إردوغان يتهم دميرتاش بـ«الخيانة» لحديثه عن حكم ذاتي للأكراد

حملة أنقرة العسكرية ضد مدن كردية تزيد حدة التوتر السياسي

رجلان يساعدان مسنا في الابتعاد من منطقة في ديار بكر استخدمت فيها الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين أكراد أمس (أ.ف.ب)
رجلان يساعدان مسنا في الابتعاد من منطقة في ديار بكر استخدمت فيها الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين أكراد أمس (أ.ف.ب)
TT

إردوغان يتهم دميرتاش بـ«الخيانة» لحديثه عن حكم ذاتي للأكراد

رجلان يساعدان مسنا في الابتعاد من منطقة في ديار بكر استخدمت فيها الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين أكراد أمس (أ.ف.ب)
رجلان يساعدان مسنا في الابتعاد من منطقة في ديار بكر استخدمت فيها الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين أكراد أمس (أ.ف.ب)

ندد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، بموقف زعيم أكبر حزب مؤيد للأكراد حول الحكم الذاتي، معتبرا إياه «خيانة»، فيما تسود أجواء حرب في جنوب شرقي تركيا حيث تدور معارك عنيفة بين القوات المسلحة وحزب العمال الكردستاني.
وهاجم إردوغان بشدة زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش، الذي تطرق في نهاية الأسبوع إلى إمكانية منح الأقلية الكردية حكما ذاتيا. وقال إردوغان في إسطنبول قبل مغادرته إلى السعودية إن «ما فعله» دميرتاش «يشكل خيانة واستفزازا واضحا جدا»، متهما مسؤولي حزب الشعوب بأنهم «دمى» في أيدي حزب العمال الكردستاني.
وفتح القضاء التركي تحقيقا الاثنين بحق دميرتاش، العدو اللدود للرئيس التركي، بسبب مطالبته بحكم ذاتي أوسع للأكراد خلال مؤتمر ضم مختلف المنظمات الكردية. ويطالب الأكراد، الذين يبلغ عددهم 12 مليون نسمة من أصل 78 مليون تركي، بحكم ذاتي في جنوب شرقي البلاد. وقال دميرتاش في المؤتمر الذي انعقد نهاية الأسبوع «نفكر في الحكم الذاتي، ولتفعل تركيا ما تشاء».
ويحظر الدستور التركي أي تقسيم لأراضي البلاد على أسس إثنية. وقد حرص إردوغان على التذكير بهذه النقطة. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تساءل الرئيس التركي: «بأي حق يمكنك أن تتحدث في إطار بنيتنا الواحدة عن إقامة دولة في جنوب شرقي البلاد، في الشرق؟»، محذرا من أنه «لا الإرادة الوطنية ولا القوات المسلحة ستسمح بوضع من هذا النوع».
ويسود توتر سياسي شديد في تركيا بين الحكومة المحافظة وأبرز حزب مؤيد للأكراد في البلاد، بسبب عملية عسكرية غير مسبوقة في حجمها يشنها الجيش التركي منذ أسبوعين في مدن عدة في جنوب شرقي الأناضول ضد متمردي حزب العمال الكردستاني. ويشارك عشرة آلاف عسكري وعنصر أمن تركي في العملية التي تستهدف بشكل خاص تنظيم الشباب لدى «العمال الكردستاني» الذي أطلق «انتفاضة» داخل المدن، فيما كان عادة يواجه الجيش التركي في الأرياف. وأسفرت المعارك عن سقوط أكثر من مائتي قتيل في صفوف الانفصاليين، لكنها لم توفر المدنيين أيضا. ولا يمكن التحقق من هذه الحصيلة بشكل مستقل لأن المدن المعنية تخضع لحظر تجول منذ أسابيع وهي مقطوعة عن العالم. والمدن المعنية هي جيزري وسيلوبي ونصيبين ومنطقة سور، الحي القديم في ديار بكر حيث تقيم غالبية الأكراد في جنوب شرقي البلاد.
وأكد الرئيس التركي أمس أن هناك «تصميما» على المضي بالهجوم العسكري. وأضاف أن «أكثر من ثلاثة آلاف إرهابي» قتلوا منذ الصيف خلال عمليات في تركيا وشمال العراق حيث لـ«العمال الكردستاني» قواعد خلفية. وقد فرض محافظو هذه المناطق الكردية أكثر من 50 قرارا بحظر التجول منذ منتصف أغسطس (آب) الماضي، الأمر الذي يؤثر في معيشة نحو 1.3 مليون شخص، كما أعلنت مؤسسة حقوق الإنسان التركية في الآونة الأخيرة.
وغادر عشرات آلاف المدنيين إلى مناطق آمنة بحسب وسائل الإعلام. أما الذين أرغموا على البقاء في منازلهم فيواجهون صعوبات بسبب انقطاع المياه والكهرباء وشبكات الهاتف الجوال. وتعطل العمل في المستشفيات والإدارات المحلية كما أغلقت المدارس.
وقتل العديد من المدنيين (129 بحسب حزب الشعوب الديمقراطي) منذ استئناف المعارك الصيف الماضي بعد هدنة استمرت سنتين بين الطرفين وكان يؤمل أن تؤدي إلى حل سياسي للنزاع الكردي المستمر منذ عام 1984.
من جانب آخر، حضت الرئيسة الثانية لحزب الشعوب الديمقراطي فيجن يوكسيكداغ، خلال خطاب أمام البرلمان أمس، تركيا بأسرها على رفض حظر التجول المفروض في المناطق الكردية. وقالت: «أدعو خصوصا الغرب (غرب البلاد) إلى ذلك، فلنحتشد ونحتفل برأس السنة في ديار بكر». وتابعت: «لا يسمح حتى لهذا الشعب بدفن موتاه»، متهمة الدولة التركية «بشن الحرب على شعبها».
وقتل صبي في الخامسة من العمر كان يلعب أمام منزله في أحد أحياء جيزري بالرصاص مساء الاثنين، كما أفادت صحيفة «حرييت». وتحدث مراسل الصحيفة أمس عن مشاهد حرب في سور. ودمرت مئات المنازل والمتاجر في هذه المنطقة التي كانت تعتبر أبرز منطقة سياحية في ديار بكر حيث حفر المقاتلون الأكراد خنادق وأقاموا حواجز. وتجمع نحو ألفي متظاهر في هذا الحي التاريخي الذي أصابه الدمار بدعوة من منظمات يسارية، ورددوا هتافات مطالبة برفع حظر التجول قبل أن تفرقها الشرطة بالقوة مستخدمة الغاز المسيل للدموع، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء «دوغان».
وتثير أعمال العنف وسقوط ضحايا مدنيين استنكارا لدى المجتمع المدني في تركيا. ونظمت أمس مظاهرتان من أجل السلام ضمتا نحو ألف شخص في وسط أنقرة.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».