خالفت باحثة وكاتبة سعودية الدارسين المتأخرين في التعاطي مع فرضيات المتقدمين من قراء الأدب الجاهلي والمؤرخين، وكأنها مسلمات لا تقبل النقد، أو التناول بعيدًا عن مساءلة النصوص، واستنطاقها، إذ قدمت الكاتبة طرحًا جديدًا من خلال تناولها موضوع «البطل الضد في شعر الصعاليك»، وهي دراسة أسلوبية وظيفية لشعر الصعاليك، واختارت نصوصًا ثلاثة من هؤلاء الشعراء: تأبط شرًا، والشنفرى، وعروة بن الورد، وتناولت الكاتبة من خلال الدراسة الخصائص المميزة في شعر الصعاليك الجاهليين وصولاً إلى فهم أسرار اللغة وهي تتدثر بثياب الزمن الغابر، مركزة على نقاط لم تحظَ بعناية معظم الدارسين لقضايا الصعلكة، وأشعار الصعاليك التي تميزت بالكثرة، لكنها اختصرت على حمل عناوين لغوية. ولكن الباحثة أولت الجوانب التاريخية والمضامين جل عنايتها، مما يمكن وصفه بأنها دراسات تاريخية وفنية تقليدية. توجه عنايتها نحو المضامين لذاتها، أما الاستخدامات اللغوية للصعاليك، ونقاط التباين والمطابقة بينهم، والتمايزات الأسلوبية والخصوصية لكل مقطوعة وقصيدة وديوان، فهي غائبة.
وأوضحت الدكتورة هند عبد الرزاق المطيري، على أن الشخص الآخر، الذي يساند البطل منذ أنكيدوا وجلجامش، هو ما تصفه دراستها بالضد لافتة إلى أن الضدية لا تعني الاختلاف مطلقًا، لكنها وصف يحدد موقع الآخر من البطولة ووظائفها التي يقوم بها خدمة للبطل.
وركزت الكاتبة المطيري، في دراستها التي ضمها كتاب يقع في أكثر من 700 صفحة، وبمصادر ومراجع ودوريات تجاوزت 230، على أهمية وجود دراسات لغوية وأسلوبية جديدة تتجه بعنايتها نحو اللغة للوقوف عند علامات المفارقة والمباينة في استخدامات الشعراء الصعاليك لتلك اللغة، موضحة أن الشاعر الصعلوك وهو يستخدم القاموس نفسه الذي يستخدمه شعراء عصره يُظهر مباينة عند النظر في خطاطة النص الكلية بمستوياتها اللغوية المختلفة، كما تتأكد الخصوصية الناشئة عن المباينة حين تتم الموازنة بين الصعاليك أنفسهم، فلكل شاعر استخداماته اللغوية التي تحكمها وجهات دلالية خاصة ترتبط بتجاربه الشخصية وظروفه الاجتماعية.
وخلصت الدراسة إلى أن مفهوم الصعلكة في الجزيرة العربية يختلف تمام الاختلاف عن ذاك المفهوم الذي تبناه دارسو الأدب الجاهلي، الذي اختزل الدلالات اللغوية والعرفية للمفردة في دلالة وحيدة، هي الدلالة على السرقة وقطع الطريق، وهي الدلالة التي لم يتوافر للباحثة ما يدعمها على مستوى شهادات السكان المحليين، وعلى مستوى واقع استخدامها في النصوص.
كما اتضح أيضًا خطأ كثير من الدراسات التي تعتمد النظر إلى شعر الصعاليك نظرة تطابق تام، بحيث يعمم أي استنتاج من ديوان شاعر على بقية الشعراء. فتلك الدراسات، وهي مبنية على فكرة تماثل النماذج في العصر الواحد، تنتهي أخيرًا إلى جعل الصعاليك، في العصر الواحد طبقة واحدة، متماثلة، متجانسة، يستوي فيها المتقدم زمانًا مع المتأخر، وهذا أمر يصعب قبوله والتسليم به.
وضربت الباحثة مثلاً على مستوى صعاليك العصر الجاهلي، لافتة إلى أنه يصعب الحكم بالاتفاق التام بين تأبط شرًا والشنفرى المتقدمين زمانيًا من طرف، وعروة بن الورد المتأخر زمانيًا من الطرف الآخر، ذلك أن اختلاف الظروف والأحوال التاريخية والاجتماعية يفضي بالضرورة إلى اختلاف في المعاني والأفكار، وهو اختلاف لا تستجليه الدراسات المقدمة حول الصعاليك في العصر الجاهلي. والباحثون إذ يضربون صفحًا عن ذلك الاختلاف داخل العصر الواحد لا ينجحون كثيرًا في رسم خريطة كل عصر بالكيفية التي تكشف نقاط التماس والاختلاف بينه وبين العصور اللاحقة، وهو أمر غاية في الأهمية.
وحول مستوى الفضاء الجغرافي عند الصعاليك، لاحظت الدراسة بروز ظاهرة «المكان العنيف» عند الصعاليك المقاتلين: تأبط شرًا والشنفرى، والمتمثل في الجبال والكهوف والمراقب والوديان، والموسوم بالجدب والقحط وقلة الخيرات، مقابل الأمكنة الواردة عند الصعلوك الاجتماعي عروة بن الورد، التي تبدو أكثر انبساطًا وأوفر عطاء وأرغد عيشًا، مما يعني تطابق المكان مع صاحبه، وقدرته على التشكل وفق ظلاله النفسية وظروفه الاجتماعية.
وأوردت الباحثة ملاحظات غاية في الدقة حول مستوى بنية القصة الشعرية من سرد وحوار ووصف، وفيما يخص الذات بين كينونة الفردية والكينونة الجماعية عند الصعاليك الثلاثة.
الصعلكة.. ظاهرة تتجاوز السرقة وشعراؤها متباينون
باحثة سعودية تخالف آراء النقاد الآخرين وتقدم قراءة جديدة
الصعلكة.. ظاهرة تتجاوز السرقة وشعراؤها متباينون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة