مصر تواجه تحريض «الإخوان» في ذكرى 25 يناير بـ«خطبة موحدة»

فتاوى رسمية ضد دعوات التخريب.. وأخرى مضادة تعدها «جهادًا في سبيل الله»

وزير الأوقاف محمد مختار جمعة في مكتبه
وزير الأوقاف محمد مختار جمعة في مكتبه
TT

مصر تواجه تحريض «الإخوان» في ذكرى 25 يناير بـ«خطبة موحدة»

وزير الأوقاف محمد مختار جمعة في مكتبه
وزير الأوقاف محمد مختار جمعة في مكتبه

واجهت مؤسسات دينية رسمية في مصر دعوات جماعة الإخوان المسلمين للتظاهر ضد السلطة الحالية خلال الذكرى الخامسة لـ«ثورة 25 يناير»، بخطبة موحدة في جميع مساجد مصر بعنوان «نعمة الأمن والأمان»، وأكدت وزارة الأوقاف في الخطة أن «النبي أمرنا بالوقوف ضد دعوات التخريب.. وأن دعوات الخروج للتظاهر آثمة»، وعدت دار الإفتاء المصرية دعوى «الإخوان» للخروج للتظاهر باطلة وتخفي وراءها مصالح سياسية.
في حين أفتت جماعة الإخوان بأن «المشاركة في المظاهرات جهاد في سبيل الله ضد الدولة المصرية»، يأتي هذا وسط حالة من الجدل بسبب ما عده مراقبون «خلطًا للدين بالسياسة»، الأمر الذي تحاول السلطات المصرية الحد منه منذ عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي عن السلطة قبل 3 أعوام.
وتُشدد السلطات المصرية من إجراءاتها للتصدي لدعوات «الإخوان» للتحريض على العنف في ذكرى الثورة التي أطاحت بحكم حسني مبارك عام 2011.
وعممت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة، أمس، في المساجد، للتحذير من مظاهرات «الإخوان». وأفتت الأوقاف في نص الخطبة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، بأن «مثل هذه الدعوات للتظاهر آثمة لكل من دعا إليها.. وأنه لا بد من العمل والإنتاج لدعم الاستقرار».
بينما طالب الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، المصريين، بأن يقفوا يدًا واحدة ضد أي محاولات للتخريب أو الهدم، قائلا: «يجب على الجميع أن يواجهوا تلك الدعوات بكل ما أوتوا من قوة، فأي فئة تريد الإفساد في الأرض يظلمون أنفسهم.. وطالبَنَا النبي محمد عليه الصلاة والسلام أن نقف أمام هؤلاء وأن ننصرهم بإبعادهم عن هذا الظلم الكبير، لأن الإسلام جاء بالتسامح والتراحم والبناء وأن الأمن والأمان أمر عظيم في كل الديانات السماوية».
وقال جمعة خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد بدر بالطابية بمحافظة أسوان (جنوب مصر) أمس: «نحن واثقون أن مصر سيحفظها الله من أيدي من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار البلاد.. ويجب علينا جميعًا أن نقف في وجوه هؤلاء الخونة ظالمي أنفسهم لمن يسعون في الأرض فسادًا، ومن يتستر في عباءة الدين بغير علم».
في حين قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر خلال خطبته بالجامع الأزهر، أمس، أنه لم يئن الأوان للاحتفال بذكرى الثورة، وهناك من يحمل السلاح ضد أخيه، مضيفا: «الخطر يحيط بنا وبأبنائنا من جميع الأماكن بعدما أصبح العدو واضحًا أمامنا، والإرهاب استغل كل ما هو قريب من منازلنا وبيوتنا، وتغلغل فيه حتى يتمكن من الانتشار في أفكار الكثيرين».
وكان محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان (الهارب)، قد أفتى بأن المشاركة في مظاهرات ذكرى «ثورة 25 يناير».. «جهاد في سبيل الله ضد الدولة»، داعيًا في رسالة نشرها المتحدث الإعلامي لـ«الإخوان» طلعت فهمي، المصريين إلى النزول للشوارع في هذه الذكرى.
في غضون ذلك، ردت دار الإفتاء على فتوى «الإخوان» وعدته «فكر خوارج»، وقالت: «دعواهم باطلة تخفي وراءها مصالح سياسية»، محذرة من خطورة إطلاق اسم «الجهاد» على التظاهرات التي تدعو لها (الإخوان)، وتصدير خطاب ديني متطرف يدفع البعض إلى تبني خيارات العنف والتخريب، تحت دعاوى دينية باطلة تخفي وراءها مصالح سياسية خاصة لجماعات العنف والتكفير في مصر».
وبينما تُشدد السلطات المصرية على رفض إقحام الدين في السياسية خصوصًا في المساجد منذ عزل مرسي، إلا أن مراقبين انتقدوا استخدام بعض مؤسساتها أسلوب «الإخوان» واللعب بورقة الدين.
لكن مسؤول في الأوقاف قال لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة ما زالت عند موقفها بفصل الدين عن السياسة خصوصًا في المساجد، والردود على دعوات «الإخوان» التي تدعو للعنف واجبة الآن، لأنها (أي الجماعة) تلعب على وتر الفتاوى «المُسيّسة».
ويقول مراقبون إن جماعة الإخوان التي أعلنتها السلطات تنظيمًا إرهابيًا، قد ضاقت ذرعًا من استمالة أنصارها، في مسعاها لمحاولة إزعاج النظام الحالي، فقررت التخلي عن دعواتها التقليدية وارتدت عباءة الفتاوى للحشد لمظاهراتها.
وسبق أن فشلت دعوات مماثلة للجماعة منذ عزل مرسي، الذي يطالب أنصاره بعودته للحكم مرة أخرى، في حين تحاكمه الجهات القضائية الآن هو وقيادات الجماعة بتهم تتعلق بالتخابر مع دول أجنبية وإفشال أسرار الدولة واقتحام السجون واستخدام العنف ضد المصريين والتحريض على قتل المتظاهرين.
ويقول مراقبون إن «هذه هي المرة الأولى التي تصعد فيها (الإخوان) منذ دعوة الجماعة للتظاهر في ذكرى الثورة، بإصدار فتوى تحث على المشاركة في المظاهرات، وسبق أن أصدر نحو 30 من قيادات الإخوان (الهاربة) بيانًا تحريضيًا مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، من خارج مصر أكدوا فيه، أن الجماعة ستستخدم كل الوسائل الرامية ضد السلطة المصرية لتحقيق أهدافها في ذكرى الثورة.
وتعقيبًا على فتوى «الإخوان»، قالت دار الإفتاء إن «الجهاد حُكم شرعي وليس حماسة أو اندفاعًا، فتعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجبًا وقد يكون مندوبًا وقد يكون حرامًا، بحسب تقدير شؤونه وأحواله ومقاصده ومآلاته.. وقد شرع الله الأحكام وشرع أيضًا ما يرفعها»، لافتة إلى أنه «إذا خرج الجهاد عن ضوابط الشرع فيه تحول إلى عدوان وقتل وسفك دماء وسعي في الأرض بالتدمير، والجهاد الصحيح الشرعي المحقق لمقاصد الشريعة أمر شريف وأثره هو الهداية، أما إطلاق اسم الجهاد على التخريب والتكفير وترويع الآمنين ونشر الفزع فهذا هو الافتراء بعينه».
من جانبه، قال مصدر مطلع في الإفتاء لـ«الشرق الأوسط» إن «فتوى (الإخوان) الأخيرة ما هي إلا دعوة لخلق حالة (حشد كاذبة)»، موضحا أن «الجماعة سحبت خلافها مع الدولة إلى كون القضية دينية وليست سياسية، وساقت الآيات التي تدعم موقفها على خلاف الواقع، وتناست (أي الإخوان) أن استخدام الفتاوى الدينية وتسخيرها في تعميق الخلاف بين أبناء الوطن الواحد وإلصاق التهم بالناس من غير وجه حق والقدح في دينهم لمجرد خلاف سياسي، أمر مُحرم شرعًا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».