بات عام 2016 شبحًا جديدًا يسيطر على أذهان المستثمرين العقاريين في السعودية. يأتي ذلك بعد خطوات جريئة اتخذتها البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي الخطوات التي من شأنها الحد من تضخم أسعار العقارات محليًا، والحد بشكل كبير من عمليات الاحتكار التي قد يشهدها قطاع الأراضي.
ويلاحظ خلال الآونة الأخيرة النقص الكبير في إطلاق المشروعات التجارية الإسكانية، حيث تعكس الحالة العامة للسوق التي شهدت بعض التباطؤ عقب بلوغ الأسعار مستويات قياسية من الارتفاع، هذا النقص في المشروعات التجارية الإسكانية ترقبًا لانخفاض أسعار الأراضي، فيما لجأت بعض شركات التطوير العقاري إلى إقامة العروض والتخفيضات البسيطة التي لم تحرك ساكنا، ولم تقضِ على المشكلة الحقيقية لانخفاض الطلب.
أكد ذلك تركي الدباس الذي يمتلك شركة للتطوير العقاري، مشيرا إلى حالة السوق خلال الفترة الأخيرة، وأنه لا يوجد على المرجح تطور خلال العام الجديد؛ «إذ إن المعطيات لا تسير بالشكل المطلوب، بل عكس معطيات الحالة الاقتصادية؛ إذ إنه في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد المحلي فائضا في موازنته وارتفاعا في العرض، فإن الطلب لا يزال منخفضا منذ ثلاث سنوات بالتحديد، ولكن السنة الماضية كانت الأشد توقفا عن الطلبات، نتيجة تحليق الأسعار خارج السرب، مما يثير حالة من التساؤلات عن أسباب التوقف رغم حاجة السعودية إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية، لسد العجز الحاصل في الإسكان».
واستطرد الدباس: «كثير من شركات التطوير العقاري توقفت بشكل ملحوظ عن إنشاء المجمعات السكنية التجارية، نتيجة تضخم أسعار الأراضي، وحالة السوق الحالية، وضبابية الرؤية المستقبلية لها، بل إن بعض العقاريين تورطوا بمعنى الكلمة في إقامة مشروعات كانت تحت الإنشاء في بداية الأزمة في السنوات الخمس الأخيرة، وكان عليهم لزاما أن يجدوا حلا لذلك، عبر ترويجهم بضائعهم بأسعار يخيل لهم أنهم خفضوا فيها ليخدعوا المشترين، أو عبر عروض شراء المنزل مقابل إعطاء بعض الهدايا مثل السيارات أو بعض قطع الأثاث، وهو الأمر الذي يعكس مدى تورطهم في هذه المشروعات»، لافتا إلى أن هناك فيلات بأعداد كبيرة تجاوز عمرها الخمس سنوات وهي خاوية على عروشها لم يسكنها أحد.
وكانت الحكومة السعودية قد أقرت قرارات تاريخية خلال العام الماضي ستنعكس بشكل ملموس على حال السوق، وأهمها فرض رسوم على الأراضي البيضاء، إلا أنه من المستبعد أن تلقي بظلالها على حركة المشروعات العقارية التي تعيش كابوسًا كبيرًا فيظل ارتفاع الأسعار موجودا، وهي الأسعار التي بدأت في التراجع التدريجي.
من جهته، أشار ناصر التويم، الذي يمتلك مؤسسة عقارية متخصصة، إلى أن «مؤشرات السوق العقارية تشهد «توقفا» يلف القطاع بشكل عام، بغض النظر عن بعض التحركات الفردية، أو الصفقات الصغيرة التي تتم من فترة لأخرى، التي تعد محركا بسيطا في قطاع كبير يعمل بمليارات الريالات، ومن المفترض أن يكون أداؤه أضعاف حركته الحالية»، لافتا إلى أن «الحال لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، إذا أخذ بالحسبان أن العقارات تشيخ مع الزمن، وتنقص معها قيمتها، خصوصا أن بعضا منها تبلغ قيمته ملايين الريالات، مما يجعل الاستثمار غير مرغوب فيه مثل الفترات السابقة».
ويزيد التويم أن القطاع العقاري لم يعد جاذبا للاستثمار رغم تزعمه شتى القطاعات الاقتصادية الأخرى في فترات ماضية. وعن تأثير هذا الركود على الأداء العام للسوق، أوضح أن «عمليات البناء شبه متوقفة في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار المقاولين، إضافة إلى ارتفاع تكاليف مواد البناء، التي أصبحت تشكل ضغطا إضافيا على أداء القطاع الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغوطات، خصوصا أن السوق تترنح بشكل يعجز عن تفسير ما يحدث فيها»، موضحا أن «التجار يتوجسون خيفة من حال السوق في الأعوام المقبلة، خصوصا إذا تمت مشروعات وزارة الإسكان التي وعدت بها، وهو ما يعتبرونه المسمار الأخير في نعشهم».
يذكر أن أسعار العقار السعودي شهدت مستويات مرتفعة من الزيادة في القيمة، إلا أن ذروتها كانت في السنوات الثماني الماضية التي وصلت فيها الأسعار إلى ما يزيد على الضعف، وهو ما دفع الحركة العامة للعقار إلى التوقف بجميع فروعها، باستثناء قطاع التأجير الذي شهد إقبالاً كبيرًا أثر على زيادة القيمة فيه.
واستغرب ربيع الدوسري،الخبير العقاري، من حال السوق؛ «إذ إنه من المعروف أن السعودية من أكثر الدول المحتاجة إلى مزيد من الإنشاءات العقارية، ولكن التوقف عن المبيعات جعل الشركات الإنشائية الكبرى تؤجل مشروعاتها أو تنهيها في ظل هذه الحالة المتردية»، لافتا إلى أن «مشروعات كبرى كانت قد توقفت أو ألغيت بسبب نقص سيولة المواطنين، الذين أصبحوا يتفرجون على المباني دون أن تكون لهم القدرة المادية على امتلاكها، رغم تنافس البنوك على تمويلهم لتملك العقارات، لكنها لم تكن بالشكل نفسه الذي كان يطمح إليه المستهلك البسيط».
وأضاف: «تجب إعادة النظر في الأسعار الحالية للعقارات، لأنه ومهما زاد العروض والمغريات، فإن كثيرون لا يستطيعون امتلاك عقار، إذا أخذ في الاعتبار تمثيلهم شريحة كبيرة من السكان المحليين، وستستمر السوق في أدائها المنخفض، إن لم تعد الأسعار إلى طبيعتها»، مبينا أن «تملك السكن على رأس أولويات المواطنين، الذين تلاشى لديهم هذا الحلم بسبب ارتفاع الأسعار»، مبينا أن «تمويل البنوك المشروعات العقارية ليس مغريا بالشكل المتخيل، حيث إن الفائدة كبيرة وتصل إلى نصف قيمة المبنى».
توقعات بتراجع حاد في المشروعات الإسكانية التجارية السعودية خلال 2016
السوق تترقب هبوط الأسعار بعد أن بدأت أثمان الأراضي في الانخفاض
توقعات بتراجع حاد في المشروعات الإسكانية التجارية السعودية خلال 2016
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة