أخطبوط «داعش» يصل إلى آسيا.. ويسعى إلى تشتيت جهود التحالف الدولي

دار الإفتاء المصرية: نجاح «القاعدة» في إعادة لم شملها ينذر بضرب استقرار الدول المسلمة

عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب في العاصمة الإندونيسية يقفون في موقع الانفجار الإرهابي السبت 16 يناير (إ.ب.أ)
عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب في العاصمة الإندونيسية يقفون في موقع الانفجار الإرهابي السبت 16 يناير (إ.ب.أ)
TT

أخطبوط «داعش» يصل إلى آسيا.. ويسعى إلى تشتيت جهود التحالف الدولي

عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب في العاصمة الإندونيسية يقفون في موقع الانفجار الإرهابي السبت 16 يناير (إ.ب.أ)
عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب في العاصمة الإندونيسية يقفون في موقع الانفجار الإرهابي السبت 16 يناير (إ.ب.أ)

حذرت دار الإفتاء المصرية أول من أمس من تزايد نفوذ تنظيم داعش في آسيا، مؤكدة في تقرير لها أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة أن «داعش» يسعى بشكل حثيث الآن لتشتيت جهود التحالف الدولي بفتح بؤر صراع جديدة في مناطق متباعدة وفي قارات مختلفة، تنفيذا لاستراتيجية «النكاية والإنهاك» والتي وردت في كتاب «إدارة التوحش»، الذي يعد المرجع الأهم للتنظيم الإرهابي.
وقال مصدر مسؤول في الدار لـ«الشرق الأوسط» إن «استراتيجية (النكاية والإنهاك) تتطلب وجود الكثير من العناصر المسلحة المنضوية تحت لواء (داعش) للعمل على زيادة مناطق الاضطراب بالانتشار السريع والتنقل الدائم بين المناطق، مما يتطلب تجنيد أكبر عدد ممكن من العناصر خاصة الشباب لهذا الغرض».
وأشارت دار الإفتاء إلى أن لجوء تنظيم داعش إلى استراتيجية «النكاية والإنهاك» يهدف إلى تشتيت جهود مكافحته والقضاء عليه، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجه ضده إلى أماكن مختلفة من العالم.. وقد زاد اعتماد التنظيم على تلك الاستراتيجية في الآونة الأخيرة، حيث نفذ التنظيم الكثير من العمليات في عدد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، وبشكل متزامن ومتوالٍ، وسعى لإنشاء كيانات جديدة محلية في تلك البلدان تابعة له، بهدف دفع التحالفات الدولية ضده إلى توسيع عملياتها في مختلف المناطق التي يوجد بها التنظيم، وهو ما يخفف الضغط على معاقله في سوريا والعراق، ومؤخرا ليبيا التي باتت مركزا استراتيجيا للتنظيم.
يأتي تحذير دار الإفتاء في أعقاب العملية الإرهابية التي نفذها التنظيم في جاكرتا عبر سلسلة من التفجيرات في العاصمة الإندونيسية قرب مكتب الأمم المتحدة ومناطق أخرى، وأسفرت عن مقتل نحو ثمانية أشخاص من بينهم خمسة من منفذي الهجوم، وإصابة كثير من المدنيين. وأوضح مرصد الإفتاء أن العملية الأخيرة في إندونيسيا - أكبر دولة مسلمة في العالم - تؤكد أن الغالبية العظمى من ضحايا العمليات الإرهابية هم من المسلمين، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تحميلهم مسؤولية تلك العمليات، أو تشويه معتقداتهم بتلك الذريعة؛ بل إن الخطاب المعادي للمسلمين والمسيء للإسلام إنما هو خطاب داعم لتلك التنظيمات ويصب في مصلحتها، ويوفر لها المادة الخصبة لترويج نفسها وجذب الأتباع والمتعاطفين.
وكتاب «إدارة التوحش» مؤلفه اسمه «أبو بكر ناجي» ويقع في 110 صفحات، وكان محاطا بسرية حتى عثرت عليه سلطات السعودية خلال إحدى المداهمات في معاقل المتطرفين عام 2008، ومُؤلف الكتاب شخصية غامضة، فأجهزة الأمن في سوريا والعراق تؤكد أن ناجي هو أحد مؤسسي جماعة التوحيد والجهاد في العراق، وهو التنظيم الذي تحول فيما بعد لـ«داعش»، بينما ترى أجهزة أمن في دول أخرى أنه ليس الاسم الحقيقي للمؤلف، واللافت أن معظم الذين تداولت أسماءهم باعتبارهم مؤلفين لهذا الكتاب كانت لهم صلات بشكل أو بآخر بـ«داعش» في بداية ظهوره، ويعتمد الكتاب بشكل كبير على نظرية «الفوضى الخلاقة».. ويؤكد الكتاب على اعتماد الشدة وإثارة الرعب والسير في طريق الأشلاء والدماء والجماجم هو الطريق لإقامة دولة «داعش» المزعومة.. لذلك يظل «التوحش» عند «داعش» مقدسا، بحسب مراقبين.
وأوصى تقرير مرصد دار الإفتاء بضرورة تكثيف جهود التوعية ونشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة في دول جنوب شرقي آسيا، وقطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة من نقل المفاهيم المغلوطة عن الإسلام إلى مسلمي تلك الدول، حتى لا توظفهم تلك الجماعات في تنفيذ العمليات الإرهابية التي تستهدف تقويض دعائم تلك الدول وإضعافها وفتح مناطق سيطرة وانطلاق لعناصر التنظيم.
من جهته، حذر المصدر المسؤول في الدار من توافد عناصر قتالية تابعة لتنظيم داعش ممن تمرسوا على القتال في سوريا والعراق وليبيا كي يقوموا بإدارة العمليات في آسيا، لضمان استمرار وجود التنظيم في آسيا أطول فترة ممكنة، والتأكد من تكوين البؤر الإرهابية بشكل عنقودي يصعب معها حصار التنظيم والقضاء عليه. وأضاف المسؤول أن التنظيم يرى في استراتيجية «النكاية والإنهاك» وقودًا حيويًا يؤدي دوره في إبقاء نار الصراعات والمواجهات معه مشتعلة، لافتا إلى أن القضاء على التنظيمات المتطرفة يتطلب تضافر الجهود للقضاء على تلك التنظيمات في دول الجوار الإقليمي، وتجفيف منابعها وهدم معاقلها التي استقرت بها، خصوصا أن هذه الجماعات تلجأ إلى التنقل بين الدول والاختفاء عن الأنظار للهروب من المواجهات الحقيقية مع الجيوش الوطنية القوية للدول أو التحالفات، التي تسعى للقضاء على كل أشكال العنف والتطرف في المنطقة وخارجها.
في سياق آخر، قال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، إنه أصدر قبل أيام تحذيرا من تزايد خطورة وقوة تنظيم القاعدة واستفادته من التركيز الدولي على محاربة «داعش» في سوريا والعراق وليبيا، بإعادة بناء شبكة علاقات قوية مع التنظيمات المحلية المؤيدة له، وقيامه بتدشين عدد من مراكز التدريب الخاصة بمقاتليه للتدريب على تكتيكات القتال وتنفيذ العمليات التي ينوي التنظيم القيام بها، وهو ما تحقق بالفعل، حيث أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عن هجوم على فندق في «واغادوغو» عاصمة بوركينا فاسو.
ولفت مرصد الإفتاء إلى أن ديسمبر (كانون الأول) الماضي قد شهد قيام مسؤول كبير في «القاعدة» بدعوة المسلمين في عدة دول من بينها بوركينا فاسو إلى الجهاد، كما أعلن التنظيم أيضًا مسؤوليته عن قتل واحتجاز رهائن في عاصمة مالي المجاورة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وأكدت دار الإفتاء أن «الخطورة المتزايدة لتنظيم «القاعدة» تنبئ بكثير من العمليات الإرهابية في مناطق نفوذه وسيطرته، خاصة بعد نجاحه في إعادة لم شمل تنظيمه، وتوثيق التحالفات مع التنظيمات المحلية القريبة منه، والتي تعرضت لمحاولات استمالة من جانب «داعش» في أعقاب خفوت التنظيم الأم (أي القاعدة)»، لافتة إلى أن عمليات «القاعدة» باتت تتزايد بشكل كبير، كما أن غالبية تلك الأعمال تهدف إلى تقويض الأمن والاستقرار في الدول المسلمة، وإشاعة الخوف وضرب السياحة لإضعاف الدول وحرمانها من مواردها الاقتصادية المهمة التي تسهم في استقرار المجتمعات وتقدمها. ودعا مرصد دار الإفتاء إلى مواجهة التطرف والإرهاب بشكل عام، دون إغفال لتنظيم على حساب آخر، موضحًا أن «التنظيمات المتطرفة تنهل جميعها من معين واحد.. وتصب في اتجاه متناسق يحقق للجماعات التفوق والسيطرة ويقوض الدول والكيانات الدولية القوية».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.