هو مطعم لا يشبه غيره من المطاعم الموجودة في بيروت، لا من ناحية جلسته العابقة بالحميمية ولا من ناحية أطباقه التي تفوح منها رائحة جنوب غربي فرنسا.
ففي مطعم «بيرجيراك» (Bergerac) الواقع في منطقة الأشرفية وبالتحديد بالقرب من مجمّع «إيه بي سي» التجاري، تكتشف بعضا من أسرار المطبخ الناجح، الذي -كما يقول صاحب المطعم مارك نعمان- يكمن في اللقاء الذي يتمّ ما بين شغف الطباخ ولذة الطعام.
ما إن تصل إلى هذا المكان المظلّل بأشجار بيروت العريقة حتى تشعر بأن جلسة مميزّة تنتظرك في داخله لديكوراته البسيطة والدافئة في الوقت نفسه. ولعلّ صغر المساحة التي يتألّف منها (70 مترا مكعبا) تقف وراء هذا الشعور بالحميمية الذي ينتابك ما إن تجلس في أحد أركانه، على طاولة لبنانية الصنع ولكنها فرنسية الطابع.
فهنا زاوية تطلّ على الطريق العام تصلح لجلسة بين الأصدقاء، كونها تتألّف من أريكتين ملتصقتين بعضهما ببعض، تضفي روح الألفة والسمر بين أفراد المجموعة الواحدة الجالسة عليها. وهناك في صدر المطعم جلسة أخرى في انتظارك، وهي عادة ما يختارها رجال الأعمال لعقد اجتماع عمل ناجح، كونها مستقلّة نوعا ما عن غيرها من أركان المطعم وتتوزع أيضًا مقاعد وطاولات في أركان هادئة لمزيد من الخصوصية.
كل شيء في مطعم «بيرجيراك» يناديك لتمارس فيه هواية تذوّق الأطباق اللذيذة واكتشاف مذاقها المميز. فالراحة التي ترافقك في جلستك على إحدى أريكاته، إضافة إلى الموسيقى الهادئة التي تتنعم بنغماتها، تتوج شهيتك المفتوحة لتناول الـ«فوا غرا» ولحم البط، وقطعة اللحم من نوع «الإنتروكوت» وغيرها من الأكلات المتخصص فيها «بيرجيراك».
يقول صاحب المطعم مارك نعمان لـ«الشرق الأوسط»: «هي أطباق اكتشفت طعمها وميزتها عندما كنت في رحلة إلى جنوب غربي فرنسا، وعندما قررت افتتاح مطعم في بيروت استرجعت طعمها كون حاسة الذوق عندي لم تتمكن من نسيانها. فالمطبخ الفرنسي الكلاسيكي رائج في عدة مطاعم في لبنان، ولكن قلة من اللبنانيين تعرف ميزات مطبخ جنوب غربي فرنسا، فحزمت أمري ونقلته بأطباقه الأصيلة إلى بيروت، فاتخذ (بيرجيراك) ميزة لا تجدها في أي مطعم آخر في بيروت».
الشيف الفرنسي ألكسي كلافايرول يوقع أطباق «بيرجيراك»
تتألف لائحة الطعام في مطعم «بيرجيراك» من نحو 40 طبقا بما فيها الحلويات. وميزة هذه الأطباق الساخنة والباردة منها هي نقلها بحذافيرها من مطبخ جنوب غربي فرنسا إلى بيروت، موقعة من الشيف الفرنسي ألكسي كلافايرول الذي يعمل في لبنان منذ أكثر من عشرين عاما. وعندما التقيته في المطعم ببشاشته وروحه المرحة عرفت تلقائيا أنه يتمتع بشغف أرباب هذه المهنة، وجاءني الجواب صريحا بعدما تذوقت بعض الأطباق التي حضرها بناء على طلب مارك سمعان: «أطباقنا لذيذة وخفيفة في الوقت نفسه، كما أنها منوعة وشاملة ترضي جميع الأذواق ولا سيما متذوقي الطعام ذي الجودة العالية». يعلق صاحب مطعم «بيرجيراك»، الذي راح يعدد لي مزايا بعض تلك الأطباق وكيفية تحضيرها بتأن وحب من قبل الشيف ألكسي.
فطبق اللحم الذي يتألف من قطعة موزات الخروف، يستغرق طهيها نحو سبع ساعات بالفرن بعد نقعها بصلصة فيها مزيج من مكونات عدة كالزيتون والأعشاب البرية.
أما لحم طير البط (Canard) الذي يقدم في أطباق مختلفة في المطعم، فهو واحد من أهم اختصاصاته، لا سيما أنها تقدم مشوية أو مقلية أو مسلوقة أو مقطعة على طريقة الشاورما «Confit de canard» و«Aiguillettes de canard» و«Margret de canard» و«carpaccio de canard»، فتشكل بعضا من الأصناف السبعة المقدمة في المطعم لأطباق محضرة مع لحم طير البط.
أما اللحوم الأخرى كالسمك ولحم البقر فيحمل كل طبق منها نكهة المطبخ الجنوبي الغربي الفرنسي بطريقة مختلفة، إن في تتبيلتها وإن في طريقة تحضيرها وتقديمها للزبون. ومن بين تلك الأطباق الشهيرة في «بيرجيراك» ال«coufidou» (لحم البقر المعطر بالأعشاب والصلصة الخاصة به) وفيليه السمك المشوي المملح (Poisson blanc en marinade)، والربيان المطهو مع الزعفران (crevettes au pistil de crocus). أما لائحة المقبلات فتطول لتشمل سلاطة بستاني بيرجيراك، والسلطعون مع الخرشوف والسبانخ الطازجين، والإنديف مع صلصة جبنة «البورسان» الفرنسية المعروفة، وسمك الـ«اسبادون» النيئ مع سمك السلمون (carpaccio d'espadon et tartare de saumon).
مطعم «بيرجيراك» المستوحى اسمه من مدينة فرنسية تحمل نفس الاسم، وتقع في منطقة «Dordogne» المعروفة في جنوب غربي فرنسا. كما يذكرنا ببطل إحدى أشهر المسرحيات الفرنسية لكاتبها إدمون روستان «Le Cyrano de Bergerac» التي استوحاها من حياة الشاعر الفرنسي سافينيان سيرانو دو بيرجيراك، الذي عرف في القرن السابع عشر.
لن تغادر مطعم «بيرجيراك» دون أن يزودك بمعلومات تضفي إلى ثقافتك المطبخية معلومات لا تعرفها. وهذه المعلومات تقرأها على دفتر قائمة الطعام الموجود بين يديك، بحيث تتعرف على أهمية طبق الـ«cassoulet» وأصول تناول قطعة اللحم بدرجة طهي معينة، وفوائد أكل لحم طير البط من أجل غذاء صحي ينصح به.
وبعد أن تتناول طبق الحلوى الذي يمكن أن يتألف من تورتة الليمون الحامض مع المورينغ، وقطعة الـ«Bergeracoise» مع أنواع الفاكهة الحمراء، والـ«cannele» المحضرة على طريقة شيف المطعم الفرنسي ألكسي كلافايرول.
مطعم الاسبوع: «بيرجيراك» حيث يلتقي شغف الطباخ ولذّة الطعام الفرنسي في بيروت
جلسة دافئة تأخذك إلى أجواء الريف الأوروبي
مطعم الاسبوع: «بيرجيراك» حيث يلتقي شغف الطباخ ولذّة الطعام الفرنسي في بيروت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة