الجزائر تودع آخر قادتها التاريخيين في جنازة حضرها مليون شخص

منع رئيس الوزراء من المشاركة في تشييع حسين آيت أحمد

آلاف الجزائريين جاءوا من مختلف المدن لتشييع جثمان زعيم ثورة التحرير حسين آيت أحمد (أ.ف.ب)
آلاف الجزائريين جاءوا من مختلف المدن لتشييع جثمان زعيم ثورة التحرير حسين آيت أحمد (أ.ف.ب)
TT

الجزائر تودع آخر قادتها التاريخيين في جنازة حضرها مليون شخص

آلاف الجزائريين جاءوا من مختلف المدن لتشييع جثمان زعيم ثورة التحرير حسين آيت أحمد (أ.ف.ب)
آلاف الجزائريين جاءوا من مختلف المدن لتشييع جثمان زعيم ثورة التحرير حسين آيت أحمد (أ.ف.ب)

ودع مئات الآلاف من الجزائريين ظهر أمس زعيم ثورة التحرير (1954 - 1962) حسين آيت أحمد، في جنازة اتفق المراقبون على أن البلاد لم تشهدها منذ وفاة الرئيس هواري بومدين قبل 37 سنة. واضطر رئيس الوزراء عبد مالك سلال وأعضاء من طاقمه إلى العودة أدراجهم، بعدما منعهم مناضلو الحزب المعارض «جبهة القوى الاشتراكية»، الذي أسسه وقاده آيت أحمد، من حضور الجنازة، وشكل ذلك حدثا ذا رمزية سياسية لافتة.
وقال محمد نبو، السكرتير الأول للحزب، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن أكثر من مليون شخص جاءوا إلى قرية آث أحمد، ببلدية عين الحمام (120 كلم شرق العاصمة)، للمشاركة في تشييع من وصف قبل موته بـ«آخر الزعماء التاريخيين».
وحضر مراسم الدفن وجوه من ثورة التحرير، بعضهم عرف الراحل عن قرب. كما شوهد عدد كبير من أصدقائه السياسيين، أبرزهم رئيس الحكومة سابقا مولود حمروش، ومسؤولون مدنيون وعسكريون حاليون وسابقون، اقتسموا مع الراحل أفكاره وطروحاته بخصوص العمل السياسي ونظرته إلى مستقبل الجزائر، وأوضاع الحريات فيها.
وتميز تنظيم الجنازة بالفوضى والانفلات، رغم حضور عدد كبير من المسؤولين، أهمهم رئيس الوزراء عبد المالك سلال وأعضاء من فريقه الحكومي. وتعرضت «مجموعة الرسميين»، بقيادة سلال للتشويش من طرف بعض مناضلي «القوى الاشتراكية» عند دخولهم القرية، الأمر الذي دفعهم إلى الخروج منها بسرعة، والعودة إلى العاصمة من دون حضور الجنازة. وقد شوهد سلال غاضبا وهو ينسحب من المكان. وقال مصدر من ولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل، إن سوء التنظيم هو ما جعل الموكب الحكومي يعود أدراجه، وليس بسبب موقف المناضلين السلبي.
ومعروف عن حزب آيت أحمد الذي أطلقه في 1963، أنه حاد في معارضته للنظام القائم، وإن كان الكثير من المراقبين يقولون إن شدة معارضته تراجعت منذ تخلي زعيمه عن قيادته عام 2011 بسبب المرض.
وعجز الآلاف من المشيعين عن مواكبة نعش آيت آحمد، ومرافقة رجال الدفاع المدني الذين حملوه إلى مقبرة العائلة بأعالي القرية، حيث يوجد قبر والدته، وذلك بسبب التدافع الكبير والازدحام المنقطع النظير. وهتف مناضلو الحزب وسكان القرية بحياة فقيدهم، الذين أطلقوا عليه «أيقونة الجزائر ورمز نضالها ضد الاستعمار قبل الاستقلال، ومن أجل الحريات بعد الاستقلال»، ورددوا شعارات عرف بها الراحل، مثل «سلطة مجرمة»، و«جزائر حرة وديمقراطية»، ما أعطى الجنازة لمسة سياسية، وكانت بالنسبة للبعض تجمعا ضخما لمعارضي النظام.
وقد حرصت عائلة المرحوم، وخاصة زوجته جميلة آيت أحمد ونجليه، على إبعاد البروتوكول الرسمي عن الجنازة، وكانوا أيضا حريصين جدا على منع الحكومة من تنظيم الجنازة، أو أن يكون لها أي دور في نقل جثمانه من منفاه بسويسرا إلى الجزائر، على اعتبار أن الفقيد هو من أوصى بذلك شخصيا، كما أوصى أيضا بعدم دفنه في مقبرة العائلة بالعاصمة، حيث يرقد كل رؤساء الجزائر المتوفين، وقادة ثورتها البارزين.
ورفضت زوجته ركوب سيارة لرئاسة الجمهورية وضعتها تحت تصرفها لحظة وصولها إلى مطار الجزائر مع جثمان زوجها الأربعاء الماضي، وهو ما جعل السلطات تشعر بالضيق والحرج من هذا التصرف، الذي لا يستغربه أحد لشدة معارضة آيت أحمد، للنظام لما كان حيا.
وتوفي آيت أحمد عن عمر يناهز 89 سنة يوم 23 من الشهر الماضي، إثر وعكة صحية. وعرف بكونه أحد ستة من كبار الثوريين ممن خططوا للثورة، وفجروها ليل الاثنين 1 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1954، وقاد آيت أحمد «المنظمة الخاصة» التي تولت إعداد الترتيبات لمباغتة العدو الاستعماري، وذلك بعد وفاة رئيسها الأول محمد بلوزداد. وقبل ذلك اشتهر آيت أحمد بالمشاركة في حادثة الهجوم على بريد وهران (غرب الجزائر) عام 1949، إذ تمكن ثوريون من أموال مكتب البريد لشراء الأسلحة من الخارج.
وبعد الاستقلال عام 1962 اختلف آيت أحمد مع قادة الثورة ورئيس الجزائر المستقلة أحمد بن بلة بخصوص التوجهات السياسية للبلاد. وتطور الصراع إلى تنظيم تمرد مسلح تزعمه آيت أحمد بمنطقة القبائل، عرف بـ«أزمة صيف 1962»، وفي العام الموالي أطلق «جبهة القوى الاشتراكية» مع فريق من الثوريين والمناضلين السياسيين. واعتقل آيت أحمد وحكم عليه بالإعدام، غير أنه فر من السجن وغادر البلاد إلى سويسرا، فيما ظل حزبه يعمل في سرية.
وفي سنة 1989 عاد آيت أحمد إلى الجزائر بدخولها عهد التعددية السياسية والحزبية، وشارك في أول انتخابات برلمانية تعددية نظمت أواخر 1991، التي حققت فيها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» فوزا ساحقا. ووقف آيت أحمد ضد الجيش عندما تدخل لإلغاء نتائج تلك الانتخابات وإرغام الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة، واعتبر ذلك «انقلابا عسكريا». وقد جلب له هذا الموقف خصومة شديدة من طرف النظام والموالين له، بمن فيهم قطاع من الإعلام، وصفه آنذاك بأنه «حليف الإرهابيين».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».