حصار مضايا والزبداني والمعضمية ذروة الكارثة الإنسانية السورية

الأمم المتحدة تعلن قبول النظام إدخال مساعدات لـ بلدة مضايا.. وهيئة كبار العلماء في السعودية تدعو لإغاثتها

رضيع وشاب من مضايا في صورتين  اقتطعتا من شريط فيديو تظهران حجم الجوع الذي تعرض له أهالي البلدة نتيجة حصار دام 6 أشهر (رويترز)
رضيع وشاب من مضايا في صورتين اقتطعتا من شريط فيديو تظهران حجم الجوع الذي تعرض له أهالي البلدة نتيجة حصار دام 6 أشهر (رويترز)
TT

حصار مضايا والزبداني والمعضمية ذروة الكارثة الإنسانية السورية

رضيع وشاب من مضايا في صورتين  اقتطعتا من شريط فيديو تظهران حجم الجوع الذي تعرض له أهالي البلدة نتيجة حصار دام 6 أشهر (رويترز)
رضيع وشاب من مضايا في صورتين اقتطعتا من شريط فيديو تظهران حجم الجوع الذي تعرض له أهالي البلدة نتيجة حصار دام 6 أشهر (رويترز)

تخطت المأساة الإنسانية التي تشهدها بلدتا مضايا والزبداني كل الحدود، وبلغت حدًا غير مسبوق من الموت جوعًا بفعل حصار القتل والتجويع الذي يفرضه النظام السوري و«حزب الله» عليهما منذ ستة أشهر، لدرجة أن الناس أكلت أوراق الشجر والأعشاب ولحم القطط والكلاب، وقد بدأ هذا الواقع المأساوي يهدد مدينة معضمية الشام التي دخلت دوامة حرب التجويع أيضًا، ما حمل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إلى مطالبة مجلس الأمن الدولي بـ«إنقاذ أرواح المدنيين، لا سيما الأطفال والنساء في مضايا والزبداني ومعضمية الشام». ودعا الأمم المتحدة إلى تصنيف الوضع في هذه المناطق بـ«الكارثة الإنسانية وإقرار تدخل إنساني عاجل».
غير أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أعلن في بيان مقتضب أصدره أمس الخميس، عن «تلقيه موافقة من الحكومة السورية لإدخال المساعدات الإنسانية في أقرب وقت إلى ثلاث بلدات سوريا بينها مضايا المحاصرة في ريف دمشق». وقال البيان: «ترحب الأمم المتحدة بالموافقة التي تلقتها اليوم (أمس) من الحكومة السورية بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى مضايا والفوعة وكفريا، وتعمل على تحضير القوافل لانطلاقها في أقرب فرصة».
من ناحيتها دعت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، المسلمين في السعودية للمسارعة إلى إغاثة أهالي بلدة مضايا السورية المنكوبة التي يفرض عليها النظام السوري الإرهابي وميليشيا حزب الله وحلفاؤهما حصارًا خانقًا منذ 6 أشهر، وأدى إلى مجاعة رهيبة وموت الكثيرين؛ لا سيما الأطفال، واصفةً الصمت العالمي بأنه عار يلطخ جبين المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته الحقوقية والإنسانية.
وأوضحت الأمانة أن هذا الحصار الظالم الذي هو حرب تجويع؛ جريمة بشعة؛ هدفها إبادة مدنيين عزل أغلبهم من النساء والأطفال، وجريمة تضاف إلى جرائم هذا النظام البائد وحلفائه، الذين يمارسون أساليب كثيرة لقمع الشعب السوري المنكوب، دون أن يتخذ بحقه رادع في ظل ازدواج المعايير التي تتصف بها السياسة الدولية.
لكن الصورة التي ينقلها الناشطون في مضايا تتخطى ما يمكن أن يستوعبه العقل البشري، بعدما فقد المدنيون آخر مقومات الحياة، وتوفي 16 طفلاً وثمانية رجال وست نساء في الأسبوع الأخير. وقد عبّر عن هذا الوضع بألم وحسرة الناشط في مضايا أبو عبد الرحمن، الذي وصف الواقع بأنه «مأساة تفوق الخيال». وأكد أنه «لم يعد في مضايا أعشاب ولا أوراق شجر لأن الناس أكلتها، كما فقدت مادة الكرتون التي حولها البعض إلى وجبات غذائية لا تسمن ولا تغني من جوف». وفي صرخة وجهها عبر «الشرق الأوسط»، قال أبو عبد الرحمن: «نحن على يقين أنه لم يعد هناك جمعيات لحقوق الإنسان لنلجأ إليها، لكننا نناشد جمعيات الرفق بالحيوان أن تتدخل لتنقذ الحيوانات التي بدأت تنقرض في مضايا». وأكد أنه «لم يبق أي أثر للقطط، لأن الناس اصطادتها وأكلتها، والآن بدأت مرحلة صيد الكلاب، وإذا كانت هذه الجمعيات ما زالت ترفق بالكلاب، عليها أن تمارس نفوذها وتدخل لنا الطعام حتى تنجو الكلاب من الصيد». وشدد على أن «هذا الكلام ليس من باب إثارة العطف بل حقيقة موجودة على الأرض، وهناك العشرات ممن يحملون البنادق الآن ويصطادون الكلاب لتقديم لحومها إلى أسرهم».
وسأل أبو عبد الرحمن: «أين المعايير الدولية التي تحظر استخدام المدنيين دروعًا بشرية؟ كيف تسمح باستخدام سلاح الجوع الأكثر كفرًا والأشد فتكًا من أسلحة الدمار؟». وكشف أنه «خلال الأسبوع الأخير توفي 16 طفلاً تحت سن العاشرة، وثمانية رجال وست سيدات ضحية الجوع». وقال: «أمس حاولت امرأة مع طفليها الهرب إلى خارج مضايا، لكن حاجز لقوات الأسد شاهدهم وأطلق النار عليهم وأردى الثلاثة معًا». وأكد أبو عبد الرحمن أن «عائلات لم تذق الطعام منذ عشرة أيام، وشاهدت أفرادًا من بعض العائلات لا يستطيعون الوقوف على أقدامهم لأنهم فقدوا قواهم».
هذه المأساة الإنسانية انسحبت أيضًا على معضمية الشام في الغوطة الغربية، حيث جدد نظام الأسد تهديداته بحرب مفتوحة ضد أهالي وفصائل المدينة. وخلال اجتماع عقد مساء أول من أمس بين وفد المعارضة الممثل للمدينة، ووفد النظام الذي تحدث باسمه الإعلامي رفيق لطف الموالي للأسد، وجه النظام رسالة إلى أهالي وفصائل المدينة خيرهم فيها بين الاستسلام والخروج أو الحرب المفتوحة والحصار الشامل.
وأفاد الناشط في المعضمية داني قباني، أن «الوضع في المدينة صعب جدًا، إلا أنه لم يبلغ الحالة التي بلغتها مضايا، التي تعيش تحت الحصار منذ ستة أشهر». وأكد أنه «منذ 20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بدأ الحصار الكلي على المعضمية، وبدأ التعب الآن يظهر على الناس».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كانت حواجز النظام تسمح للداخل إلى المدينة أن يحمل حاجته اليومية من الطعام والشراب، لكن بعد 20 ديسمبر بدأ الحصار المطبق، فالأدوية لم تعد موجودة على الإطلاق منذ 70 يومًا، خصوصًا بعد اقتحام النظام للجبهتين الشرقية والجنوبية، وارتفاع عدد الإصابات والشهداء، ولأن منظمات الإغاثة لم تعد تلبي نداءنا».
ولفت قباني إلى أنه «مع دخول الشتاء والطقس البارد والحرارة (- 4)، لم تعد مادتا المازوت والغاز موجودتين للتدفئة، حتى الحطب لم يعد متوفرًا لأن القصف يطال منطقة البساتين، والناس بدأت الآن تحرق الأحذية والبلاستيك والثياب القديمة من أجل التدفئة عليها، وهو ما سبب حالات اختناق».
ولم تكن مادة التدفئة بأهمية المواد الغذائية المفقودة تمامًا، بحسب الناشط قباني، الذي أكد أن «جميع محلات السمانة (البقاليات) باتت خالية من المواد، وإذا عثر في مكان ما على بعض هذه المواد تكون الأسعار مرتفعة جدًا جدًا». وأوضح أن «الأمور ذاهبة نحو الكارثة، بعد قرار النظام وضع سكان المدينة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام وإما الحرب المفتوحة».
من جهته، قال الإعلامي محمود أبو قيس عضو المكتب الإعلامي في «لواء الفتح المبين» العامل في مدينة المعضمية لشبكة «سوريا مباشر»: «إن الحصار الذي يتوعد به نظام الأسد والمفروض حاليًا بعد إغلاق المعبر الوحيد للمدينة، سوف يكون حصارًا شاملاً ولن يكون هناك أي مبادرات مقبلة تفضي إلى فتح الطريق وبالتالي الحكم على 45 ألف مدني بالهلاك جوعًا وقصفًا». وأضاف: «لليوم الثاني عشر على التوالي لا يزال المعبر مغلقًا بوجه أهالي المدينة، حيث لا يسمح لهم بالدخول والخروج من وإلى المدينة، وكذلك لا يسمح بإدخال أي مواد غذائية أو إنسانية».
وتوقع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن «تدخل قريبًا قافلة مساعدات إنسانية إلى بلدة مضايا المحاصرة، فور حصول القائمين على إدخال القافلة من المنظمات الدولية، موافقة سلطات النظام على عملية إدخالها ومحتوياتها».
وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، دعا إلى «إنقاذ أرواح المدنيين لا سيما الأطفال والنساء في مضايا والزبداني ومعضمية الشام». وطالب الأمم المتحدة بتصنيف الوضع في هذه المناطق بـ«الكارثة الإنسانية وإقرار تدخل إنساني عاجل».
وقال مصدر مسؤول بالائتلاف في تصريح له: «في ضوء التقارير الطبية والميدانية التي تكشف عن وضع إنساني بالغ الخطورة في بلدة مضايا بريف دمشق في ظل منع ميليشيا (أمين عام حزب الله) حسن نصر الله وبشار الأسد لأي نوع من المساعدات من الدخول، فإن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يدعو الأمم المتحدة لتصنيف الوضع في مضايا ومعها الزبداني ومعضمية الشام (90 ألف مدني محاصرون) كارثة إنسانية وإقرار تدخل دولي إنساني عاجل، وتقديم المساعدات عبر الجو في حال مواصلة الميليشيات منعها من الدخول برا». وطالب المصدر مجلس الأمن بـ«مناقشة الوضع الإنساني في مضايا والمدن المحاصرة، كونه يخالف قراراته السابقة، ومنها القرار 2254، وتحمل المسؤولية في إنقاذ أرواح المدنيين، وبينهم أطفال ونساء»، داعيًا الجامعة العربية إلى «بحث الوضع بصفة طارئة في الاجتماع الوزاري يوم الأحد (بعد غدٍ) واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تساعد على إنهاء الحصار، وإدانته وتجريمه».
من جهته، اعتبر «حزب الله» في بيان صادرٍ عن إعلامه الحربيّ، أنّ الحديث عن تجويع المدنيين في مضايا بسبب الحصار الذي ينفذه هو «حملة مبرمجة بهدف تشويه صورة المقاومة»، موضحًا أنّ «الجماعات المسلحة التي تتخذ من مضايا رهينة لها، ولداعمي المسلحين من جهات خارجية هي من يتحمل مسؤولية ما يجري في البلدة».
وأكّد «حزب الله» أنّه «تم إدخال عشرات الشاحنات محملة بالمواد الغذائية والطبية في 18 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 إلى مضايا وسرغايا وبقين، والتي تكفي لأشهر عدة، بالتزامن مع إدخال نفس الكمية إلى كفريا والفوعة، وبحسب اتفاق الزبداني - كفريا والفوعة» من المقرر أن تدخل مساعدات غذائية في الأيام القليلة المقبلة بعدما تم تنفيذ بند إخراج الجرحى المسلحين من الزبداني، متهمًا من سماهم «الجماعات المسلحة الإرهابية باستخدام السكان الذين لا يتجاوز عددهم 23 ألف نسمة دروعا بشرية، وورقة سياسية يستغلونها الآن في حملة إعلامية»، مؤكدًا أنه «لا صحة للأخبار التي تدعي وجود حالات وفاة في البلدة».



الأزهر يدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة

الأزهر يدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة في شهر رمضان (أ.ف.ب)
الأزهر يدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة في شهر رمضان (أ.ف.ب)
TT

الأزهر يدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة

الأزهر يدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة في شهر رمضان (أ.ف.ب)
الأزهر يدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة في شهر رمضان (أ.ف.ب)

أدان الأزهر الشريف، الاثنين، قرار إسرائيل وقف دخول قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، مؤكداً في منشور على «فيسبوك»: «العدو الصهيوني، وهو يقترف جريمة تجويع الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال، يتجرَّد من كل معاني الرحمة وقيم الإنسانية، ولا يراعي حرمة هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، مستغلاً منعهم من ممارستهم الشعائر الدينية لفرض مزيد من المعاناة عليهم».

وطالب الأزهر في بيان حكومات الدول الإسلامية باستخدام ما في أيديهم من دبلوماسية وسياسة، لفكِّ الحصار المستبد عن الجائعين في شهر رمضان، الذي يهدف إلى إجبار الفلسطينيين على أن يختاروا بين الموت جوعاً أو الهجرة وإخلاء أرض غزة.