انتقادات حادة لطرق تدريس الرياضيات في أميركا

خبراء أعربوا عن قلقهم من كونها تعرقل النمو العقلي للطلاب

معلمة الرياضيات كيلي فيندلي تشرح إحدى المسائل لطلابها في مدرسة «كانيون فيو» بولاية يوتاه (أ.ب)
معلمة الرياضيات كيلي فيندلي تشرح إحدى المسائل لطلابها في مدرسة «كانيون فيو» بولاية يوتاه (أ.ب)
TT

انتقادات حادة لطرق تدريس الرياضيات في أميركا

معلمة الرياضيات كيلي فيندلي تشرح إحدى المسائل لطلابها في مدرسة «كانيون فيو» بولاية يوتاه (أ.ب)
معلمة الرياضيات كيلي فيندلي تشرح إحدى المسائل لطلابها في مدرسة «كانيون فيو» بولاية يوتاه (أ.ب)

أثارت طريقة تدريس الرياضيات العامة جدلاً واسعًا في عموم الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. كان هناك من أيّد الطريقة على اعتبار أنها تعلم التلاميذ فهم العمليات الحسابية بشكل أفضل، وأن شكوى الآباء من الرياضيات العامة لا تنبع من القواعد نفسها لكن من المدرسين ضعيفي التدريب. ويقول النقاد، رغم ذلك، ابتعدت القواعد عن طرق الحساب الموثوقة، واعتمدت طرق بالغة التعقيد، وانتهى الأمر باستخدام وسائل محيرة. وعبر بعض الآباء والتربويين كذلك عن قلقهم من أن المسائل الحسابية الكتابية التي يتعامل معها التلاميذ تكون فوق مستوى فهمهم عند قراءتها، ولذلك تتسبب في تعطيل قدرتهم على الاستمرار في فهم تلك العمليات.
وعلقت ويندي ليكر، وهي كاتبة في مجموعة «هيريست كينتيكيت» الإعلامية ومحامية في مركز «قانون التعليم»، بشكل ناقد على ما وصفته بالمشكلة الكبرى التي تواجه الرياضيات العامة، والتي تكمن في أن التلميذ مطالب بشرح وتفسير كل إجابة.
وتقول ليكر، في نقدها الذي نشرته على موقع «ستامفورد أدفوكيت»: «طلبت مدرسة رياضيات بالمرحلة الثانوية موافقة الأبوين على تدريس أطفالهم القسمة المطولة بالطريقة القديمة، وبررت ذلك بأن الطريقة الحديثة التي تعلم بها التلاميذ القسمة المطولة كانت عائقًا أمام فهمهم قواعد الجبر. رثت المدرسة حال الطلاب الذين لم يتعلموا بعض المهارات الأساسية مثل حفظ جدول الضرب الذي كان سيساعدهم على إتمام خطوات حسابية أكثر تعقيدًا بطريقة أكثر كفاءة.
واتضح أن إعمال العقل يدعم ما قالته مدرسة الرياضيات، حيث إن الحفظ عن ظهر قلب في مرحلة سنية مبكرة يعد أمرًا في غاية الأهمية لتنمية المهارات الحسابية».
وأجرت «كلية طب ستانفورد» اختبارا على جزء من المخ يسمى «هيبوكامبوس» (الحصين) ودوره في تنمية المهارات الحسابية عند الأطفال. وأشار القائمون على التجربة إلى أن الانتقال إلى منطقة الذاكرة المختصة بحل المشكلات هو سمة مميزة للنمو الإدراكي للأطفال في مجال الحساب وفى غيره من المجالات. وأجرى الفريق القائم على التجربة مسحا على مخ الأطفال والمراهقين والبالغين، واكتشف أن «الحصين» يلعب دورًا حيويًا، لكن لوقت قصير في تنمية المهارة المعتمدة على الذاكرة في حل المشكلات.
ويساعد «الحصين» المخ على تكويد الذكريات لدى الأطفال حتى مرحلة البلوغ، وحينها يمكنهم استرجاعها بكفاءة عند التعامل مع عمليات حسابية أكثر تعقيدًا. ويعمل النظام «الحصيني» بطريقة معينة عند الأطفال، ليساعدهم على تنمية المهارة المعتمدة على الذاكرة لحل المشكلات، وبمجرد أن يتخطى الأطفال سنًا معينة، يتغير الإجراء.
واكتشفت الدراسة أيضًا أن «تكرار حل المشكلات في المراحل المبكرة لتنمية المهارات الحسابية عند الأطفال تساعد على إعادة تكويد وتعزيز المخ». بمعنى آخر، تساعد عملية تكرار الحفظ عن ظهر قلب على تنمية نظام المخ المعقد ليكون جاهزًا لإجراء عمليات حسابية أكثر تعقيدًا في مرحلة لاحقة.
وعليه فمن الواضح أن مطوري قواعد الرياضيات العامة قد أغفلوا أبحاث المخ في الرياضيات، كما أغفلوها في القراءة، حيث تؤكد الرياضيات العامة أهمية مفاهيم الإدراك في كل مراحل دراسة الرياضيات.
وعليه، فإن كل طفل صغير مطالب ليس فقط بإجراء عملية حسابية بسيطة، لكن أيضا بتفسير كل إجابة.
وكتبت أستاذة علم التربية كاثرين بيلز، ومدرس الرياضيات بيري غارليك، في مجلة «أتلانتك» مؤخرا، أنه عندما تصبح بعض الخطوات الحسابية تلقائية، فإنها تفسح مكانًا بالمخ لمفاهيم حسابية أصعب. فإجبار الأطفال على شرح كل إجراء حسابي بسيط يشتت ذهن التلاميذ عن تلك المرحلة الانتقالية المهمة. وفى مقال نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» العام الماضي، شرحت أستاذة الهندسة باربرا أوكلي الأمر، قائلة إنه مثلما أن التركيز على أرجحة مضرب الغولف تعوق من قوة عملية الأرجحة فإن إجبار الأطفال على التوقف لإثبات فهمهم من الممكن أن يؤدي إلى أعاقة استيعابهم. وعليه فإن إجبار الأطفال على شرح فهمهم للرياضيات يعوق إجراءهم للعمليات الحسابية. وتشير دراسة المخ التي أجرتها «كلية طب ستانفورد» إلى أن ذلك من شأنه أن يعوق نمو المخ أيضًا.
وبحسب بيلز وغارليك، فبعض التلاميذ، خصوصًا دارسي اللغة الإنجليزية، ومنهم من يعانون من مرض التوحد، يعجزون عن تفسير إجاباتهم، حتى وإن كانوا مدركين للمفهوم ولطبيعة الإجراء، وعليه فسوف يشكل ذلك نوعًا من العقوبة على هؤلاء الطلاب، حتى وإن كانوا من المتفوقين في مادة الرياضيات.
وأشار البروفسور أوكلي إلى أن فهم التلميذ مفهوما معينا لا يعني أنه قد أتقنه، فالخبرة تأتي بالتكرار. وإتقان الشيء، وفق بروفسور أوكلي، هو القدرة على اكتساب كم وافر من المعرفة بسرعة ثم استخدامها، وأن الخبرة هي التي تبني فهمًا استيعابيًا عميقًا وليس العكس.
ربما أن موضة إجبار الأطفال على شرح كل إجراء حسابي بسيط نشأت من ثقافة الـ«سيلفي» و«فيسبوك» التي نسعى من خلالها لتوثيق كل لحظة حياتية نمر بها. بالتأكيد لم تنبع تلك الموضة من فهم حقيقي أو اهتمام بتطور المهارات الحسابية.
ولاحظ بيلز وغيرليك أن مهندسي الرياضيات العامة يعتقدون أنه لو أن طلاب مادة الرياضيات تصرفوا مثل المتخصصين فسوف يصبحون مثلهم في طرفة عين. وأضافا أن هذا الأسلوب قد يكون تجربة سلوكية شيقة، لكنه لا يصلح لأن يكون تطورًا رياضيًا.
فالهدف من التربية العامة هو أن نزود الأطفال بالتعليم، لا أن تستخدمهم مثل أدوات غافلة في التجارب. فأطفالنا لا يذهبون إلى المدرسة سوى مرة واحدة، وعقولهم لا تنمو سوى مرة واحدة. ولذلك فتعريض نمو أطفالنا للخطر عن طريق فكرة لا أساس لها أو عن طريق صانع قرار اعتقد في نفسه الذكاء يعد في حد ذاته جريمة.
وبناء على كل ذلك، فإن أفضل ما نقدمه إلى أطفالنا هو أن يترك ساستنا التجارب للعلماء، وبعدها يمكن أن ننتبه إلى النتائج.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.