السودانيون يستقبلون العام بالغناء.. وأناشيد تمجد ذكرى الاستقلال

جهد رسمي غير معتاد بذل للاحتفال بالمناسبة

الرئيس عمر البشير خلال مشاركته أمس في الاحتفال  الذي أقيم في الخرطوم بمناسبة الذكرى الـ 60 لاستقلال السودان (أ.ف.ب)
الرئيس عمر البشير خلال مشاركته أمس في الاحتفال الذي أقيم في الخرطوم بمناسبة الذكرى الـ 60 لاستقلال السودان (أ.ف.ب)
TT

السودانيون يستقبلون العام بالغناء.. وأناشيد تمجد ذكرى الاستقلال

الرئيس عمر البشير خلال مشاركته أمس في الاحتفال  الذي أقيم في الخرطوم بمناسبة الذكرى الـ 60 لاستقلال السودان (أ.ف.ب)
الرئيس عمر البشير خلال مشاركته أمس في الاحتفال الذي أقيم في الخرطوم بمناسبة الذكرى الـ 60 لاستقلال السودان (أ.ف.ب)

احتفل السودانيون بستينية استقلال بلادهم، وتوافق الأول من يناير (كانون الثاني)، ويتداخل مع حفل الاستقلال سنويًا الاحتفاء بكرنفالات رأس السنة، ففي الوقت الذي امتلأت فيه الشوارع بالشباب من الجنسين والأسر، وضجت فيه مكبرات الصوت بأغنيات العام الجديد، ورشق فيه الصبيان بعضهم والمارة بالماء، وتلونت سماوات المدينة بالألعاب النارية الأهلية والرسمية.
لكن اللافت حقًا هذا العام، هذا الجهد الرسمي غير المعتاد الذي بذل للاحتفال بذكرى الاستقلال. وشهد القصر الرئاسي كرنفالاً احتفاليًا كبيرًا خاطبه الرئيس عمر البشير شخصيًا، بشّر فيه الناس بعام سعيد. كما نشطت حركة دؤوبة غير مسبوقة لتسويق «علم السودان»، في الساحات وعلى الطرقات وشارات المرور، وتراوحت أسعاره بين 10 و100 جنيه، وتزينت به السيارات وبعض البيوت والمحلات العامة والرسمية، فيما صدحت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بأناشيد تمجد الاستقلال.
وعادة تشهد احتفالات السودانيين ليلة 31 ديسمبر (كانون الأول) اشتباكًا سنويًا، بين دعاة الاحتفال بذكرى استقلال البلاد، ومحبي الاحتفاء بـ«رأس السنة» الميلادية. وتتمثل السمة الغالبة على الفئتين، أن الأولى معظمها من كبار السن والنشطاء السياسيين، أما الفئة الثانية فمعظمها من الأجيال الجديدة المتأثرة بما أفرزته «العولمة» من تشابهات بين أنحاء العالم، وما فعله الإعلام الجديد في توحيد احتفالات الشعوب.
ومثل بقية بلدان العالم، تبذل الشرطة جهودًا مقدرة لتأمين احتفالات رأس السنة، لكن الفارق أن بلدانا كثيرة تنشر شرطتها وتزيد من تأمينها تحسبًا لعمليات «إرهابية»، أما هنا في الخرطوم ومعظم المدن الرئيسية، فإن الشرطة استنفرت 12 ألفا من رجالها لتأمين الاحتفالات، ليس من عمليات إرهابية متوقعة، رغم أن مجموعة متطرفة اغتالت دبلوماسي أميركيا ليلة رأس السنة عام 2008، لكن لأن الحادثة لم تتكرر مرة أخرى، فإن الشرطة ركزت جهدها على تنظيم السيول البشرية التي تتدفق إلى الشوارع، ولحماية المظهر العام، بل لمواجهة أشكال احتفالية ترفضها السلطات مثل الرشق بالماء وبالبيض ورش الدقيق على المارة والسيارات، وللحيلولة دون بعض المشاجرات التي قد تحدث هنا أو هناك، أو حماية الممتلكات من منتهزي المناسبات.
ففي بيان باكر، حذرت شرطة الخرطوم المحتفلين والمحتفلات من الرشق بالبيض ورش الدقيق على المارة والسيارات، ونشرت قواتها بكثافة في كافة مناطق العاصمة، بل وأغلقت «شارع النيل» أحد أشهر شوارع البلاد أمام حركة السيارات. ومع هذا فإن الشباب والشابات تدفقوا بكثافة «هستيرية» إلى شوارع المدينة، وشارعي النيل وأفريقيا وشوارع أخرى، وتراشقوا بالماء والدقيق، وشاغبوا رجال الشرطة وبعضهم البعض، وسهروا ربما حتى مشرق شمس أول أيام السنة الجديدة.
في المقابل اشتعلت المسارح والأندية والصالات بحفلات غنائية لعدد من المغنيين والفرق الموسيقية، قصدتها بعض الأسر والشباب، وتراوحت أسعار تذاكرها بين 40 و500 جنيه. واللافت في حفلات هذا العام أن المغنين الشباب هم الأعلى سعرًا، بينما بدت حفلات كبار المغنيين أرخص كثيرًا، وسجلت المغنية الهولندية الجنسية سودانية الأصل نانسي عجاج أعلى سعر في حفلات رأس السنة.
من جهتها، فإن السلطات اشترطت رفع العلم وعزف النشيد الوطني في تمام الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، ومع بداية الدقيقة الأولى للعام الجديد، في كل الأندية والأماكن التي تقام فيها الحفلات، واعتبرته شرطًا لتصديق هذه الحفلات.
تقول السيدة ناهد محمد، إنها اختارت أن تقضى رأس السنة مع أسرتها في المنزل، لذلك أعدت مستلزمات الحفل باكرًا، لكن أولادها الصبيان رفضوا البقاء في المنزل وخرجوا وتركوها وزوجها وبنتها في البيت، ليعودوا بعد منتصف الليل بكثير. أما الشيخ علي عبد الباقي وهو من جيل السودانيين الذين شهدوا استقلال البلاد، فقد صب جام غضبه على الشباب المحتفلين بأعياد رأس السنة دون الاهتمام بذكرى الاستقلال، وقال: «استقلال بلادنا حدث عظيم يستحق الاحتفاء، لكن ماذا نفعل في الأجيال الجديدة التي تراجعت وطنيتها كثيرًا»، وقال إنه يحتفل بذكرى الاستقلال ويرفع العلم على أعلى مكان في بيته، مستذكرًا تلك الأيام العظيمة، وأضاف: «رغم كل شيء، ورغم الضائقة الاقتصادية، فبلادنا تستحق الاحتفاء بها».
أما سهى أحمد، وهي طالبة جامعية، فقد اختارات الخروج مع زملائها إلى شارع النيل للاحتفال برأس السنة، تقول: «أنا أرى أن الاستقلال الفعلي هو الحرية، أريد أن أكون حرة، وأحتفي بحريتي ليوم واحد على الأقل، أصرخ فيه وأشاكس، وأنفس عن نفسي كبت عام كامل».
وقال عبد العظيم مصطفى: «الاحتفالات الرسمية مملة ورتيبة و(رسمية)، وتتكرر فيها الوعود التي ظللنا نسمعها منذ كنا صغارًا، نفس الأغنيات والأناشيد، ولا شيء يحدث، لذلك نختار احتفالاتنا بأنفسنا، نفرح نغني نصرخ حتى الصباح، ومع هذا تقف الشرطة لنا بالمرصاد، رغم لهونا البريء».
ويرجع موسى الطاهر اهتمام الشباب الكبير باحتفالات رأس السنة وتجاهلهم لذكرى الاستقلال إلى «ضعف الوطنية» بينهم، ويقول إن الاحتفالات الرسمية ما هي إلاّ محاولات واهية لتعزيز الوطنية، تهزمها الرسوم المدرسية الباهظة، وضيق العيش، وصعوبة الحياة.
على كل، فقد احتفى السودان بالعام الجديد كعادته بحفلين - بلوغ البلاد الستين من استقلالها، ورأس السنة - وكلٌ احتفى على طريقته، فالذين انتشروا في الشوارع والمتنزهات والأندية احتفوا برأس السنة الميلادية، وألقوا عن كواهلهم أعباء عام صعب، أما الذين رفعوا الإعلام فقد احتفوا هم أيضا بطريقة مغايرة، وكان أكبر احتفاءاتهم الحفل الذي شهده القصر الرئاسي، الذي أطلقت خلاله الألعاب النارية، وصدحت فيه فرقة «كورال جامعة السودان»، وغنت للناس نشيد الاستقلال: «اليوم نرفع راية استقلالنا.. ويسطر التاريخ مولد شعبنا»، لكن شبابًا كثرًا ولأسباب شتى لا تؤثر بهم الأغنيات الوطنية، ويفضلون عليها الموسيقى الغربية والعربية، وربما حفلات المغنين والمغنيات الشباب، اختاروا الشوارع لاستقبال العام الجديد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».