إصلاحات العبادي بين «التحرش» بالحيتان و«قصقصة» أجنحة العصافير

عام 2015 يسدل الستار على أهم قضيتين معلقتين: الفساد وسقوط الموصل

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يجلس وراء مقود إحدى طائرتي «إف 16» وصلتا من الولايات المتحدة بينما يفحص وزير الدفاع خالد العبيدي (وسط) أجزاء منها في قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يجلس وراء مقود إحدى طائرتي «إف 16» وصلتا من الولايات المتحدة بينما يفحص وزير الدفاع خالد العبيدي (وسط) أجزاء منها في قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين (أ.ف.ب)
TT

إصلاحات العبادي بين «التحرش» بالحيتان و«قصقصة» أجنحة العصافير

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يجلس وراء مقود إحدى طائرتي «إف 16» وصلتا من الولايات المتحدة بينما يفحص وزير الدفاع خالد العبيدي (وسط) أجزاء منها في قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يجلس وراء مقود إحدى طائرتي «إف 16» وصلتا من الولايات المتحدة بينما يفحص وزير الدفاع خالد العبيدي (وسط) أجزاء منها في قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين (أ.ف.ب)

رغم كل الوعود والتعهدات التي قطعها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على نفسه بشأن محاربة الفساد، الذي هو الآفة الأكبر في البلاد، والبدء بإصلاحات حقيقية، فإن عام 2015 يوشك أن يسدل ستاره على أهم مسألتين معلقتين وهما: قضية سقوط الموصل، ومكافحة الفساد استجابة للتظاهرات التي يشهدها الشارع العراقي منذ الصيف الماضي.
وبالاستناد إلى الكشف عن حجم الأموال المهدورة طوال سنوات العقد المنصرم والتي بلغت نحو تريليون دولار أميركي؛ استنادا إلى ما كشفه لـ«الشرق الأوسط» نائب رئيس الوزراء المستقيل بهاء الأعرجي، وما ترتب عليه من تغلغل الفساد في كل الدوائر والمؤسسات بما في ذلك المؤسسة العسكرية والتي نتج عنها سقوط ثاني أكبر مدينة في العراق (الموصل) ومحافظة نينوى خلال شهر يونيو (حزيران) من عام 2014 ومن ثم تمدد «داعش» في ثلاث محافظات (ديالى وصلاح الدين والأنبار) فإن هناك أشبه بدوران في حلقة مفرغة. فلا العبادي تمكن مثلما يرى المتظاهرون من تحقيق ما وعد به، حيث بقيت وعوده محصورة بين التحرش بحيتان الفساد مرة وبين البدء بما يشبه قصقصة أجنحة العصافير مرة أخرى، ولا الحكومة نجحت في تحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية، ولا المتظاهرون عادوا إلى بيوتهم لا سيما أن الهدف الذي كان يرمي إليه الشارع وبمؤازرة المرجعية الدينية الشيعية في النجف قد تحقق نصفه وهو عدم حصول نوري المالكي على ولاية ثالثة، لكن بقي النصف الثاني هو تحميل المالكي وحكومته مسؤولية سقوط الموصل وهدر الـ«تريليون دولار».
الأعرجي، الذي بادر إلى الاستقالة من منصبه قبل أن يصدر العبادي الحزمة الأولى من الإصلاحات والتي تضمنت إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية والوزراء، يضيف أن «مجموع ما باعه العراق من نفط منذ عام 2004، حيث بدء إعداد الموازنة الأولى للدولة العراقية بعد سقوط النظام السابق وإلى عام 2014 وهو العام الأخير من حكومة المالكي الثانية بلغ قدره 800 مليار دولار أميركي، كما حصلنا على مساعدات مالية تقدر بـمائتي مليار دولار، بينما لم يجر تقديم أية حسابات ختامية خلال تلك الفترة». ويقول الأعرجي إن «كل ما وجدته حكومة العبادي في خزينة الدولة هو ثلاثة مليارات دولار، بينما يتوجب علينا دفع ديون للشركات النفطية تبلغ نحو 15 مليار دولار، فضلا عن الالتزامات الخاصة بالرواتب والأجور والكلف التشغيلية».
وإذا كان هذا هو واقع الحال ونحن على وشك نهاية عام وبداية عام جديد، فإن الحكومة بدأت تتحرش برواتب الموظفين والمتقاعدين الشحيحة أصلا بنسبة 3 في المائة في موازنة عام 2016 في وقت كان ينتظر الشارع العراقي أن تضرب الحكومة «بيد من حديد» على مافيا الفساد. وفي هذا السياق يقول أحد منظمي المظاهرات في العراق كاظم المقدادي لـ«الشرق الأوسط» إن «المالكي لم يتفاعل مع إجراءات العبادي، وبدا يثير المخاوف حولها لجهة إمكانية استغلال المظاهرات أو ما شابه ذلك، بينما الحقيقة أنه يخشى المساءلة في وقت لاحق لأنه هو المسؤول عن حقبة الهدر المالي التي بلغت مئات مليارات الدولارات، وبالتالي فإنه لا بد أن يكون موضع مساءلة بعد إقالته من منصبه».
في السياق نفسه يرى القيادي في التيار المدني الديمقراطي جاسم الحلفي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المظاهرات الجماهيرية هي ليست فقط جرس إنذار، وإنما هي أبعد من ذلك بكثير، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات فاعلة وسريعة على مستوى إصلاح منظومة الحكم في البلاد باتجاه إنهاء نظام المحاصصة التي هي السبب الرئيسي لما حل بالعراق من كوارث؛ أبرزها الفساد منذ عام 2003 وحتى اليوم».
رئيس لجنة النزاهة في البرلمان طلال الزوبعي يرى من جهته في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الأجواء الآن باتت مهيأة فعلا للتوصل إلى حلول حقيقية من أجل اجتثاث ظاهرة الفساد في البلاد» مضيفا أن «الدعم الشعبي يصب في خدمة عمل اللجنة التي كانت قد واجهت على عهد الحكومة السابقة مزيد من الصعوبات نظرا لعدم تعاون الجهات الحكومية والتنفيذية معها، لكن الأمر اختلف الآن حيث سيتم فتح جميع الملفات التي تشوبها شبهات فساد في الدورة البرلمانية السابقة». ويؤكد الزوبعي أن «اللجنة بدأت تعمل الآن في ضوء خطة واضحة المعالم وخريطة طريق من أجل الوصول إلى كل الملفات وفي كل الدوائر والمؤسسات من أجل تنظيف البلاد من الفاسدين ومن مافيا الفساد التي نخرت بجسد الدولة والمواطن طوال السنوات الماضية».

الفساد في العراق بلغة الأرقام

على الرغم من تعدد الجهات الرقابية في العراق لكنها جميعا تدور حول المشكلة ولا تتمكن من الخوض في تفاصيلها بسبب تداخل ما هو سياسي بما هو اقتصادي. فبالإضافة إلى ديوان الرقابة المالية، هناك هيئة النزاهة المستقلة ولجنة النزاهة البرلمانية، فضلا عن مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات والمؤسسات بالإضافة إلى الادعاء العام والقضاء.
لكن مع ذلك لم يتم خلال الفترة الماضية حسم أي ملف من ملفات الفساد المفتوحة أصلا والتي أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي إعادة فتحها مجددا في سياق حزمه إصلاحاته التي أعلن. وبسبب تعددية الجهات، فلقد بات من الصعب ملاحقة الفساد والفاسدين حتى بعد خروج التظاهرات الجماهيرية منذ نحو خمسة شهور.
المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «العجز في موازنة عام 2015 بلغ 23 تريليون دولار ومع استمرار انخفاض أسعار النفط يتوقع ارتفاع العجز في موازنة عام 2016» مشيرا إلى أن «الكميات المصدرة من النفط الخام لم تصل حتى الآن مستوى الطموح المرجو للتصدير، بسبب الأوضاع الأمنية». لكن تبقى أبرز تجليات الفساد في العراق هو ما كشفه رئيس الوزراء حيدر العبادي عن وجود ما أطلق عليه 50 ألف فضائي (جندي وهمي) في الجيش العراقي وبالذات في أربع فرق عسكرية فقط (الجيش العراقي يتكون من 17 فرقة). وما أن كشف العبادي هذه الأرقام حتى بدأت عمليات الكشف عن الفضائيين في مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها تتسارع من قبل نواب ومسؤولين في البرلمان والحكومة ولجان النزاهة. وبعملية حسابية أولية فإنه لو افترضنا أن عدد الفضائيين هو 50 ألف فقط، فإن مرتبات هؤلاء تصل إلى 500 مليون دولار سنويا بواقع 700 دولار شهريا كحد أدنى وهو رقم فلكي، وإذا أضفنا له مخصصات طعام هؤلاء الفضائيين بمعدل ثلاث وجبات تكلف الدولة (مع نسبة الفساد فيها) ما لا يقل عن 150 دولارا شهريا للفرد، فهذا يعني 90 مليون دولار سنويا أي ما مجموعه 590 مليون دولار، وإذا ضربناها في أربع سنوات هي فترة الحكومة السابقة، فالرقم يصل إلى قرابة المليارين ونصف المليار دولار.
الجانب الآخر لمستويات الفساد هو تهريب العملة وغسل الأموال. وطبقا للتقارير المعتمدة، فإن «مجموع ما دخل على العراق في سنوات 2006 وحتى 2012 من إيرادات النفط زاد عن 370 مليار دولار أميركي، كما بلغت مبيعات البنك المركزي في مزاد الدولار لتلك الفترة أكثر من 207 مليار دولار». وتشير التقارير إلى أن «نسبة مبيعات البنك المركزي تبلغ 56 في المائة من إيرادات العراق في تلك الفترة وهي تمثل أضعاف ما استورده القطاع الخاص العراقي».



تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
TT

تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)

أصدرت الدول العربية المجتمعة في مدينة في الأردن، اليوم السبت، بيانها الختامي الذي أكدت فيه دعمها لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية.

وقال البيان بعد اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا التي تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية الإمارات، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، وذلك ضمن اجتماعات العقبة حول سوريا: «أكد المجتمعون الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته».

وأضاف: «ندعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبمن فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته».

كما دعا البيان إلى «تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يُقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار».

وأكد البيان على «دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا؛ لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها، ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254».

وشدد على أن «هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية؛ لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات».

إلى ذلك طالب البيان بـ«ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية»، وأكد «ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

ودعا إلى «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية».

وحث على «الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة».

أيضاً، أكد البيان «التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها. وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الشعب السوري، بما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

وتطرق إلى العمل على «تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

كذلك، أدان البيان توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالاً غاشماً وخرقاً للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في عام 1974، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما أدان الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى في سوريا، وأكد أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وأوضح أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.