الأعياد في لندن.. مرح وأضواء تخفف من برد المدينة وظلامها

أسواق وطعام وتزلج

زينة العيد في كل الشوارع وعناوين عديدة لمتعة العائلات
زينة العيد في كل الشوارع وعناوين عديدة لمتعة العائلات
TT

الأعياد في لندن.. مرح وأضواء تخفف من برد المدينة وظلامها

زينة العيد في كل الشوارع وعناوين عديدة لمتعة العائلات
زينة العيد في كل الشوارع وعناوين عديدة لمتعة العائلات

في هذا الوقت العصيب الذي يمر على أوروبا، بهجمات إرهابية على باريس وإغلاق تام لبروكسل، تحاول لندن أن تحتفظ ببعض البهجة التقليدية التي تصاحب نهاية كل عام. فالأضواء ارتفعت بالفعل على شوارع وسط المدينة وبدأ موسم التسوق لاحتفالات نهاية العام يكتسب زخما مع اقتراب العام الجديد.
وتأتي هذه الاحتفالات الموسمية سنويا لكي تضفي بعض المرح وتخفف من وطأة البرد والظلام الذي يلف لندن مع كل شتاء. وهي وإن جاءت هذا العام بكثير من الوجل والمخاوف في عالم مضطرب يسوده العنف ويغلب عليه طابع الأمن، إلا أن أهل لندن يشتهرون بأنهم لا يعبأون بالمخاطر، خصوصا أن نسبة كبيرة منهم من السياح الذين أتوا خصيصا للاستمتاع بأجواء نهاية العام في المدينة.
ولا يدع أهل لندن برودة ليالي الشتاء ولا قتامة أيام نهاية العام تنال من معنوياتهم، فهم يستعدون لكثير من الاحتفالات وأنشطة التسوق والعروض المسرحية الهزلية التي تسمى «بانتومايم» التي تضفي على المدينة بعض المرح والنشاط على رغم برودة الطقس.
من هذه الأحداث ما يتكرر سنويا وبعضها جديد على العاصمة. وتستعد لندن لاحتفالات نهاية العام قبلها بأسابيع حيث تزدحم الشوارع بالمتسوقين لهدايا أعياد الميلاد، بينما تفتح المسارح ودور السينما أبوابها بعروض وأفلام جديدة. ويذهب البعض إلى حديقة هايدبارك التي تستقبل منذ عام 2007 عرض «وينتر وندرلاند» الذي يشمل أنشطة التزلج على الجليد والتسوق وتناول الأطعمة والمشروبات. ويجد الأطفال كثيرا من الملاهي المخصصة لهم.
وفي لندن تفتح أسواق كثيرة في نهاية العام أبوابها لبيع الهدايا من كل نوع وصنف، بينما تستعد المحلات العامة لموسم الأوكازيونات التي تبدأ فيه عادة يوم 26 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام.
إذا كنت تزور لندن هذا الشتاء فلا تدع فرصة مشاهدة بعض هذه الاحتفالات تفُتك بالبقاء في الفندق حيث المناخ الدافئ المكيف والطعام الشهي، فلندن تستحق الانطلاق فيها مهما كان الطقس للتمتع بأوقات لا تنسى.
وتنقسم النشاطات بوجه عام إلى زيارة مواقع الاحتفالات الشتوية أو ارتياد مواقع التزلج على الجليد أو أسواق المشغولات اليدوية أو مجرد التجول في الشوارع الرئيسية مثل «أكسفورد ستريت» وميدان «ترافلغر سكوير» لمشاهدة الأضواء والزينات. يمكن أيضًا زيارة المسارح التي تقدم عروضا خاصة باحتفالات نهاية العام، كما يمكن زيارة عروض عائلية معظمها يقدم على ساحات من الجليد.
وتستقبل مسارح لندن بعض المشاهير الذين يقدمون عروضا خاصة باحتفالات نهاية العام في لندن، ومنها عرض لشخصيات ديزني التي ترقص على الجليد في قاعة «أو 2» شرق لندن، أو عرض باليه خاص في دار «رويال أوبرا هاوس». وتقدم قاعة «رويال ألبرت هول» احتفالا غنائيا خاصا في موسم الشتاء الحالي. وتقدم قاعة «أو 2» أيضًا عرضا خاصا اسمه «كريسماس كراكر» يحتوي على عروض رقص وفكاهة. وفي لندن تفتح المتاحف أبوابها مجانا وتعمل المطاعم بكل طاقتها خلال فترة الشتاء التي تعتبرها موسم ذروة.
وإذا كانت كل هذه الأنشطة لا تكفي فما عليك إلا الذهاب في رحلات تسوق لهدايا نهاية العام التي تختفي من الأسواق مع نهاية الموسم الشتوي. ويمكنك أن تبدأ من «أكسفورد ستريت» ثم إلى «بوند ستريت» و«كوفنت غاردن» وزيارة المحلات الشهيرة مثل «هارودز» و«سيلفردجز» و«ليبرتي» و«فورتنوم أند مايسون». ولا تنس محل لعب الأطفال الشهير «هامليز».
وتلك بعض معالم احتفالات لندن الشتوية بالتفصيل، وهي تستمر لفترات محدودة تنتهي في الأسبوع الأخير من العام:
- عالم العجائب الشتوي «ونتر وندرلاند» في حديقة هايد بارك: وهو احتفال شتوي متنوع الأنشطة ومجاني الدخول، منها عجلة دوارة مضاءة يركبها الكبار والصغار وساحة تزلج على الجليد وسوق للهدايا. ويجد الزائر «مملكة الجليد» التي يتجول داخلها، كما يقدم سيرك خاص عروضه للزوار. وهناك كثير من الألعاب الموجهة للصغار، وأخرى للكبار. ويمكن شراء عملات خاصة من الموقع للاستخدام في كل الألعاب والمشاركة في الأنشطة أو مشاهدة العروض. ويبلغ طول عجلة عالم العجائب الشتوي نحو 60 مترا، وهي توفر مشاهد مثيرة لأضواء لندن الليلية. ويمكن شراء الهدايا والمشغولات اليدوية من السوق الملحقة بمدينة الملاهي، كما يتوفر الطعام والشراب من منافذ متعددة في الحديقة. وعلى نمط حديقة هايد بارك يمكن أيضًا زيارة «سايون بارك» حيث تضاء الحديقة ليلا لتقدم نموذج غابة شتوية. وهناك أيضًا احتفالات تقام في «كنسنغتون بالاس».
- أضواء الكريسماس: وهي من أهم معالم لندن في الشتاء وتأتي هذا العام على شكل ريشات الطاووس الفضية وتنتشر ما بين أكسفورد ستريت وريجنت ستريت. كما تظهر بعض الاحتفالات والأضواء أيضًا في مناطق أخرى مثل كوفنت غاردن وويستفيلد مول. وهي تصاحب موسم التسوق الذي يبدأ على أشده مع بداية شهر ديسمبر من كل عام.
- ساحات التزلج على الجليد: تقدم لندن كثيرا من ساحات التزلج على الجليد، أحدها يقام على ساحة ساوث بنك حيث توجد عجلة لندن. وهناك ساحات أخرى في كناري وارف وويستفيلد ومتحف لندن الطبيعي وقصر سامرست. وتقام ساحة خاصة في قصر «هامتون كورت» جنوب لندن، وهي تقام خارج القصر في الهواء الطلق مع إضاءة كاملة لوجهة القصر التاريخي الذي استضاف في حقبة سابقة الملك هنري الثامن. ويمكن بعد التزلج الاستمتاع ببعض المشروبات الساخنة في المقهى المجاور لساحة التزلج.
- أسواق الهدايا: هناك كثير من أسواق الهدايا التي تنتشر في أرجاء لندن ومنها سوق غرينيتش الذي يتخصص في المشغولات اليدوية والألعاب من مصممين يعرضونها في هذه السوق فقط. من الأسواق الأخرى أيضًا سوق حديقة كيو التي توفر جوا شاعريا وتجمع بين بيع الهدايا وتقديم ملاهي الأطفال مع أسواق صغيرة متخصصة في أنواع الطعام والشراب وفرق موسيقية للتسلية. وفي «ساوث بنك» بالقرب من عجلة لندن يقام سوق على الطراز الألماني بمحازاة النهر وتتنوع المعروضات بين اللعب والمأكولات والمشروبات وتعزف الفرق الموسيقية. وهناك ركن يتعلم فيه الأطفال الرسم ويتناولون أنواع الحلوى. وفي أقدم حديقة نباتية في لندن وهي «تشيلسي غاردن» تقام سوق هدايا تشمل الجواهر وأنواع أقمشة الكشمير وملابس الأطفال والأواني الفخارية وأنواع الشوكولاته والمنتجات الجلدية. ويوفر مقهى «تانجرين» كثيرا من الوجبات والمشروبات الساخنة. وتقع السوق بالقرب من محطتي فيكتوريا أو سلون سكوير، ولا يزيد ثمن الدخول إلى السوق عن خمسة جنيهات فقط بينما يدخل الأطفال دون السادسة عشرة مجانا.
- عروض مسرحية للأطفال: وهي وإن كانت باللغة الإنجليزية إلا أن متابعتها من دون اللغة سهلة لأنها تعتمد على التعبير الحركي، ومعظمها لعرائس متحركة وتصلح للفئة العمرية ما بين خمس وثماني سنوات. من عروض هذا العام كل من «إلف»، وتقدم على مسرح دومنيون، و«كريسماس كارول» وتعرض على مسرح «نويل كاوارد»، وهي إعادة صياغة لقصة فيلم سينمائي شهير. وهناك أيضًا مسرحية «سنومان» على مسرح بيكوك.
- وتقدم مسارح أخرى عروض «بيتر بان» و«روبن هود» و«سنو شو»، بينما تقدم فرقا مسرحية عروضا بهلوانية على الجليد منها فرقة «سلافا». وفي دار الأوبرا الملكية تقدم باليه «نتكراكر» بينما يقدم مسرح سادلر ويلز مسرحية الجميلة النائمة «سليبنغ بيوتي».
- يوم 25 ديسمبر: يهجر لندن معظم سكانها لزيارات عائلية خارجها وتبقى لندن شبه خاوية، خصوصا في ساعات الصباح الأولى. وهي فرصة ذهبية للزائر للتجول في لندن بلا ازدحام والقيادة فيها بحرية تامة وبلا ضريبة تلوث أو مشكلات في صف السيارة. وقررت مطاعم كثيرة هذا العام أن تفتح أبوابها للزبائن لوجبتي الإفطار والغداء في هذا اليوم. وهنا أيضًا قد يجد السائح فرصة ذهبية في الاختيار وإن كان من الأفضل حجز المطاعم قبل هذا اليوم للتأكد من وجود مائدة شاغرة. وهناك من يقوم بأنشطة غريبة في هذا اليوم مثل السباحة في المياه الباردة لبحيرة «سربنتاين» في هايد بارك أو القيام بجولات مشي في العاصمة أو استخدام الدراجات الهوائية في رحلات ممتعة في شوارع لندن الخاوية.
إن لندن في فصل الصيف تقدم كثيرا للسياح العرب من تسوق وطقس معتدل وجلسات «شيشة» في مقاهي «إدغوار رود»، ولكن لندن في الشتاء لها مذاق آخر قد يكون أفضل من الصيف. فهو الموسم الذي تعلق فيه الزينات على شارع «أكسفورد» ومنطقة وسط المدينة وتكتسي المحلات بالأضواء والديكورات وينطلق المتسوقون في رحلات شراء ماراثونية، وتنتشر الأنشطة والعروض الشتوية بينما يلتقي الجميع حول الموائد في المطاعم في جو دافئ مع نار مشتعلة في أحد الأركان. إن المناخ العام الذي تقدمه لندن في فصل الشتاء يستحق زيارة واحدة على الأقل لمشاهدة لندن في جو فريد ورائع.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».