يستذكر السعوديون والعالم الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، الذي رحل في السادس عشر من شهر يونيو (حزيران) 2012، بعد أن تمكن خلال ستة عقود من صياغة استراتيجية أمنية حديثة، وساهم في تعزيز منظومة الأمن العربي. لقد تميزت شخصيته بالحلم والحزم والكرم والسخاء، وترك بصمات واضحة في جميع المجالات، وهو ما جعل رحيله صادمًا وفاجعًا ليس لبلاده فحسب، بل للأمتين العربية والإسلامية والعالم، وهو ما دفع زعماء العالم إلى الإشادة بمناقب الراحل ووصفه بـ«أحد كبار أعمدة الدولة السعودية»، حيث ساهم مساهمة فاعلة في تعزيز علاقات بلاده مع مختلف الدول، وكان حضوره لافتًا في مجال مكافحة الإرهاب، ودعم العمل العربي المشترك.
وفي رصد لمآثر الفقيد، أنجز الأمير الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي، وهو لواء متقاعد في وزارة الدفاع السعودية، كتابًا عن الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، عنونه بـ«رجال صدقوا: نايف الإنسان.. أسطورة الأمن والأمان»، تناول فيه سيرة الفقيد وإنجازاته، خصوصًا في مجال الأمن بمفهومه الشامل، وهو ما جعل بلده مرجعًا يحتذى به في التعامل مع القضايا الأمنية الشائكة، فكان الراحل مدرسة في هذا الجانب.
وحظي الكتاب بمقدمة كتبها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قال فيها: «إن الملك عبد العزيز طيّب الله ثراه عندما وحّد المملكة العربية السعودية، أرسى دعائمها على بنيان راسخ متين، عماده التمسك بالعقيدة الإسلامية السمحة، وخدمة الحرمين الشريفين اللذين شرف الله قادة هذه البلاد وأهلها بخدمتهما، وأعلى مكانة هذه الدولة باحتضانها لهما، وأنعم علينا بخيرات عظيمة وهبات كريمة»، مضيفًا: «وقد بنى الملك عبد العزيز تربيته لأبنائه على أسس من الإيمان الصادق بالله العظيم وكتابه الكريم، والتمسك بهدي نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأن يكونوا جنودًا مخلصين لوطنهم الكريم، فحمّلهم أعباء المسؤولية في سن مبكرة».
وأضاف الملك سلمان بن عبد العزيز: «على هذه الأسس الطيبة نشأ وترعرع أخي الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - متمسكًا بدينه، مخلصًا لمليكه، محبًا لوطنه، فخدم دينه ووطنه على أكمل وجه، وبذل تضحيات مخلصة وعطاءات بناءة، حتى أصبح رمزًا للأمن والأمان في وطن أصبح مضرب المثل للأمن والأمان».
وعن مكانة الأمير نايف بن عبد العزيز، كتب خادم الحرمين الشريفين: «كان للأمير نايف مكانة عظيمة في التاريخ السعودي الحديث، بما بذله من جهود مخلصة على مختلف الأصعدة للسهر على أمن هذه البلاد ووحدتها، واجتثاث منابت الفتن، وإعلائه مكانة المملكة عربيًا وإسلاميًا وعالميًا، وحرصه الدائم ومحبته الأكيدة لأبناء هذا الوطن».
وفي تناوله لنشأة الأمير نايف السوية، أشار المؤلف إلى أنه لم يمر عام واحد على توحيد السعودية حتى جاءت ولادة الابن الثالث والعشرين للمؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، ففي تلك الأجواء المليئة بالانتصارات، والمشحونة بالوحدة والمدفوعة بعقيدة دينية صادقة والمكتنزة بالعزم على تطوير البلاد ونبذ الخلافات وتوحيد الصفوف، جاءت ولادة نايف في مدينة الطائف عام 1934. كريم من كريمين، فوالده الملك عبد العزيز، ووالدته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، الزوجة السادسة من زوجات الملك المؤسس التي كانت من أحب زوجاته على نفسه، وكانت تعقد مع أبنائها اجتماعات خاصة، تستعرض فيها حسن سير تقدمهم في دراستهم وشؤون حياتهم، وتناقش معهم بصراحة ووضوح كل ما يهمهم.
وتناول الكتاب الشخصية الجامعة للأمير الراحل الذي كان شريكًا أساسيًا في صناعة القرار السعودي، مشيرًا إلى أن الأمير نايف شب وهو يتمتع بعبقرية مدهشة في الإدارة السيادية والأمنية والسياسية، فضلاً عن عقلانية تدرك جيدًا قيمة الدولة، وأهمية ترسيخ الوحدة الوطنية، التي تعد مسلمات ضرورية لتوطيد العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، باتفاق كل رجال السياسة ومنظريها على اختلاف مشاربهم، وكان شريكًا في صناعة القرار السعودي، وأحد القيادات الرئيسية في بناء الدولة السعودية، كما كان إلى جانب هذا صاحب فكر عميق، وإدراك واسع، وإلمام شامل بأدق تفاصيل مقومات سلامة الأوطان. فأثناء حياته الحافلة بالبذل والعطاء، عاشت البلاد أصعب مرحلة في تاريخها المجيد، عندما أطلت آفة الإرهاب الأعمى برأسها، وكان نايف الرجل الأول في الدولة المعني بكبح جماح المتطرفين، ووأد شرهم، فقاد المعركة ضدهم بجد وحسم، ورأفة وسماحة نفس مع المغرر بهم وأفراد أسرهم، وخرج منتصرًا بعد عمل شاق، وصبر جميل، وحصن المجتمع دونما حاجة لأحكام طوارئ ومحاكم تفتيش وعسكرة حياة الناس.
وأوضح المؤلف أن الأمير نايف كان مجموعة رجال في رجل واحد، فاهتم باحترام الحريات والحقوق الشخصية، والستر، وإقالة عثرات الناس، وحسن الظن بهم. فلم يكن يسمح مطلقًا بالاجتهادات الشخصية والتصرفات المرتجلة في حفظ حقوق الناس، بل كان يؤكد على الالتزام التام بالشرع والنظام، كما لم يكن الراحل رجل أمن حازم وحاسم وذكي فحسب، بل كان إنسانًا كبيرًا، يفيض قلبه بالشفقة والرحمة على الناس.. كل الناس، وقد بدا هذا جليًا في تلمس احتياجاتهم وانخراطه في الحياة الاجتماعية بكل أطيافها، ومساعدة المحتاجين ورعاية الأيتام والمسنين والعناية بالمرضى، وامتدت يده الكريمة إلى إخوانه في الدين والعروبة والإنسانية على امتداد العالم دونما تفرقة بسبب جنس أو عقيدة أو لون، فطالما شكل لجانًا للإغاثة وترأسها بنفسه لمساعدة المحتاجين في كل أصقاع الأرض، ولم تكن أعماله إغاثة تقليدية تقف عند توفير الخبز والماء، بل تعدت ذلك لتشمل كل المرافق الاجتماعية من مساكن ومساجد ومدارس ومستشفيات ومراكز طبية.
وحظيت شخصية الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز باهتمام قادة ومسؤولي دول العالم، إذ قال عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما: «نحن في الولايات المتحدة نعرف الأمير نايف بن عبد العزيز، ونحترمه على التزامه القوي بمحاربة الإرهاب ودعم السلام والأمن الإقليميين»، في حين لفت الرئيس الصيني جنتاو بأن «الراحل كان حريصًا على تطوير العلاقات الصينية - السعودية. فقدم إسهامات إيجابية في تعزيز عرى الصداقة بين البلدين، ولهذا فقد الشعب الصيني برحيله صديقًا عزيزًا».
وعدّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الأمير الراحل «رجل الأمن العربي الأول، ومجهوداته مشهود بها، في بذل الجهد في خدمة حجاج بيت الله الحرام ورعايتهم. كما كان أحد الرجال العظماء الذين ساهموا في تعزيز منظومة الأمن العربية، وترك بصمات في جميع المجالات في السعودية لرقي الوطن».
واعتبر الرئيس التركي عبد الله غول «أن رحيل الأمير نايف كان خسارة كبيرة وفاجعة حقيقية للأمتين العربية والإسلامية، إذ كان شخصية سياسية وأمنية محنكة واسع الاطلاع».
وقال عنه الدكتور تيد كاربنتر، من معهد «كاتو» للأبحاث السياسية في واشنطن: «الأمير نايف صاحب تاريخ حافل في القيادة، التي اتسمت بالمسؤولية في معالجة كثير من القضايا الأمنية التي عاشتها المملكة خلال العقدين الماضيين».
أما جيمس سميث، السفير الأميركي لدى السعودية، فقد وصف الراحل بالقائد القوي والصديق الطيب للولايات المتحدة، وعرف بشجاعته وإخلاصه في حفظ أمن بلده وخدماته الجليلة للحجاج، وقيادته الثاقبة في مكافحة التطرف، وسيفتقد كثير من السعوديين وغير السعوديين على حد سواء الراحل الذي كان أحد أعمدة الدولة السعودية الحديثة لعدة عقود، كما سنفتقد ببالغ الحزن والأسى الأمير نايف لدوره المحوري في العلاقة العميقة والدائمة بين الولايات المتحدة والسعودية.
وتناول الكتاب ما قيل في الراحل لعدد من المسؤولين والكتاب والشعراء الذين عددوا مآثر الراحل، معتبرين أنه كان درع الوطن ورجل الدهاء وحامي الدار، وداحر الإرهاب.
نايف بن عبد العزيز.. رمز الأمان وتاريخ حافل في القيادة
كتاب حديث يرصد مآثر وأعمال أحد كبار أعمدة الحكم في السعودية
نايف بن عبد العزيز.. رمز الأمان وتاريخ حافل في القيادة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة