«كديسة».. التعصب الديني عبر 3 أجيال من الفرنسيين

حجاج أدول يضفي على التاريخ رؤيته الخاصة في روايته الجديدة

حجاج أدول  -  غلاف الرواية
حجاج أدول - غلاف الرواية
TT

«كديسة».. التعصب الديني عبر 3 أجيال من الفرنسيين

حجاج أدول  -  غلاف الرواية
حجاج أدول - غلاف الرواية

صراع الحضارات وأزمة تلاقي الشرق والغرب والهوية والتعصب الديني والتعامل مع الآخر، هي القضايا التي نسج من خلالها الروائي المصري حجاج أدول روايته الجديدة «كَدِيسة» الصادرة حديثا عن دار العين، خالقا عالما سرديا مميزا مغموسا بعبق التاريخ، لكنه يحمل في طياته واقع ما يعيشه العالم الآن من كراهية تحت ستار الدين.
تتبنى «كَدِيسة» عبر فصولها عددا من القضايا الثابتة والعابرة والمتغيرة في حياة البشر وتتماس مع التابوهات بأسلوب يتميز بالانسيابية والعمق في الآن ذاته. تعامل «أدول» أيضًا مع المشاعر الإنسانية الكامنة في اللاوعي الغربي تجاه شعوب الضفة الجنوبية من البحر المتوسط، عبر شخصياته التي تطرح أسئلة حول الثقافة والإنسانية، متأثرا بالروح السكندرية الكوزموبوليتانية التي عايشها رغم كونه متحدرا من أصول نوبية بجنوب مصر. إنه يقدم وصفا دقيقا لمارسيليا في القرن الثالث عشر، ساردا ببراعة تفاصيل حياة البلاط والقصور والقلاع، ومفككا لبدايات الفكر الديني المتشدد الذي صاحب الحملة الصليبية على الشرق. وهو يصف بدقة عبر تسلسل الأحداث كيف تغير الفكر الصليبي عبر احتكاك الغربيين بالشرقيين من خلال حكاية ثلاثة أجيال من عائلة فرنسية أرستقراطية.
نرو أولا «كلود بن فيكتور» الفارس الصليبي، وأحد جنود حملة الملك لويس الذي جاء غازيا لمصر على رأس جيشه، هاربا بعد أن فتك بهم الجنود المصريون ومعهم العامة، حتى وصل بالكاد إلى شاطئ البحر في حالة يرثى لها، ولم يعد أمامه سوى إلقاء نفسه في البحر الذي جاء منه، ثم ينقذه صياد مسلم من الغرق ليصبح أسيرا وتتغير نظرته للمسلمين..«كلود بن فيكتور» يراجع حال المسيحيين وحال المسلمين. حال هذا البحر الوسيط الذي كتب عليه أن تتقاتل ضفتاه ضد بعضهما بعضا فيلوثا هذا البحر الأزرق بلون الدم الأحمر. على ظهر مركب العودة، يحاور كلود نفسه: «لماذا الحروب؟ ولماذا سفك الدماء؟ نحن نقول على المحمديين كفرة. والمحمديون يقولون علينا إننا كفرة؟ فمن منا المؤمن ومن منا الكافر؟» (كَدِيسة، ص 34).
اختار الروائي السبعيني صاحب «ليالي المسك العتيقة»، اسم «كَدِيسة» لروايته، التي تعني «القطة» في اللغة النوبية كناية عن تمرد صاحبة الشخصية في روايته، كما استعان بالمثيولوجيا النوبية في استعارته لاسم «كلود» وتوريثه لشخوصه، حيث تعني «كلودا» بالنوبية رقم «7»، كناية عن ارتباط «كلود» بكديسة ذات «السبع أرواح»، موجها رسالة للقارئ بأن هناك المزيد من «كلود»، وأن استمرارية التاريخ واستمرارية مقاومة التطرف سوف تظل بوجود البشرية.
تصيبك «كَدِيسة»، عبر صفحاتها الـ288، بالدهشة من مدى التقارب بين الشرق والغرب حتى في الأساطير التي يؤمن بها البشر على ضفتي المتوسط، فها هو «كلود الأول» بطل الرواية ينساق لنداهات البحر «عرائس البحر» تماما كما ينساق صياد محلي سكندري النداهات متخيلا أنه يسبح في حمايتهن. ويرصد أدول ببراعة تحولات المجتمعات الغربية والشرقية عبر مارسيليا والإسكندرية مبرزا حدة التعصب الديني بمرور العصور عبر «كلود بن فيكتور»، و«كلود الثاني»، والحفيد «كلود الثالث»، و«كاري»، و«بسبوسة» و«كَدِيسة»، و«الفرنسيسي» و«حميدو»، و«عصابات الرايات السوداء» ممارسا المجاوزة في الفن الروائي حين يستوحي تاريخا حقيقيا معيدا تشكيل وحداته، متخيرا بعض نقاط الالتباس فيه، ليصوغ شخوصا من مخيلته، يحار القارئ هل كانت شخوصا حقيقية أم لا، فالحدود بين الحقيقي والمتخيل لدى «أدول» متماهية فهو يغرس قلمه في التاريخ خالقا نصا تاريخيا بتأويله الخاص.
استعان الروائي بتقنية الراوي العليم: «من زمن مضى، قامت بلاد الفرنجة القاطنة في جنوب البحر الوسيط، بشن حملات بحرية مسلحة على بلاد العرب القاطنة في ضفة البحر الجنوبية. فشلت الحملات التي كانت ترفع شعار الصليب» (كَدِيسة، ص7). ثم يمزجها بتقنية الحوار بين الشخصيات.. «لم أنقذتني إذن؟ هكذا يجب أن يفعل الإنسان مع أخيه الإنسان»، ويذهب عند سرده لحكاية «كلود الثاني» أو «كلود السمين» وتطرقه لتابوه الجنس مستخدما حوارا إيروسيا بين «كلود» و«بسبوسة»، لكنه يصبح كمرآة تطل بها شخوصه على حياتهم الشخصية ويكشفون بها عن رؤيتهم لمجتمعاتهم، فهو يصهر الأصوات الروائية للشخصيات داخل صوت الراوي.
يمثل «أدول» تيار ما بعد الحداثة في الرواية العربية في اشتباكه مع التاريخ والغوص في خبايا النفس البشرية لشخصيات مكتسية بحلة تاريخية؛ فلا يتعامل مع التاريخ باعتباره نصا مقدسا كما هي الحال في الكثير من الروايات العربية التاريخية وإنما يضفي عليه رؤيته الخاصة.
لا يخفى على المتابع لكتابات حجاج أدول كونه أديبا له مشروعا أدبيا إنسانيا، فهو يفتش في حنايا التاريخ ليسلط الضوء على القيم الإنسانية الإيجابية، المهددة بالتطرف والتعصب. يقول صاحب «ثلاث برتقالات مملوكية»: «أردت القول بأن البدايات قديمة، فسلسلة التطرف من البدايات تسير حتى الآن، سواء اسمهم (داعش)، أو عصابات الرايات السوداء، أو الخوارج، أو قتلة هيباتيا، أو(الصليبيين) أحاول قراءة التاريخ جيدا واستنباط الواقع في ذاك الزمان مع اختيار شخصيات غير حقيقية».
ويضيف: «في النوبة توجد إشكالية الجنوب والشمال، وأنا نوبي وأعيش في أقصى الشمال فلمست تلك الإشكالية، وفي الوقت ذاته؛ أشعر أني من الشمال والجنوب معا، فقد عايشت الجريك وأخي وعمي كانوا يتحدثون اليونانية. دورنا أن ننادي بحب البشر إجمالا».
وعن سبب عودة صاحب «خوند حمرا» للتاريخ، وتجاهل الحاضر المليء بالإشكاليات، يقول: «أجد أن التاريخ متصل، فما عانته البشرية في الماضي هو ما تعانيه الآن. لذا بدأت منذ أربع سنوات أعمل على مشروع روائي ضخم، رواية «ألف ليلة وليلة» لكي تصل للقارئ عبر 20 رواية متصلة منفصلة، أتمنى أن أستطيع الانتهاء منها. وكتبت روايتين عن المماليك وأنوي كتابه ثالثة والأصل فيها أنها كلها يوم واحد ممتد، منذ بدء الخليقة إلى يوم القيامة.. فنحن نعيش عصر المماليك بحذافيره».



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.