حالت رصاصات صامتة دون أن يحقق الصحافي والناشط السياسي السوري المعارض ناجي الجرف (37 عامًا) أحلامه. منعته، الأسبوع الماضي، من توفير فرصة أمان له في باريس التي حصل على تأشيرة هجرة إليها، وكان يفترض أن يغادر إليها بعد أيام قليلة على اغتياله في تركيا، كما حرمته من أن يُدفن في بلدته التي أحب في السلمية في شمال سوريا، علما بأنه كان يدرك بأن حلمًا مشابهًا، ممنوع عليه، قائلاً، في تعليق له في حسابه في «فيسبوك» قبل اغتياله بأيام: «لوقت قصير كنت أحلم بقبر صغير يغمرني على تلة لطيفة بقرية اسمها فريتان شرق مدينتي (السلمية) بالقرب من قبر جدي.. اليوم حتى هذا الحلم أمسى بطرا وترفا».
وأعلنت حملة «الرقة تذبح بصمت» الأسبوع الماضي، أن المعارض السوري المناهض لتنظيم داعش ناجي الجرف اغتيل الأحد في مدينة غازي عنتاب (جنوب شرقي تركيا) بمسدس كاتم للصوت، قائلة في صفحتها في موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي: «مخرجنا ناجي الجرف، الوالد لطفلتين، اغتيل بمسدس كاتم للصوت في غازي عنتاب (على الحدود السورية) في تركيا اليوم».
والجرف ناشط سياسي معروف بمعارضته للنظام السوري ومناهضته لتنظيم داعش، فقد أخرج أفلاما وثائقية كثيرة عن الأزمة السورية. وعمل الجرف مع مجموعة «الرقة تذبح بصمت» التي تنشط سرا منذ أبريل (نيسان) 2014 في المدينة، التي توثق انتهاكات التنظيم المتطرف بعدما بات معقله محظورا على الصحافيين إثر عمليات خطف وذبح طالت عددا منهم. كما شغل الجرف منصب رئيس تحرير مجلة «حنطة» السورية التي ترصد، حسب موقعها الإلكتروني: «المشاهدات اليومية في حياة المواطن السوري».
وكشف اغتيال الناشط السياسي والصحافي السوري المعارض ناجي الجرف في تركيا، عن قدرة تنظيم داعش على تنفيذ عمليات إقصاء للأصوات المعارضة ضده، كما ضاعف مخاوف الناشطين السوريين المدنيين في تركيا من استهدافهم على يد التنظيم الذي يبدو أنه قرر إقصاء خصومه، بجلبة أم في عمليات أمنية.
والواقع أن استهداف الجرف، يعد حلقة من مسلسل الإقصاء الذين ينتهجه التنظيم ضد الناشطين المدنيين، وضد حملة «الرقة تُذبح بصمت» التي يلاحق «داعش» أعضاءها إلى خارج حدود سيطرته، وهو ما يزيد المخاوف على حياة هؤلاء في منطقة شكلت بالنسبة إليهم في السابق، بيئة آمنة من التنظيم المتشدد، وذلك إثر تكرار الحدث المرتبط بهم، بعد اغتيال «داعش» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الناشط إبراهيم عبد القادر (20 عاما) من مجموعة «الرقة تذبح بصمت» مع صديق له، وعثر على جثتيهما بعد يومين مقطوعي الرأس في مدينة أورفا في جنوب تركيا.
مخاوف الناشطين والمثقفين السوريين من همجية تنظيم داعش ومحاولاته إلغاء كل من يعارضه الرأي وينتقده، تتسع بعد اغتيال الجرف. ويقول الكاتب المسرحي السوري المقيم في تركيا صادق أسود إن «الخوف يلاحقنا منذ وقت طويل»، مشيرًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تنفيذ تلك العملية، وعملية أخرى سبقتها: «تثبت أن لداعش أيادي خفية قادرة على ملاحقة كل مناهضيه». وأشار إلى أن «الخوف يلاحق كل الناشطين المدنيين اليوم، بعد اتساع يد التنظيم لتطال حرية التعبير خارج مناطق سيطرته»، معتبرًا أن اغتيال الجرف «يمثل رسالة تهديد علني لجميع الناشطين ومعارضيه بالتصفية».
وإذ رأى أسود أن «الجرف دفع فاتورة كبيرة عن كل الناشطين»، قال إن «المثقفين الذين يواجهون داعش ثقافيًا اليوم، باتوا مهددين ومعرضين للقتل»، مضيفًا: «نحن نعيش اليوم حالة قلقة، لكن رغم ذلك، مستمرون، لأننا أقوى منهم، وأقوى من الذبح والموت»، مشددًا على أنه «ما دام أننا على حق، فإن الموت لن يوقف حركة القلم».
وقال أسود إن معرفته بالجرف، قادته إلى تكوين صورة عنه بأنه «كان يتمتع بكتابة جميلة ولباقة وشعبية مع أغلب النشطاء الحقيقيين الذين لا يحاولون إقصاء الناس وقاموا بحراك سلمي»، مشيرًا إلى أن الجرف «كان من أبرز المدافعين عن سلمية الثورة، ورفض تشويه سمعتها عالميًا بوسمها بالإرهاب».
وشارك أقارب وأنصار الجرف في جنازته الاثنين الماضي في مدينة غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا قبل أن يوارى جثمانه. وحمل أقارب وأحباء الناشط صوره، وتجمعوا حول نعشه لإلقاء النظرة الأخيرة.
واكتسب الجرف شهرته إثر مجموعة الأفلام الوثائقية المهمة التي أشرف عليها، وأبرزها فيلم «داعش في حلب» الذي يتحدث عن سيطرة «داعش» على مناطق في مدينة حلب، الذي عرضته قناة «العربية» الإخبارية في نوفمبر الماضي، وكشف معلومات مهمة حينها عن عمليات «داعش» ضد الناشطين المدنيين المعارضين تحديدًا، وأفلام أخرى عن فريق «الرقة تذبح بصمت»، وعن الثورة في مدينته الأم السلمية.
وأسس الجرف عام 2012 مجلة «حنطة» المعارضة كواحدة من أقدم مطبوعات الثورة، والتي تفرد مساحة كبيرة للجانب الفكري - الفلسفي إلى جوار الجانب الإخباري اليومي، كما يتبع لها راديو «حنطة» أيضًا منذ الصيف الماضي، ويغطي مدينة السلمية وريفها والمناطق المجاورة في حماه.
وكان الجرف مشاركًا دائمًا ومهمًا في مختلف الفعاليات الثورية التي ينظمها الناشطون السوريون في تركيا، وساهم في تدريب عدد كبير من الناشطين الإعلاميين والمواطنين الصحافيين، ويعتبر واحدًا من الداعمين لحرية الرأي والتعبير في البلاد.
ناجي الجرف جاهر بعنف «داعش» ضد الناشطين المدنيين.. فاغتاله برصاصات صامتة
مقتله يضاعف مخاوف رفاقه من ملاحقة التنظيم لهم خارج الحدود

ناجي الجرف
ناجي الجرف جاهر بعنف «داعش» ضد الناشطين المدنيين.. فاغتاله برصاصات صامتة

ناجي الجرف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة