الفلسطينيون يئسوا من الرعاية الأميركية ويتطلعون إلى تدخل دولي

وضعوا نهاية لنهج طويل وعقيم من المفاوضات رعته الولايات المتحدة.. لكن لا يبدو أنهم سيجدون بديلاً جاهزًا

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصافح وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته إلى قطاع غزة في نوفمبر الماضي (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصافح وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته إلى قطاع غزة في نوفمبر الماضي (رويترز)
TT

الفلسطينيون يئسوا من الرعاية الأميركية ويتطلعون إلى تدخل دولي

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصافح وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته إلى قطاع غزة في نوفمبر الماضي (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصافح وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته إلى قطاع غزة في نوفمبر الماضي (رويترز)

في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لم يكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ينتظر من وزير الخارجية الأميركي جون كيري أي إجابات مقنعة على طلباته من أجل استئناف السلام، بل كان وصل إلى قناعة كاملة بعد 20 عاما من التفاوض بأن دور الأميركيين في رعاية اتفاق سلام قد فشل. وفعلا لم يحمل كيري أي إجابات لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يجب عن أي أسئلة قدمها عباس إلى كيري في لقائهما في عمان في أكتوبر (تشرين الأول)، وتتمحور حول موقف نتنياهو من حل الدولتين وترسيم الحدود، كما أنه رفض طلبات مثل تجميد الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى وربط بينهما وبين الاعتراف الأميركي بحق إسرائيل بالكتل الاستيطانية من جهة، والهدوء على الأرض من جهة ثانية.
لم يكن عباس بحسب مقربين منه يتوقع أكثر من ذلك.
وأكد مقربون منه لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يتوقع شيئا من الإدارة الأميركية على المدى المنظور حاله حال الفلسطينيين جميعا.
لكنه، أي عباس وأركان قيادته بدأوا يفكرون في أكثر من ذلك؛ استبدال الأميركيين.
وكان لافتا أن قادة من حركة فتح التي يتزعمها عباس تقدموا مسيرات في رام الله ضد وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهتفوا: «أميركا هي هي.. أميركا رأس الحية»، في إشارة إلى الغضب الفلسطيني الرسمي من دور كيري «السلبي» في المنطقة.
هتف الفلسطينيون ضد كيري والسياسة الأميركية ورفعوا لافتات لأطفال أعدمتهم إسرائيل وتعتقلهم كتب عليها هذا هو نتاج الانحياز الأميركي.
كان على رأس هؤلاء محمود العالول القيادي الكبير في فتح ومساعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومسؤول التعبئة والتنظيم.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يعبر بها النظام الرسمي الفلسطيني عن غضبه من كيري والأميركيين.
قبل ذلك بأسابيع قليلة كان عباس اصطدم مع كيري في عمان ليس بشأن العملية السياسية، بل بشأن الأحداث الحالية، وردت حركة فتح آنذاك على ما عرف بصفقة كيري بتصعيد الأحداث.
وكان عباس رفض في اجتماع في عمان الضغوط الممارسة عليه من قبل كيري الذي هدده بأنه إذا لم يتجاوب فإنه سيعتبر محرضا على العنف ويضع مكانته والسلطة في أزمة، فرد عليه قائلا إنه لم يأت ليناقش معه حاجز هنا أوهناك وتركيب كاميرات وما هو عددها، وإنما إنهاء الاحتلال بشكل كامل وإقامة الدولة الفلسطينية.
وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «الرعاية الأميركية لمفاوضات السلام لم تعد ممكنة ولهذا نسعى لتدويل القضية».
وبحسب المسؤول يسعى عباس لخلق آلية تفاوض ضمن مجلس الأمن وبرعايته أو دول متفق عليها وبسقف محدد لإنهاء الاحتلال.
ولكن حتى هذا التوجه أحبطته واشنطن مرتين في مجلس الأمن.
واتهم المسؤول واشنطن بالانحياز الكامل لإسرائيل وإحباط كل خطوة فلسطينية أو العمل ضد كل خطوة لها علاقة بالدولة من باب رفض الخطوات الأحادية.
وبحسبه، فإن العلاقة مع الولايات المتحدة الآن باردة إلى حد كبير.
وعلى الرغم من الرعاية الأميركية لعملية السلام في السنوات الماضية، فإن واشنطن في نفس الوقت أحبطت طلب حصول فلسطين على عضوية كاملة في مجلس الأمن وحاربت حصولها على دولة غير عضو كما أحبطت مشاريع لإنهاء الاحتلال وعملت ضد انضمام فلسطين للمؤسسات المختلفة بما فيها الجنايات الدولية واليونيسكو.
وتوجت واشنطن كل هذا العداء بتخفيف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية للعام القادم من 370 مليون دولار إلى 290 مليون دولار.
وأكد دبلوماسي أميركي: «عوامل عدة ساهمت في اتخاذ هذا القرار، من بينها إجراءات لا طائل منها اتخذها الفلسطينيون إضافة إلى الضغوط التي ترزح تحتها موازنة المساعدة الدولية الأميركية».
وكان موقع «المونيتور» الإلكتروني الإخباري أن وزارة الخارجية الأميركية أبلغت الكونغرس بأنها تعتزم خفض مساعدتها السنوية للسلطة الفلسطينية بمقدار ثمانين مليون دولار.
وفوق ذلك اختتم الرئيس باراك أوباما عامه الحالي بقوله إنه لا مجال لاتفاق سلام خلال ما تبقى له من حكم الولايات المتحدة الأميركية.
فهم الفلسطينيون الرسالة جيدا.
لم يردوا فقط برفض بـ«تطنيش» ما يطلبه كيري، بل واصلوا تحدي الولايات المتحدة بالسعي للانضمام إلى مؤسسات دولية فيما يحاولون صياغة مشروع جديد لإنهاء الاحتلال في مجلس الأمن بعد أن رفع عباس العلم الفلسطيني فوق مقر الأمم المتحدة في نيويورك نفسها، قائلا حينها إنه سيرفعه في القدس كذلك في وقت قريب.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث، وهو أحد مساعدي عباس السياسيين «المفاوضات يجب أن تتم في مؤتمر دولي على غرار ما حدث مع إيران وليس من خلال الولايات المتحدة».
ورفض شعث السياسية الأميركية المتبعة مع الفلسطينيين قائلا: «إن يخلصوا إلى الاكتفاء بالمطالبة بخطوات بناء ثقة كلام فارغ ومكرر». وتابع: «لن نقبل إبر مورفين على الإطلاق فالمطلوب هو إنهاء الاحتلال وأن تكون هناك إجراءات عملية بهذا الاتجاه».
وشرح شعث كيف يريد الفلسطينيون تدخلاً دوليًا لكسر الاحتكار الأميركي للوساطة على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.
ولخص الموقف بقوله: «لا توجد لدينا أي آمال، لا يوجد أمل بالأميركيين وهو ما تم التعبير عنه أصلاً في كلمة الرئيس الأميركي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يأتِ على ذكر الصراع العربي - الإسرائيلي ولو حتى بكلمة واحدة.. حان الوقت لتوسيع دائرة الرعاية للوساطة تمامًا على غرار ما جرى في المفاوضات مع إيران».
لكن مراقبين يرون أن الطلاق النهائي مع الولايات المتحدة صعب ومكلف للغاية، كما هو الاستمرار به كذلك صعب ومكلف، وأن أي تدخل لمجلس الأمن لن يتم إلا عبر الولايات المتحدة.
ولهذا يحاول الفلسطينيون استدراج الاتحاد الأوروبي كقوة معقولة كي تدخل اللعبة.
وجاهر الرئيس عباس قبل أسابيع فقط بدعوى الاتحاد الأوروبي لدور أكبر في العملية السياسية، في مؤشر واضح على خيبة الأمل من الدور الأميركي.
وقال في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، في رام الله «نريد دور أوروبي أكبر في إيجاد حل سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي، لأرض دولة فلسطين، وفق حل الدولتين، وعلى أساس حدود عام 1967، وقرارات الشرعية الدولية، وضمن سقف زمني محدد»، مضيفا: «إذ إننا لا نريد مفاوضات من أجل المفاوضات، ولن نقبل بحلول انتقالية أو جزئية، وسنواصل انضمامنا إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية لصون حقوق شعبنا وترسيخ أسس دولتنا الديمقراطية القادمة. وعلى ضوء ما تقدم، فإننا نؤكد ضرورة أن يستجيب المجتمع الدولي لمطلبنا بتوفير نظام حماية دولية لشعبنا، إلى أن ينال حريته واستقلاله».
كانت هذه رسالة تحدٍ أخرى للولايات المتحدة التي هتف ضدها الكل الفلسطيني قبل أسابيع فقط «أميركا هي هي أميركا رأس الحية».
لكن هل يستطيع حتى الاتحاد الأوروبي أن يدخل من دون موافقة الولايات المتحدة التي تبدو راعية العالم؟



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».