لا يعدو عمر الإنسان مجرد رقم، ولا ينبغي إغفال إنجازات كبرى حققها لاعب رياضي ما لمجرد أن مستوى لياقته البدنية بدأ في التراجع.
مثلما كان من المستحيل التكهن بالموهبة الطاغية لنجم الغولف تايغر وودز خلال سنوات مراهقته، فإن الأمر يتطلب قدرًا هائلاً من الفطنة والذكاء كي يتمكن المرء من تقدير مكانته حق تقديرها وهو يكمل عامه الأربعين (الأربعاء الماضي). ويقبل وودز على عيد ميلاده آملاً في أن يكون بداية استعادته لبريقه الماضي وتألقه.
ورغم كل المحن التي مر بها، لا يزال وودز محتفظًا بمكانته باعتباره الاسم الأول عالميًا في عالم الغولف. ورغم أن حقل الغولف قد لا يشعر بارتياح حيال هذا الأمر، خصوصًا مع صعود نجوم جديدة، فإن ذلك يظل حقيقة تستعصى على الإنكار. علاوة على ذلك، فإن رياضة الغولف ليست بحاجة للبحث عن وودز جديد، فهو كان وسيبقى ظاهرة استثنائية لا تأتي إلا مرة واحدة، ومن المستبعد ظهور نسخ جديدة منها عبر أجيال مختلفة، بل إنه حتى لون بشرته يحمل دلالة خاصة ومميزة في إطار رياضة مفعمة بمشاعر التحامل.
في صباح أحد أيام السبت في يوليو (تموز) في سانت أندروز، تدفق المئات على ملعب أولد كورس، قادمين من المدينة لانتشار شائعات تفيد بأن وودز موجود هناك حيث يلعب مع عدد من الناشئين. في الواقع، ليس من لاعب آخر باستطاعته الآن أو مستقبلاً التمتع بهذا القدر من التأثير على الجماهير. واللافت في الأمر أن تراجع أداء وودز داخل الملاعب لم يؤثر على شعبيته وتركز الأنظار عليه.
في ذروة تألقه، لم يكن بمقدور عاشق للغولف إغفال مشاهدة وودز. والعجيب أن هذا الأمر لا يزال ساريًا حتى مع تراجع أدائه. في قمة أدائه، كانت نجومية وودز قادرة على تخويف حتى خصومه من اللاعبين رفيعي المستوى. ومثلما وصفت زوجته السابقة إلين نورديغرين الأمر، فإن وودز لديه ولع بالفوز. وخلال احتفالهما بالفوز بإحدى البطولات، نظر وودز لزوجته أثناء حمله الجائزة، وقال: «حبيبتي، هذا هو ما نفعله». وكان فوز وودز بـ«أوغستا ناشونال» عام 1997 مذهلاً، وكذلك سجله في الفوز الذي امتد إلى الرقم تسعة خلال عام 2000 فقط.
وبجانب عدد مرات الفوز بالبطولات، يستحق وودز مكانة رفيعة بعالم الغولف عن جدارة بالنظر إلى تقديمه بعضًا من أفضل مستويات الأداء في تاريخ اللعبة. وقد نجح وودز بمفرده تمامًا في الدفع برياضة الغولف داخل المجال التجاري، الأمر الذي لا يزال يحصد ثماره لاعبون بارزون على مدار 2015 جوائز تبلغ قيمتها عدة ملايين من الجنيهات أسبوع بعد آخر. عندما كان والد وودز، الراحل إيرل وودز، يصر لكل من يقابله ويبدي رغبة في الإنصات، وآخرون لم يكونوا ينصتون له، أن نجله سيحدث ثورة في رياضة الغولف، جرى التعامل مع ما يقوله باعتباره محض خيالات وأحلام، لكن الأيام أثبتت أنه كان على حق، وبمرور الوقت صعد نجم وودز كظاهرة رياضية لا تتكرر.
الملاحظ أن اهتمام وودز بالأداء البدني كان يبلغ أحيانًا حد الهوس، لكن يبقى من المؤكد أنه عزز صورة لاعبي الغولف باعتبارهم رياضيين بالمعنى الحقيقي للكلمة. وقد سار على النهج ذاته رياضيون آخرون أمثال جيسون داي وروري مكلروي. وبالتأكيد كان هذا التطور في مصلحة نجوم اللعبة.
أما الأخبار السارة لوودز الذي يتعافى حاليًا من جراحة جديدة في الظهر، فهي أن بلوغ الـ40 ليس عائقًا بالضرورة في حد ذاته من الناحية التنافسية، والدليل على ذلك أن نجمًا في براعة جاك نيكلوس أتم الـ40 من عمره في يناير (كانون الثاني) 1980 ولم يمنعه ذلك من تحقيق نجاحات في بطولتي أميركا المفتوحة والاتحاد الأميركي لمحترفي الغولف في غضون شهور. وفي عام 1986، حقق نيكلوس الفوز بالماسترز.
وعن ذلك، قال نيكلوس: «الأربعين ليست سوى رقم بالنسبة لي، فهي في الواقع لم تخلق أي اختلاف. أما عيد الميلاد الأصعب على قلبي فكان الـ65 لأنني حينها أدركت أنه لن يكون بمقدوري اللعب بعد ذلك».
واللافت كذلك أن لاعبين آخرين، مثل بيرنارد لانغر وكولين مونتغمري، ظلوا محتفظين بقدرة كبيرة على المنافسة خلال سنوات متأخرة من مشوارهم الرياضي، وهي سنوات عادة ما يجري النظر إليها باعتبارها سنوات التراجع.
في ما يتعلق بوودز، نجد أن العام الماضي شهد تغييرًا ملحوظًا وإيجابيًا في السلوك العام للاعب. في الوقت الحاضر ينبغي أن تبقى النقاشات الدائرة حول ما إذا كان بإمكان وودز التعافي من محنة إصابته، ممزوجة بتقدير لما قدمه سابقًا. حتى الآن، فاز وودز بـ14 بطولة كبرى، ويعتبر أصغر لاعب بالتاريخ يحقق نجاحًا كاسحًا وعالميًا بالغولف، بجانب كونه لاعب الغولف صاحب أكثر الأسابيع عددًا وتتابعًا على قمة التصنيف العالمي، واللاعب الوحيد الذي فاز بالبطولات الأربع الكبرى على التوالي. ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التقليل من قيمة ما حققه وودز لمجرد أن بعض الوقت مر منذ آخر انتصاراته وإنجازاته.
ومع ذلك، يبقى تساؤل «ماذا لو؟» يطل برأسه. وعلى أية حال، فإنه عندما اقتنص وودز بطولة أميركا المفتوحة لعام 2008، لم يكن هناك أدنى شعور بأن قطار نجاحاته سيتوقف لبعض الوقت، أو إلى الأبد. من جهته، علق مكلروي على الحديث الدائر حول وودز بقوله: «قرأت كثيرًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن عدد البطولات التي كان بإمكان وودز تحقيقها ببلوغه الـ40. لماذا لا نكتفي بتقدير ما حققه بالفعل؟ خاصة وأنه إنجاز استثنائي في حد ذاته».
بالطبع مكلروي محق في قوله هذا، إلا أن المشكلة فيما يخص وودز أن كثيرًا من المراقبين ينظرون إلى سقوطه باعتباره صنيعة يديه. حقيقة الأمر أن وودز وحده هو القادر على تحديد ما إذا كانت الفوضى التي عصفت بحياته الخاصة نهاية 2009 أثرت بالسلب على مستواه المهني. ظاهريًا، يبدو أن إدراك اللاعب فجأة أنه ليس بمنأى عن السقوط داخل وخارج الملعب كان له تأثير عميق عليه.
ورغم أن أحدًا لا يختلف على أن سلوك وودز باتجاه زوجته وطفليه كان بغيض ومرفوض تمامًا، فإنه يبقى متفردًا على مستوى العالم باعتباره الإنسان الوحيد الذي اضطر للاعتذار والتكفير عن خطاياه أمام العالم بأسره. ومن الصعب على المرء عدم التعاطف معه. وعلينا الاعتراف بأنه ما من مال ولا نجاح يمكنه تعويض حاجة وودز لبعض الأمان عندما يكون برفقة أطفاله في أي مكان عام.
ومن جديد ينبغي التنويه بأن العام الماضي شهد تغييرًا إيجابيًا ملحوظًا في سلوك وودز العام. وفي الوقت ذاته، أبدى تشككًا وريبة حيال التعامل مع وسائل الإعلام، الأمر الذي ورثه عن أبيه. إلا أن هذا الأمر أتى عليه بنتائج سلبية، رغم أن زملاءه والعاملين بمجال الغولف يتحدثون عنه داخل الغرف المغلقة باعتباره شخصًا ودودًا ومحبوبًا. وعلى خلاف الاعتقاد الشائع، فإن عودة نجم وودز للصعود سيلقى ترحيبًا واسع النطاق من زملائه من اللاعبين ووسائل الإعلام ورياضة الغولف ككل في وقت تناضل فيه لإثبات أهميتها التجارية.
على الصعيد العام، اتسمت شخصية وودز بالانغلاق، الأمر الذي حرمه تعاطف الجماهير معه في وقت كان يناضل لإنقاذ حياته المهنية. كما أنه يعمد دومًا إلى عدم الاعتراف بضعفه، لكن الكلمات القوية التي كثيرًا ما تصدر عنه تتنافى مع حقيقته. واللافت أن وودز بدا شخصًا شديد الصدق خلال آخر مقابلة إعلامية معه حيث قال: «يسألني أصدقائي باستمرار عن شعوري حيال بلوغي الـ40 من العمر، ودومًا ما يكون ردي: «الأمر يعتمد على اللحظة التي تسألني خلالها. ذهنيًا، يعلم الذين يعرفونني جيدًا أنني أقرب لطفل في الخامسة من عمره. أما بدنيًا، فأحيانًا أشعر بأنني عجوز وأحيانًا أخرى أشعر وكأنني لا أزال في عمر المراهقة. والحقيقة، أنني لا أحب الشعور بأنني في نقطة ما بالمنتصف أشعر خلالها أنني في الـ40».
وأضاف: «أما بالنسبة لما أرى نفسي عليه خلال السنوات الخمس أو الـ10 القادمة، أعتقد أنني حينها سأظل ألعب الغولف على أعلى مستوياته وسأستمر في حصد البطولات والجوائز».
ورغم أن هذا القول قد يبدو مفرطًا في تفاؤله في الوقت الراهن، فإنه إذا كان هناك شخص على الأرض له الحق في أحلام الغولف الكبيرة، فإن تايغر وودز هو ذلك الرجل.
تايغر وودز.. صاحب الفضل في بريق لعبة الغولف
احتفل بعيد ميلاده الأربعين متمنيًا تجاوز المحن والعودة لحصد البطولات
تايغر وودز.. صاحب الفضل في بريق لعبة الغولف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة