الأزهر يدافع عن مناهجه التعليمية من «الفكر التكفيري».. ويتهم إعلاميين بتنفيذ أجندات أجنبية

الطيب: لسنا مؤسسة إرهاب ولا نُخرج «دواعش».. وتيارات متشددة استغلت بعض الطلاب للتظاهر

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ({الشرق الأوسط})
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ({الشرق الأوسط})
TT

الأزهر يدافع عن مناهجه التعليمية من «الفكر التكفيري».. ويتهم إعلاميين بتنفيذ أجندات أجنبية

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ({الشرق الأوسط})
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ({الشرق الأوسط})

دافع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عن المناهج التعليمية في الأزهر، عقب اتهامات إعلامية للمشيخة مؤخرا بأن هذه المناهج تخرج متطرفين متشددين وتكفيريين و«دواعش»، وقال الطيب أمس إن «هذا كذب على التاريخ وكذب على الواقع.. فلسنا مؤسسة إرهاب ولا نخرج (دواعش)».
وتشن قنوات فضائية وصحف ومفكرون وصحافيون وإعلاميون هجوما شديدا على الأزهر، في أعقاب حبس إعلامي بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وتحريك دعوى قضائية جديدة ضد مفكر مصري طالب بإدراج الأزهر كمنظمة إرهابية.
وأكد الطيب في تصريحات له أمس أن «مناهج الأزهر على العكس من ذلك تماما، فهي التي خرجت - وتخرج وسوف تخرج - المسلم الملتزم بالإسلام الوسطي عقيدة وفكرا وسلوكا، ولو نظرنا إلى كل قيادات الحركات الفكرية المتطرفة والمسلحة لن تجد أيا منهم من تخرج في جامعة الأزهر.. فهؤلاء جامعاتهم الذين تخرجوا منها معروفة وكتبهم معروفة، ولم نرَ من فتح فمه بكلمة يُدين بها مناهجهم أو دعواتهم أو اجتماعاتهم التي راحت تعيث في العالم قتلا وإسالة للدماء، لكنهم (أي بعض الإعلاميين) يطلقون حناجرهم فقط على مناهج الأزهر والعقلية الأزهرية الوسطية».
ويتهم عدد من الإعلاميين والكُتاب الأزهر بأنه يُخرج متشددين، وطالب المفكر المصري سيد القمني قبل أيام بإدراج الأزهر كمؤسسة إرهابية، وقال مصدر مطلع في الأزهر لـ«الشرق الأوسط» إن «المشيخة حركت دعوى قضائية ضد القمني بسبب تعديه بالسب على مشيخة الأزهر واتهامه بأنها منظمة إرهابية».
ويرى مراقبون أن «الأزهر يواجه سيلا من الهجوم بعد أن قضت محكمة مصرية بسجن الإعلامي والباحث إسلام بحيري عاما واحدا لإدانته بازدراء الدين الإسلامي». ويتهم الأزهر بحيري ببث أفكار تمس ثوابت الدين، وقدم بلاغا إلى النائب العام ضده اعتراضا على ما «يبثه من أفكار شاذة تمس ثوابت الدين وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم وتسيء لعلماء الإسلام على إحدى القنوات الفضائية الخاصة».
لكن الطيب اتهم الإعلاميين أمس، قائلا: «هؤلاء الإعلاميون لا يعلمون شيئا عن مناهج الأزهر، ولا قرأ أحدهم كتابا أو بعضا من كتاب من مناهج الأزهر، اللهم إلا فقرات مجتزئة من هذا الكتاب أو ذاك، مُصرا على الهجوم، وهو هجوم ينفذ أجندات أجنبية من دوائر تحارب الأزهر».
وأضاف الدكتور الطيب أن «كتب التراث في العالم لا تخلو من أحكام أو من قضايا كانت تعالج قضايا طرحت آنذاك، وربما افترض العلماء صورا واحتمالات لم تقع، لكن حرصا منهم على البحث المستقصي فقد ذهبوا بعيدا في الافتراض والتفريع في مسائل يصعب تصورها، وهذا نوع من البحث معروف في أبواب الفقه الإسلامي، وهم قاموا بما يمليه عليهم البحث والاستقصاء في فروع مسائل الفقه، وليس بالضرورة أن تكون تلك الصور والافتراضات قد وقعت أو تقع في المستقبل، وهذا ما لا يدركه كثير ممن يتكلم دون علم في دقائق علم الفقه».
وتابع بقوله: «هؤلاء الذين يقولون إن مناهج الأزهر تخرج شخصا (داعشيا) يقول بجواز قتل المخالف وحرقه، عليهم أن يدلونا على حادثة واحدة في التاريخ الإسلامي تحقق فيها هذه الصور البشعة»، مضيفا: «ننزه تراثنا الفقهي من مثل هذه الأقوال الغريبة أن تكون آراء معتمدة عند العلماء في الحكم والفتوى، وإنما بعضها آراء وافتراضات قيلت على سبيل الافتراض لا غير، وهناك فرق بين أن تتحدث عن احتمالات وصور قد تحدث، وبين الواقع. وتراث الإنسانية فيه مثل هذا»، مشيرا إلى أن هؤلاء المنتقدين لا يفرقون بين رأي علمي طُرح من أحد الفقهاء في زمن وعصر وبين منهج معتمد ارتضته الأمة عبر العصور.. «ولا نشك أن التشويش المتعمد على مناهج الأزهر يراد به الاصطياد في الماء العكر، وتشكيك الناس في الأزهر».
وواصل شيخ الأزهر هجومه على الإعلاميين قائلا: «ابتليت الساحة الإعلامية ببعض من لم يدركوا حقيقة هذا المنهج، فأخذوا بعض جمل من بعض الكتب المقررة، وهي في حقيقة الأمر جمل إما محذوفة من المنهج المقرر وإما غير ملزمة للطالب. ثم خرجوا يشوشون على مناهج الأزهر ويشهرون بها.. وما كنا نتوقع أن يكون هناك شخص يتقي الله ويخاف من المسؤولية أن يعبث هذا العبث إلى هذا الحد، فمناهجنا هي التي حافظت على وسطية الإسلام عقيدة وفقها، وهي التي حافظت على أن تظل مصر بلا إرهاب ولا متطرفين.. اللهم إلا من فئات ضالة مضلة اعتمدت على مناهج غير مناهج الأزهر وتمذهبوا وتعبدوا بها.
وشدد الطيب على أن التعليم خارج مؤسسة الأزهر يحتاج إلى مراجعة شاملة، لأن التعليم غير الأزهري في معظمه يُعلم إما أن تكون معي وإما أن تكون كافرا أو فاسقا، لكن التعليم الوسطي الذي لا يكفر هو التعليم الأزهري، لافتا إلى أن الأزهر لا يمكن أن تهزه الآن مؤامرة هنا أو هناك، فالأزهر بمنهجه الوسطي السمح منهج تعددي لا يقر تكفيرا ولا إقصاء ولا تبديدا.
وأضاف أن «الهجوم على الأزهر هجوم على وطن، فليس منا من هو إرهابي ولا تكفيري، قد يكون بعض الطلاب استغلتهم بعض التيارات المتشددة، للتظاهر هنا أو هناك، هذا أمر وارد، ولكن أن يحمل السلاح ويذهب ويقتل فهذا ليس من صناعة الأزهر ولا من تعليمه»، لافتا إلى أن «الأزهر ليس مؤسسة تكفير ولا مؤسسة إرهاب ولا تعليمه يخرج إرهابيين، فنحن لا نكفر أحدا، حتى الذين يكفروننا لا نكفرهم، ولولا الله الذي أنعم على مصر بالأزهر، لكانت مصر لقمة سائغة للتكفيريين وللمتطرفين وربما وقعت في ما وقع فيه الآخرون».
وقال شيخ الأزهر إن «ما حدث من (داعش) وما حدث من الحركات المسلحة القاتلة والتي تزعم أنها ترفع لافتة الإسلام أيا كان اسمها، فلسنا وحدنا المسؤولين عن هذا.. فكل مؤسسات الدولة وكل مؤسسات العالم العربي والإسلامي مسؤولة عن نشأة هذا التيار العنيف الرهيب الذي لا يمثل الإسلام لا من قريب ولا من بعيد»، لافتا إلى «أننا حينما قدر الله لنا تحمل مسؤولية مشيخة الأزهر، بدأنا نراجع مناهجنا، ليس على أساس أنها مناهج إرهابية، ولكن على أساس أن هذه المناهج الوسطية تحتاج إلى تحديث».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.