الحدود مع لبنان أكبر تحديات النظام السوري لتحصين خطوط إمداده إلى دمشق

صعّد في القلمون لتأمين اتصاله بالساحل.. وحماية حزب الله من الصواريخ

الحدود مع لبنان أكبر تحديات النظام السوري لتحصين خطوط إمداده إلى دمشق
TT

الحدود مع لبنان أكبر تحديات النظام السوري لتحصين خطوط إمداده إلى دمشق

الحدود مع لبنان أكبر تحديات النظام السوري لتحصين خطوط إمداده إلى دمشق

تصعد القوات النظامية السورية، منذ عشرين يوما، قتالها على مشارف مدينة يبرود في القلمون بريف دمشق الشمالي، لتحقيق أهداف استراتيجية، أهمها تأمين خطوط الاتصال بين العاصمة والساحل السوري، وتأمين المناطق اللبنانية الحدودية من القصف بالصواريخ، وهي المناطق التي تسكنها أغلبية مؤيدة لحزب الله، حليف دمشق، فضلا عن تأمين خط نقل الترسانة من الأسلحة الكيماوية إلى الساحل السوري.
وبدأ التصعيد في القلمون، بريف دمشق الشمالي، في الخريف الماضي، عقب الاتفاق الأممي في الأمم المتحدة على تجريد السلطات السورية من أسلحتها الكيماوية، في سبتمبر (أيلول) الماضي. وأطلقت القوات النظامية السورية معركة السيطرة على القلمون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدءا من مدينة قارة في أقصى شمال ريف دمشق، المحاذية إلى حمص، حيث استعادت السيطرة عليها، قبل انتقالها إلى دير عطية والنبك، وصولا إلى المناطق المحيطة بمدينة يبرود، وهي أكبر معاقل المعارضة في القلمون في هذا الوقت.
وتمثل القلمون أهمية استراتيجية بالنسبة للقوات النظامية، بسبب طريق دمشق - حمص الدولي الذي يربط العاصمة بوسط سوريا، ثم ساحلها وشمالها وشرقها. وتتيح السيطرة على الطريق تأمين خطوط الإمداد للقوات النظامية في العاصمة وريفها، كما تمنع المعارضين عن إيصال الإمداد للقوات المعارضة في ريف دمشق. وسهّلت سيطرة المعارضة على هذه المنطقة الجرديّة، المعروفة بتضاريسها المعقدة، التواصل بين المعارضين في أنحاء سوريا، وإيصال الإمدادات اللوجيستية وتنقل المقاتلين.
وتنظر دمشق إلى السيطرة على القلمون على أنها وسيلة لضبط حدودها، وتحديدا مع لبنان، لإقفال قنوات التهريب وانتقال المسلحين، بعدما ضبطت حدود لبنان الشمالية، بالسيطرة على المنطقة المقابلة لتلكلخ وريف القصير. وتمتد حدود ريف دمشق مع لبنان على مساحة تتخطى المائة كيلومتر، بينها 50 كيلومترا مع بلدة عرسال (شرق لبنان) المعروفة بتأييدها للمعارضة السورية، والمتاخمة لبلدات القلمون مثل فليطا وقارة ويبرود والنبك وسحل، وغيرها. وقد تعرضت عرسال في الأسبوع الأخير لسلسلة من الغارات الجوية السورية التي استهدفت مناطق حدودية، وطرقات تهريب غير شرعي من لبنان إلى سوريا، وأسفرت عن مقتل طفلين الأسبوع الماضي.
في مقابل تلك الصواريخ النظامية، أعلنت فصائل متشددة في المعارضة السورية مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ التي استهدفت مناطق نفوذ حزب الله في البقاع (شرق لبنان). وتتصدر هذه الصواريخ أسباب دخول حزب الله المعلنة في المعركة إلى جانب النظام السوري. وكان أمين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، أعلن في تصريح سابق «اننا سنجد حلا للصواريخ السورية على الهرمل». وتلاقت مصلحة الحزب مع مصلحة النظام في استعادة السيطرة على بلدات القلمون، لتخفيف تداعيات الأزمة السورية على مناطق نفوذ الحزب.
وأسهمت استعادة السيطرة في مناطق قارة، وجوسيه، وأخيرا النعمات السورية، في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، في منع سقوط صواريخ معارضة على الهرمل، قبل أن ينتقل إطلاق الصواريخ إلى منطقة بعلبك المؤيدة للحزب، وتحديدا في بريتال وحور تعلا المحاذيتين للحدود السورية. وتعتبر الصواريخ التحدي الأكبر بالنسبة لمناطق نفوذ الحزب، وتكثفت خلال الأسبوع الأخير على مناطق شرق بعلبك، مما يؤشر إلى أن التصعيد في القلمون لن يقتصر على يبرود، بل سيمتد إلى رنكوس وعسال الورد وريف الزبداني التي يُعتقد أن الصواريخ على بعلبك تنطلق منها باتجاه المناطق اللبنانية.
وإلى جانب هذه الأسباب، تسهل استعادة السيطرة على هذه المنطقة مهام القوات النظامية في نقل ترسانتها الكيماوية إلى الساحل السوري، وتحديدا إلى ميناء اللاذقية، قبل نقلها خارج سوريا. ويعد أوتوستراد دمشق - حمص الدولي، الذي يمر في معظم المدن الكبرى في القلمون، ممرا إلزاميا لنقل الأسلحة الكيماوية من مواقع القوات الحكومية ومخازنها في دمشق. وكثفت دمشق من عملية نقل الأسلحة الكيماوية إلى ميناء اللاذقية، خلال الأيام الأخيرة، قبل انتهاء المهلة التي أعطاها إياها مجلس الأمن، بموازاة تقدمها في مدن وبلدات القلمون.
وجمّدت القوات النظامية عملياتها العسكرية في القلمون، بعد سيطرتها على النبك في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لتجنب الظروف المناخية القاسية في المنطقة. وأطلقت من جديد حملة استعادة السيطرة على يبرود، منتصف فبراير (شباط) الماضي، وسط اشتباكات عنيفة تخوضها في المنطقة، مدعومة بمقاتلين أجانب، وأسفرت عن استعادتها السيطرة على منطقة سحل وتلال مزارع ريما المتاخمة ليبرود. ولا تتوقع مصادر المعارضة الدخول إلى مدينة يبرود «لعجز النظام عن مواجهة المقاتلين في المدينة التي ستكلفه خسائر كبيرة». وتعد المدينة آخر أكبر معاقل المعارضة في القلمون، ويقيم فيها المقاتلون منذ أكثر من عام.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، بمقتل 17 مقاتلا معارضا في معارك مع القوات النظامية السورية مدعومة بحزب الله اللبناني في محيط مدينة يبرود شمال دمشق، مشيرا إلى أن الطيران الحربي نفذ صباحا «ست غارات جوية على منطقة العقبة ومحيطها وأطراف يبرود». وتأتي المعارك في ظل محاولة النظام استعادة السيطرة على المناطق المحيطة بيبرود، بهدف وضع المدينة التي يتحصن فيها المقاتلون تحت مرمى النيران.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».