضي قد شهد قيام مسؤول كبير في «القاعدة» بدعوة المسلمين في عدة دول من بينها بوركينا فاسو إلى الجهاد، كما أعلن التنظيم أيضًا مسؤوليته عن قتل واحتجاز رهائن في عاصمة مالي المجاورة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وأكدت دار الإفتاء أن «الخطورة المتزايدة لتنظيم «القاعدة» تنبئ بكثير من العمليات الإرهابية في مناطق نفوذه وسيطرته، خاصة بعد نجاحه في إعادة لم شمل تنظيمه، وتوثيق التحالفات مع التنظيمات المحلية القريبة منه، والتي تعرضت لمحاولات استمالة من جانب «داعش» في أعقاب خفوت التنظيم الأم (أي القاعدة)»، لافتة إلى أن عمليات «القاعدة» باتت تتزايد بشكل كبير، كما أن غالبية تلك الأعمال تهدف إلى تقويض الأمن والاستقرار في الدول المسلمة، وإشاعة الخوف وضرب السياحة لإضعاف الدول وحرمانها من مواردها الاقتصادية المهمة التي تسهم في استقرار المجتمعات وتقدمها. ودعا مرصد دار الإفتاء إلى مواجهة التطرف والإرهاب بشكل عام، دون إغفال لتنظيم على حساب آخر، موضحًا أن «التنظيمات المتطرفة تنهل جميعها من معين واحد.. وتصب في اتجاه متناسق يحقق للجماعات التفوق والسيطرة ويقوض الدول والكيانات الدولية القوية».
أخطبوط «داعش» يصل إلى آسيا.. ويسعى إلى تشتيت جهود التحالف الدولي
دار الإفتاء المصرية: نجاح «القاعدة» في إعادة لم شملها ينذر بضرب استقرار الدول المسلمة
أخطبوط «داعش» يصل إلى آسيا.. ويسعى إلى تشتيت جهود التحالف الدولي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة