في الأسبوع الماضي كان لا بد من الحديث عن «ستار وورز: القوة تستيقظ» من زاوية علاقته التاريخية بالأجزاء السابقة. لكن الفيلم، وقد شوهد قبل أيام، من الأهمية بحيث لا بد من إلقاء نظرة تحليلية عليه ولعدة أسباب.
أحد هذه الأسباب هو أنه سجل حتى الآن 750 مليون دولار من الإيرادات حول العالم. هذا النجاح المنطلق صوب اختراق كل سقف نجاح سابق، يعني أن هناك نحو 50 مليون مشاهد من المكسيك إلى فنلندا ومن بيروت إلى ساو باولو شاهدوه في غضون ستة أيام فقط. وحسب مقالات منشورة فإن جماعة دينية تطلق على نفسها «كنيسة القوّة» يرتدي أعضاؤها لباسًا من النوع الذي يرتديه رعايا «القوّة» في أفلام ستار وورز، تدعي أنها تستسلم ألف طلب انتساب كل يوم منذ بداية عرض الفيلم وأن عدد أعضائها بلغ 250 ألف عضو جديد في أقل من شهرين.
قد يكون هذا واقعًا وقد لا يكون، لكن الفيلم، حين يتم النظر إليه نقديًا، يستند إلى مفاهيم دينية غير سماوية (ليست إسلامية أو مسيحية أو يهودية) من بينها الهندوسية وتاويزية والبوذية. بعض المواقع المسيحية تكشف عن أن أتباع كنيسة «مورمون» (التي ظهرت سابقًا في أفلام مثل «الشاهد» مع هاريسون فورد، أحد ممثلي هذا الفيلم) من أكثر المسيحيين المعجبين بالسلسلة كونهم وجدوا أنها تلتقي وروح الإنجيل. ولو أن هذه المواقع لا تكشف عن أين يلتقي هذا الروح مع تلك الأفلام. لكن المؤكد أن الفلسفة المسمّاة بالشرقية (كونها تنبع من الهند وما بعد) تسللت إلى أفلام السلسلة المذكورة ويُعاد تقديمها في هذا الجزء الجديد، الأول للمخرج ج ج أبرامز.
* إعادة تركيب
لكنها ليست التأثيرات الوحيدة: هناك مشهد لشمس كبيرة تسطع وأمامها تلك المركبات السريعة قاذفة النيران. المشهد نفسه تكرار لذلك المشهد الذي يسبق تقديم روبرت دوفال في رائعة فرنسيس فورد كوبولا «سفر الرؤيا الآن». كذلك هناك المشهد الذي يذكّـر بأي من تلك الوثائقيات الواردة في أفلام عن النازية وخطب هتلر النارية. أحد أشرار الفيلم (الجنرال هاكس كما يؤديه دومنول غليسون) يقف عند المنبر العالي ويوجه خطابه بتلك الصرامة ومع بعض حركات الأيدي ثم يرفع ألوف الجنود أيديهم في تحية لا تُخفى لا ينقصهم سوى القول بصوت واحد: «هايل هتلر».
بعد عشر سنوات على آخر حلقة من حلقات «ستار وورز» يتقدّم «القوّة تستيقظ» لكي يفتح فصلاً جديدًا. في المعلوم أن لوكاس أخرج بعض وأنتج كل هذه الحلقات الستة السابقة، وأنه تم تصوير الحلقات الرابعة والخامسة والسادسة حسب أحداث تعود لما قبل الحلقات الثلاث الأولى (التي أنتجت ما بين 1977 و1983) ما جعل تلك الحلقات السابقة تحمل أرقامًا لاحقة (الأجزاء 4 و5 و6).
الفيلم الجديد يستند على المجموع وأحداثه تقع ما بعد الجزء السادس (الثالث إنتاجًا) وخلاصتها أن هناك «جيداي» واحدا ما زال حيّا وإمبراطورية الشر لن ترتاح، كما تعلمنا المقدّمة المنفّذة بأسلوب أفلام الأربعينات، إلا حين القضاء عليه. للمهمّـة ينبري القائد الشرس كايلو رن (أدام درايفر) بلباسه الأسود المستعار من شخصية دارث فادور في الأفلام الأولى. معه في المهمّة الجنرال هاكس وبينهما عداوة خفية يعرفها القائد (السوبريم كما يصفه الفيلم) سنوك (يؤديه العراقي الأصل أندي سركيس) الذي لا يخفى عليه شيء مما يدور داخل صومعته أو خارجها أو في ذلك الفضاء الشاسع.
الصراع الأولي يدور حول خريطة تبيّـن موقع الجيداي الناجي والأخير من أتباع قومه سكايووكر (مارك هامِل) هرب بها المقاوم بو (أوسكار أيزاك) وأودعها الروبوت BB - 8 قبل أن يُلقى القبض عليه ثم يهرب بمساعدة منشق عن الأشرار أسمه فِـن (الجديد جون بوييغا). تدخل الصورة المحاربة راي (ديزي ريدلي) التي كانت تعمل في الخردة فوق كوكب صحراوي قبل أن تجد الروبوت وتنقذه من تجار الخردة الآخرين. تتعدد الأحداث بعدما تم إرساء هذه التمهيدات ويعود هان صولو (هاريسون فورد) والغوريللا شيوباكا ليلتقيا بالأميرة ليا أورغانا (كاري فيشر) التي تكشف له أن الشرير كايلو ليس سوى ابنهما.
* مناورات وثغرات
ليس هنا مجال لقص الحكاية، لكن للقول إنه على كثرة أحداثها وشخصياتها (الجديدة والقديمة) فإن هناك الكثير جدًا من الخزعبلات تمر أمام العين لا توازيها عددًا إلا تلك الثغور الكامنة في سيناريو يثير الأسئلة ولا يجيب عليها. بعض أهم هذه الأسئلة هو من هي المحاربة راي ولماذا تمتلك القوّة الذهنية والجسدية ذاتها لأشرس أعدائها من رجال الإمبراطورية. في أحد مشاهدها تظهر قوتها الإرادية عندما تطلب من حارس مسلّح أن يفك قيدها ويلقي سلاحه ويغادر ويترك الباب مفتوحًا. ذلك الحارس ينصاع للأمر. هذه البساطة لا تفيد في صياغة مشهد يقترح أساسًا أنه أكثر تعقيدًا مما مر.
لكن الواقع هو أن الفيلم يناور هذه الثغرات جيّدًا. صحيح أنه يترك الأسئلة تطير في فضاء الصالة من دون جواب، لكنه يمارس سُلطته على المشاهدين بقوّة. ينجز له بعض ما يريد من نقلة بين الأجيال: الجيل الذي شاهد أبطال السبعينات والثمانينات لجانب الجيل الذي لا يعي شيئا منها. في طور ذلك يعود إلى هاريسون فورد وكاري فيشر ومارك هامل. الأول يمثل بشفة يرتفع يسراها إلى أعلى من دون سبب مفهوم، والثانية لا دور حقيقيًا لها والثالث نراه وجيزًا رغم أهمية دوره.
اثنان من ممثلي الفيلم ينجزان أكثر من المتوقع: ديزي ريدلي التي تجمع في تعابير وجه مشتركة كافة الانفعالات الصحيحة لجانب قدرتها البدنية (أفضل من جنيفر لورنس في «ألعاب الجوع» وسكارلت جوهانسن في «المنتقمون») وجون بوييغا، الهارب من إمبراطورية الشر والمتردد في قبول مهمّة أن يكون بطلاً عوض الذوبان فوق كوكب من تلك البعيدة.
على أن مشاهد القتال، سواء المبارزات الفردية، أو تلك التي تقع بين تلك السفن والمركبات الفضائية الصغيرة والكبيرة ليست خارجة عن التقليد أو جديدة في أي جانب. استخدامها، من قبل المخرج أبرامز، هو الذي يغطي عيوبها في هذا الصدد، فهو يميل إليها حين لا بد من قطع ذلك الاسترسال في مشاهد موزّعة بين آثار الأمس ومتطلبات الحاضر مستعينًا بقدر كبير من التدمير. هنا عدّة كواكب تُنسف، بينها ما هو كروي على شكل الأرض ما يجعل بعضنا يختزن الصورة التي قد تنتهي إليها الحياة على الأرض فيما لو امتدت الأصابع، يوما ما، للضغط على الأزرار النووية.
الروبوت الصغير BB - 8 يبدو كما لو تسلل إلى الفيلم الماثل من فيلم آخر. هو شبيه بالروبوت الذي ابتكره فنانو شركة «بيكسار» التي تتبع الآن استوديو ديزني منتج هذا الفيلم. لكن العيب الرئيسي يكمن في أن الفيلم لا يسعى لجديد. في الواقع هو يخلط الأوراق جميعًا ما يعيده إلى الحكاية ذاتها التي أطلقها «ستار وورز» الأول: إمبراطورية الشر تحكم الكواكب ومقاومون أخيار يريدون القضاء عليها. هذا هو الذي ما زال ماثلاً إلى الآن بعد 38 سنة مرّت على الجزء الأول. استعادة هاريسون فورد تمّت بوضعه مجددًا في وسط ما يدور، لكنه هنا أقرب إلى من يقاتل وهو ما زال يبحث عن السبب، حتى إذا ما وجده انتهى.
بضع حسنات والكثير من الخزعبلات المنفذة جيدًا
تحليل «ستار وورز» ومشاكله
بضع حسنات والكثير من الخزعبلات المنفذة جيدًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة