أطراف سياسية في طهران تتقاذف الاتهامات حول مسؤولية الهجوم على السفارة السعودية

السفير الإيراني بعد وصوله لبلاده: علينا أخذ العبر من الحادث

أطراف سياسية في طهران تتقاذف الاتهامات حول مسؤولية الهجوم على السفارة السعودية
TT

أطراف سياسية في طهران تتقاذف الاتهامات حول مسؤولية الهجوم على السفارة السعودية

أطراف سياسية في طهران تتقاذف الاتهامات حول مسؤولية الهجوم على السفارة السعودية

تقاذفت أطراف سياسية إيرانية مسؤولية الهجوم على السفارة السعودية، وهو ما قال عنه مراقبون إنه أسلوب إيراني معروف لمحاولة تبرئة ساحة الحكومة مما حدث؛ إذ أعادت مواقف المسؤولين الإيرانيين من الهجوم التساؤل حول التزام طهران بالمواثيق الدولية وحماية البعثات الدبلوماسية، وزادت المواقف المتناقضة، كما جرت العادة، حول القضايا الدولية بين الأطراف السياسية الإيرانية في محاولة للتغطية على الانتهاكات المخالفة للأعراف الدولية.
أما حسين صادقي، سفير إيران لدى السعودي، فقال فور وصوله لبلاده إن الاعتداء على السفارة السعودية أضر بصورة بلاده، وإنه «يجب أن تؤخذ العبر من الحادثة».. ففي الوقت الذي تخاذلت فيه القوات الأمنية الإيرانية عن حماية المقار الدبلوماسية، تصر طهران على أن جهات «متهورة» وراء حادث الهجوم وحرق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. كما لم يجد كبار المسؤولين حرجا في القول بإمكانية تورط «جهات مدسوسة» في الهجوم على السفارة السعودية، التي تقع في منطقة تشهد وجودا أمنيا كبيرا بسبب كثرة السفارات الأجنبية.
ووصف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الحادثة بـ«الخطأ الفادح وغير القانوني»، وطالب في اجتماع الأسبوعي لإدارته أمس وزارتي الداخلية والمخابرات بمحاسبة المسؤولين بتهمة «الإهمال والتقصير»، وعدّ المهاجمين «مجرمين»، مطالبا السلطة القضائية بـ«السرعة» في متابعة الموضوع. ورأى روحاني أن مهاجمي المقار الدبلوماسية بعيدون عن «الثقافة الإيرانية والإسلامية والقانون».
بدوره، يعد المرشد علي خامنئي، الذي تدين الجهات الداعية إلى الاعتداء على المقار الدبلوماسية السعودية بالولاء له، أبرز الشخصيات الإيرانية التي لم تُدن الهجوم حتى الآن على الرغم من تقبيحه الهجوم على السفارة البريطانية في 2011.
في غضون ذلك، أفادت وكالة «مهر» الحكومية أن وزير الداخلية رحمان فضلي أصدر توجيهات بتشكيل مجموعة رباعية مكونة من السلطة القضائية ووزارتي المخابرات والشرطة ومحافظة طهران، لمتابعة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران «من مختلف جوانبه» وإعلان نتائج التحقيق بعد أسبوعين.
ولدى وصوله إلى مطار طهران بعد مغادرة الرياض، قال السفير الإيراني لدى السعودية، حسين صادقي إن الاعتداء على السفارة وانتهاك بعض الالتزامات ألحق أضرارا بصورة إيران، وعدّه هجوما «مرفوضا وغير مقبول»، وقال إن «على إيران أخذ العبرة من هذا الدرس لمنع تكراره».
وفي سياق التشكيك في هوية الجهات التي تقف وراء الهجوم، استمرت محاولات التبرير من المسؤولين الأمنيين الإيرانيين؛ إذ عدّ قائد الشرطة الإيرانية الجنرال حسين اشتري أن الهجوم على السفارة السعودية «مريب»، وأن قواته المتهمة بالتقصير تتابع الموضوع بجدية. وفي إشارة إلى تورط قوات الباسيج، قال اشتري إن أي شخص «ثوري» ومحب للنظام لا يسمح لنفسه بالهجوم على السفارة بهذا الشكل.
يذكر أن قائد الشرطة الإيرانية السابق الجنرال إسماعيل أحمدي مقدم، في حوار مع وكالة «مهر» الإيرانية، كان قد اتهم السفارة البريطانية بالتورط في هجوم عناصر الباسيج الطلابي على السفارة البريطانية في طهران نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، كما اتهم «متطرفين وفرت إيران الأمن لهم في أراضيها» من دون ذكر اسمهم، وأضاف أن بريطانيا استدرجت إيران إلى فخ الهجوم على سفارتها. وكان أحمدي مقدم قد ادعى أن الحالة النفسية للدبلوماسيين البريطانيين بعد الهجوم على السفارة «لم تكن تظهر قلقا» لديهم من الهجوم. وعن انسحاب قوات الشرطة الإيرانية الخاصة قبل لحظات من الهجوم على السفارة البريطانية، قال إنه كان بطلب من موظفي السفارة، الأمر الذي عدّه خامنئي لاحقا خطأ، وفق قائد الشرطة الإيرانية.
وليس بعيدا عن ذلك، انتقد المفكر السياسي الإيراني، صادق زيبا كلام، مواقف المسؤولين الإيرانيين من الهجوم على السفارة السعودية، وقال إنه لو اتخذ حكام إيران موقفا صارما واحدا ضد الهجوم على السفارات والمقار الدبلوماسية، لما تلقت المصالح القومية الإيرانية خنجرا في الظهر.
ورأى زيبا كلام، في افتتاحية صحيفة «شرق» أن طهران لم تحصد من إغلاق أبواب السفارة البريطانية قبل خمس سنوات إلا خسائر تقدر بمليارات الدولارات، وأنها لم تحصل على نتيجة إيجابية واحدة من قطع العلاقات مع لندن. وفي هذا الإطار، قال إن طهران لن تجني غير الخسائر للمصالح القومية جراء الهجوم على السفارة السعودية السبت الماضي.
وتساءل زيبا كلام: «كيف لا يمكن لجهات تحمل مشاعر (ثورية) أن تقوم بهذا العمل؟». وقال: «كأن البعض أراد توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي حتى لا تخدعهم ضحكات ظريف وأدب ورصانة عباس عراقجي ومجيد تخت روانجي وعلي أكبر صالحي.. ولا شيء تغير»، مضيفا: «البعض يصر على أن الصورة المرسومة لإيران ليس خاطئة وأنها مطابقة للأصل في طهران».
وفي سياق متصل، قال مساعد رئيس البرلمان الإيراني إن لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي ستناقش موضوع الهجوم على السفارة السعودية وتعاقب المعتدين عليها.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».