بعد السفارة السعودية.. «الباسيج الطلابي» يعود إلى التحرش بالسفارات الأجنبية في طهران

غضب في أميركا من استخدام إيران صور بحارتها لأغراض دعائية

ألسنة النيران وأعمدة الدخان تتصاعد من مقر السفارة السعودية بطهران بعد اقتحامها (أ.ب)
ألسنة النيران وأعمدة الدخان تتصاعد من مقر السفارة السعودية بطهران بعد اقتحامها (أ.ب)
TT

بعد السفارة السعودية.. «الباسيج الطلابي» يعود إلى التحرش بالسفارات الأجنبية في طهران

ألسنة النيران وأعمدة الدخان تتصاعد من مقر السفارة السعودية بطهران بعد اقتحامها (أ.ب)
ألسنة النيران وأعمدة الدخان تتصاعد من مقر السفارة السعودية بطهران بعد اقتحامها (أ.ب)

بعد أيام من قطع السعودية ودول عربية أخرى علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد اعتداء عناصر «الباسيج» على مقر البعثات الدبلوماسية السعودية، قالت وكالة فارس التابعة للحرس الثوري إن قوات «الباسيج الطلابي» سلمت السفارة السويسرية، أمس، ملصقًا یظهر أولى لحظات احتجاز البحارة الأميركيين، الأسبوع الماضي.
ويعتبر هذا الظهور الأول لقوات «الباسيج» بعد المواقف المتباينة من المسؤولين الإيرانيين الأسبوع الماضي ما بين رفض الاعتداء على مقر البعثات الدبلوماسية السعودية و«تبرئة» قادة الحرس الثوري قوات «الباسيج» من الوقوف وراء الاعتداء، علما بأن «الباسيج الطلابي» كان أول جهة دعت إلى التجمع أمام السفارة السعودية لكنه أصدر لاحقًا بيانا ادعى فيه براءته من الاعتداء.
وفي هذا السياق، قالت وكالة فارس إن مسؤولي «الباسيج الطلابي» في «جامعة الإمام الصادق» وجهوا، أمس، عبر السفارة السويسرية في طهران، رسالة إلى الحكومة الأميركية، بعد يومين من إفراج الحرس الثوري عن بحارة أميركيين احتجزهم الثلاثاء قبالة جزيرة «فارسي» في الخليج العربي، وأكد فيه رفضه لانتهاك الحدود الإيرانية من الدول «الاستكبارية».
في المقابل، أكد المتحدّث باسم الخارجية السويسرية، لـ«الشرق الأوسط» أن السفارة السويدية في طهران لم تتعرّض لأي اعتداء.
وسرعان ما تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية مع صور قوات «الباسيج» أمام السفارة، وتهكم المغردون على قائد قوات الباسيج، الجنرال محمد رضا نقدي الذي نسب اعتداء السفارة السعودية قبل يومين إلى «عناصر نفوذية». وكتب مغرد: «نشاهد الآن عنصرين من (النفوذيين) الذين يدرسون في جامعة الإمام الصادق مقابل السفارة السويسرية، من حسن الظن كان عددهم قليلاً ولم يقتحموا السفارة»، وقال آخر: «هل من الممكن أن يتجاهلوا السفارات الأجنبية ويأتوا لضربنا؟». واقترح آخر إقامة أماكن افتراضية تحمل اسم السفارات حتى تكون هدفًا لهجوم الباسيج، فيما شكر مغرد آخر الشرطة الإيرانية على عدم تدخلها ورأى أن تدخل الشرطة أسفر عن اقتحام السفارة السعودية.
ويأتي هذا في الوقت الذي دعا فيه سعيد جليلي ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قوات «الباسيج» إلى تجنب «التناحرات» السياسية الداخلية والدفاع عن إيران ضد مشروع «التغلغل» الغربي المدعوم بـ170 قناة تلفزيونية. وقال جليلي إن دولاً كبيرة في العالم تحاول تضعيف إيران لمنع «حضارة» كبيرة في طور التكوين.
في غضون ذلك، قال مساعد قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي إن ستة من جنود الحرس الثوري احتجزوا الأميركيين العشرة، وأعرب عن فخره بـ«أول احتجاز من قبل بلد أجنبي لجنود أميركيين بعد الحرب العالمية الثانية»، وإن «رأفة» قواته كانت سببًا في توقف بكاء الجنود الأميركيين بعد احتجازهم، مضيفًا أنه جرى الإفراج عن الأميركيين بعد «اعتراف» الأميركي بـ«الاقتدار»، بحسب وكالة فارس للأنباء. وكان قائد «الباسيج» الجنرال نقدي قال الأربعاء إن جنود «صاحب الزمان» احتجزوا الجنود الأميركيين مثل «فئران»، منتقدًا الصحافة التي حاولت احتواء الأزمة بين طهران وواشنطن.
وفي هذا الصدد، كشف أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران صادق زيبا كلام، في حوار خاص مع موقع «إيران واير»، أن الإفراج العاجل عن البحارة الأميركيين جرى بتدخل مباشرة من المرشد الأعلى، مؤكدا أن قرار خامنئي كان أكثر تأثيرًا على الحرس الثوري من المجلس الأعلى للأمن القومي وحكومة حسن روحاني. وعن صور البحارة الأميركيين في مواقع الحرس الثوري، قال إن التيارات المتشددة في الحرس الثوري وخارجه تسعى لتقديم صورة تبرز «خوف» البحارة الأميركيين، والإيحاء بتلقي اعتذار «سري» من الطرف الأميركي، سعيًا منها لتوفير مادة دعائية للصحف والمواقع التابعة للحرس الثوري.
إلى ذلك، وجه «الباسيج الطلابي» بيانًا شديد اللهجة إلى المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين في الوقت الذي تترقب إيران الإعلان الرسمي لبدء تنفيذ الاتفاق النووي. وحذر «الباسيج الطلابي» من خط التواصل بين طهران وواشنطن بـ«حجج مختلفة»، واصفًا السياسة الخارجية لحكومة الرئيس حسن روحاني بدبلوماسية «الضحك» التي تعرض إيران للخطر في زمن ما بعد الاتفاق النووي. كما ندد «الباسيج» بالتواصل المباشر بين الطرفين الإيراني والأميركي لاحتواء أزمة البحارة.
وفي الولايات المتحدة أثار المقطع المصور للبحارة الأميركيين موجة من الغضب بين مرشحين جمهوريين يسعون لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية، بينما نددت الحكومة باستخدام طهران لتلك الصور لأغراض دعائية حتى رغم إصرارها على تحسن العلاقات.
وخلال مناظرة لمرشحي الحزب الجمهوري أول من أمس، قال السيناتور تيد كروز إن الكثير من المواطنين قد «أفزعتهم رؤية مشهد 10 بحارة أميركيين جاثمين على ركبهم وأيديهم مرفوعة على رؤوسهم». وندد كروز بالرئيس باراك أوباما لعدم ذكره البحارة في خطابه السنوي بشأن حالة الاتحاد يوم الثلاثاء بينما كانوا قيد الاحتجاز في إيران. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن كروز: «أقول لكم كلمتي: إذا تم انتخابي رئيسًا لن يُجبَر أي مجند أو مجندة على الركوع على ركبهم، وأي دولة تحتجز مقاتلينا سوف تشعر بكامل قوة وغضب الولايات المتحدة الأميركية». بدوره، ربط حاكم نيوجيرسي كريس كريستي بين ذلك الحادث وتقليص أوباما للإنفاق العسكري. وأضاف: «نحتاج إلى إعادة بناء جيشنا وقد سمح هذا الرئيس بتقليصه إلى حد أن ديكتاتوريين بلهاء مثل ملالي إيران يحتجزون سفن بحريتنا». وقال وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إن الولايات المتحدة تحقق في ذلك الاحتجاز، وإنها «سعيدة للغاية» بعودة البحارة. وتم إطلاق سراح البحارة العشرة بعد احتجاز إيران لهم لمدة 16 ساعة. وكان مقطع فيديو يظهر 9 رجال وامرأة راكعين وأيديهم فوق رؤوسهم قد أثار شكاوى خاصة من جانب مشرعين جمهوريين انتقدوا سعي إدارة أوباما نحو تحسين العلاقات مع طهران والاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته طهران مع القوى العالمية الست في يوليو (تموز).
وأكد كارتر مجددًا، أول من أمس (الخميس)، استياء الولايات المتحدة من استخدام إيران لذلك المقطع المصور.
وقال كارتر خلال مؤتمر صحافي: «من الواضح أنني لا أفضل رؤية مواطنينا وهم محتجزون على يد جيش أجنبي». لكنه قال إنه يرغب في معرفة «الإطار الكامل» للحادث. وأضاف أنه ينبغي للبحارة أن يحصلوا على فرصة لتفسير ما حدث.
وكان الزورقان الأميركيان قد ضلا طريقهما لمسافة كيلومترين في المياه الإقليمية الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي، واحتجزهما الحرس الثوري الإيراني. غير أن إيران سلمت بأن انتهاك مياهها الإقليمية لم يكن عملاً من أعمال التجسس، لكنه حدث بسبب تعطل معدات الملاحة على الزورقين.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»