يشهد جنوب آسيا ظاهرة نادرة من نوعها، ألا وهي «تجدد العلاقات» و«التغلب على تاريخ الشك والارتياب».
ويبدو أن الدول الثلاث المعنية بالسلام في هذه المنطقة المتضررة بالصراعات، الهند، وباكستان، وأفغانستان، تتفهم أن المحادثات وحدها يمكنها حل القضايا العالقة بينها.
وخلال الآونة الأخيرة، وقع الرئيس الأفغاني أشرف غني، ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، ونائب الرئيس الهندي حامد أنصاري، جنبا إلى جنب مع الرئيس التركماني قربان قولي بردي محمدوف، أثناء لقائهم في مدينة ماري التركمانية، على اتفاق «خط أنابيب السلام» بمقدار 10 مليارات دولار أميركي لبناء خط أنابيب غاز طوله 1800 كيلومتر، يبدأ من حقل غالكينيش التركماني الضخم عبر أفغانستان إلى باكستان ومن ثم إلى الهند.
ومن المتوقع أن يغير الاتفاق الجغرافيا السياسية للمنطقة التي شابتها الصراعات.
وقبل أسبوع من انعقاد مؤتمر «قلب آسيا» في باكستان، بشأن تحقيق الاستقرار في أفغانستان، التقى وزراء عشر دول – من بينها الصين والهند – في باكستان؛ بما يشهد بأهمية هذا الحدث في السياسة الإقليمية للمنطقة.
وحدث ما لا يمكن تصوره؛ فقد استقبلت باكستان الرئيس الأفغاني، الذي غالبا ما تتهمه إسلام آباد بالتحريض على الإرهاب في أراضيها – بترحيب حار، رغم تعرض مطار قندهار لهجوم من قبل حركة طالبان أثناء وجود غني في إسلام آباد.
كما أمسكت وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج بيد نظيرها الباكستاني سرتاج عزيز – وهما اللذان لم يكونا حتى مستعدين لمصافحة بعضهما البعض قبل بضعة أيام فقط – كما الأصدقاء، واجتمعا مع بعضهما البعض بعد عزلة طويلة.
وقال دبلوماسي هندي رفيع المستوى، كان حاضرا في الحدث: «لم تكن الابتسامات والعلاقات الدافئة التي ظهرت بين وزراء الخارجية مصطنعة، وإنما كانت نتيجة إدراك أن المناخ الجيد وإجراء المحادثات فقط يمكن أن يثمر عن وضع مربح للطرفين».
وكانت الفكرة المهيمنة في مؤتمر إسلام آباد، هي أن المحاولة الجديدة لإحداث انفراجة بين باكستان وأفغانستان ستسهل استئناف محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
ومن المثير للاهتمام، أنه لم تمنع الشائعات الأخيرة بشأن مقتل زعيم طالبان الملا أختر منصور الرئيس غني من السفر إلى إسلام آباد.
ولم يكن أحد يتصور أن «لقاء» مودي وشريف لمدة 120 ثانية على هامش محادثات تغير المناخ في باريس، ستؤدي إلى مثل هذا اللطف في العلاقات الهندية – الباكستانية.
وقبل ذلك بشهر، كانت السياسة الخارجية والأجهزة الأمنية للبلدين تستعد للقتال، ويبدو أنها كانت تحتاج لاستفزاز بسيط لانطلاق شرارة معركة بينها. لكن في غضون أسابيع من اجتماع مودي – شريف، لم يلتق مستشارو الأمن القومي في بانكوك كمكان محايد فحسب، وإنما أيضًا كانوا راغبين في التقاط صور ومصافحة بعضهم البعض.
وبعدها بأيام، سافرت وزيرة الخارجية الهندية إلى باكستان. وبعد ساعات من لقائها القادة هناك، من بينهم نواز شريف، لم تعلن دلهي عن اجتماع مقرر بين وزيري خارجية البلدين في يناير (كانون الثاني) المقبل، وإنما أيضًا عن زيارة مودي نفسه باكستان لحضور قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي في وقت لاحق من عام 2016.
وتشكل التوترات بين باكستان والهند، والشكوك المتبادلة بين الدولتين فيما يتعلق بنيات كل منها تجاه الأخرى، عقبة رئيسية أمام تسوية سياسية في أفغانستان.
والحقيقة هي أن مصافحة مودي – شريف في باريس، كان منصوصا عليها مسبقا، وذلك بعد أن دفعت ألمانيا والولايات المتحدة القيادة الباكستانية للتواصل مع الهند.
كما كانت دلهي مدفوعة لأن تكون أكثر مرونة في ضغطها على إسلام آباد للوفاء بوعودها السابقة بمحاكمة المتآمرين في الهجمات الإرهابية التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008.
وتشير وسائل الإعلام إلى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لعب دورا في إعادة بدء المحادثات بين باكستان والهند، وذلك أثناء التقائه نظيره الباكستاني في العاصمة المالطية فاليتا، على هامش اجتماع رؤساء حكومات دول الكومنولث في نوفمبر الماضي. وردا على سؤال حول العلاقات الهندية – الباكستانية عقب اجتماعه مع كاميرون، قال شريف إنه «مستعد لإجراء محادثات مع الهند دون شروط مسبقة».
وفي وقت لاحق، عندما زار رئيس الوزراء الباكستاني الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لمناقشة الوضع في أفغانستان، وكذلك في الهند، حصل شريف على رسالة غامضة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهي أن «باكستان بحاجة إلى اتخاذ إجراءات ضد الجماعات التي تقوض الحوار السلمي، ليس فقط في أفغانستان، ولكن أيضًا مع الهند».
وتبذل قوات الأمن الأفغانية قصارى جهدها، غير أن تحدي طالبان سيكون خطيرا طالما أن باكستان لا تتحرك ضدهم، وهذا أمر غير مرجح حدوثه.
وأُجبِر الرئيس الأفغاني أيضًا على مراجعة موقفه مع باكستان. ويعتقد صناع السياسة الأميركية أن باكستان تتمتع بالفعل بدور فريد في البحث عن تسوية للمشكلة الأفغانية، وفي هذه الظروف، لا يمكن للولايات المتحدة تحقيق أهدافها الرئيسية دون دعم من باكستان.
وعلق دبلوماسي هندي سابق لدى باكستان بارثا سارتا، قائلا: «على الرغم من معرفة ازدواجية باكستان الواضحة في الماضي، بالإضافة إلى عجزها الصارخ وعدم رغبتها في استقرار النظام الديمقراطي في أفغانستان، لم يتمكن صناع السياسة الأميركية من تحديد أي نهج جديد للغز الأفغاني فيما عدا تكرار الطقوس المرضية لحكام باكستان الحقيقيين، الذين هم أيضًا صناع المشكلات في أفغانستان».
ويكمن التحدي للهند والمجتمع العالمي في إقناع باكستان بوقف إطلاق النار في أفغانستان من خلال الضغط على طالبان. وفي حين مددت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بعثتهما حتى نهاية عام 2016، فإنهما لا يمكنهما ضمان السلام هناك.
وقبل إطلاق الهند حوارا شاملا مع باكستان على هامش قمة «قلب آسيا» للتفكير في مستقبل أفغانستان، بدأت أيضًا في إبرام اتفاق أمني تشغيلي وثنائي مع أفغانستان، وهو ما سيشمل خلال الأيام المقبلة نقل أنظمة أسلحة متطورة وفتاكة ومروحيات هليكوبتر إلى الجيش الأفغاني، الذي يخوض قتالا الآن ليس فقط ضد طالبان، وإنما أيضا ضد عناصر تنظيم داعش المحليين.
وهذا يمثل خروجا ترحيبيا من السياسة الهندية القديمة الخجولة بإمدادات الدفاع. وكذلك يوضح أن الرئيس الأفغاني لم يعد مستعدا لاستبعاد المساعدات الهندية من أجل استرضاء الجنرالات الباكستانيين.
وكتب الصحافي مونوج جوشي: «من دون هذه التطورات، يجد مودي أن من الصعب الوفاء بالتزامه بحضور قمة رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي في إسلام آباد. وهذه ستكون أول زيارة لرئيس وزراء هندي منذ عام 2004».
ومن دون هذه التطورات، تتضرر جهود الهند للعب دور كبير في أفغانستان، بما يشمل استضافة مؤتمر «قلب آسيا» الذي يضم 14 دولة في نيودلهي العام المقبل. ويشكل تحقيق الاستقرار في أفغانستان، إلى جانب تعزيز السلام مع باكستان، نتيجة لجهود صناع السياسة، لأن الفشل في أي من الدولتين لديه القدرة على زعزعة استقرار العلاقات مع الأخرى.
تجدد العلاقات بين دول جنوب آسيا بعد لقاء قادتها في تركمانستان
اتفاق «خط أنابيب السلام» يغير سياسة المنطقة
تجدد العلاقات بين دول جنوب آسيا بعد لقاء قادتها في تركمانستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة