القصف الروسي قتل 570 مدنيًا وأوقف المعونات الإنسانية شمال سوريا

الغارات شلّت عمل المخابز وطواحين الحبوب والمستشفيات

رجل من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بمدينة حلب شمال سوريا  يعرض مواد مستعملة للبيع (أ.ف.ب)
رجل من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بمدينة حلب شمال سوريا يعرض مواد مستعملة للبيع (أ.ف.ب)
TT

القصف الروسي قتل 570 مدنيًا وأوقف المعونات الإنسانية شمال سوريا

رجل من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بمدينة حلب شمال سوريا  يعرض مواد مستعملة للبيع (أ.ف.ب)
رجل من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بمدينة حلب شمال سوريا يعرض مواد مستعملة للبيع (أ.ف.ب)

في وقت أعلنت فيه منظمة أنّ القوات الروسية تتسبب في مقتل 570 مدنيًا، بينهم 152 طفلا و60 سيدة خلال ثلاثة أشهر، حذّرت منظمات إنسانية من تدهور الوضع الإنساني في شمال سوريا نتيجة الغارات الروسية التي زادت حدّتها بعد إسقاط تركيا للطائرة، وأدت إلى توقف حركة المعونات الإنسانية.
وأشارت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، في تقرير لها، أمس، إلى أن التدخل الروسي زاد من معاناة السوريين، في حين كان من المفترض أن يخفف عنهم باستهداف وإنهاء تنظيم داعش في وقت قياسي بناء على تصريحات المسؤولين الروس الذين انتقدوا بُطء إنجاز التحالف الدولي في إنهاء تنظيم داعش بعد مرور عام على تدخله، وأوضحت في تقرير لها أن «التدخل الروسي يدخل شهره الثالث، ولا يكاد يوجد أي إنجاز حقيقي على صعيد إضعاف أو إنهاء تنظيم داعش، بل وبخلاف ذلك فما بين 85 و90 في المائة من الهجمات الروسية تركزت على مناطق تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة، استهدفت في كثير من الأحيان مناطق مأهولة بالسكان وأسواقًا ومشافي ومراكز حيوية، وهو ما لم يفعله التحالف الدولي الذي انتقدته روسيا سابقًا». وهذا الواقع أكدته كذلك منظمات إنسانية، ونشرت «واشنطن بوست» الأميركية تقريرا يقول، إن الغارات الروسية في سوريا أوقفت حركة المعونات الإنسانية وتسببت في ظهور أزمة جديدة، وإن منظمات العون تحذر من تدهور للوضع الإنساني بشمال البلاد.
وذكر التقرير أن هذه الغارات شلت حركة المرور على طرق الإمداد من تركيا، ودمرت كثيرا من المعابر الحدودية والطرق السريعة والمخابز وطواحين الحبوب والمستشفيات، واستمرت في قتل وإصابة المزيد من المدنيين.
وتقول المنظمات، إن الهجمات الروسية زادت بشكل كبير عقب إسقاط تركيا طائرة السوخوي الروسية على الحدود بينها وسوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ كان الرد الروسي على تلك الحادثة تكثيف الغارات للقضاء على المعارضة ضد الحكومة السورية بالمحافظات القريبة من الحدود مع تركيا والتي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
ونقلت الصحيفة عن المدير الإقليمي بتركيا وشمال سوريا لمنظمة ميرسي كوربس (فيالق الرحمة) الأميركية راي ماكغراس، قوله، إن أزمة إنسانية جديدة قد بدأت بسوريا، وإن «هناك معاناة لا يمكن تخيلها والناس يعيشون من دون أي حماية، والإصابات وسط المدنيين ازدادت بشكل كبير بسبب تكثيف القصف الروسي، لقد كان من الصعب تخيّل أن الأوضاع الإنسانية بالبلاد ستتدهور أكثر مما كانت عليه، لكنها تدهورت بالفعل أكثر من أي وقت سابق».
يُذكر أن روسيا زادت غاراتها ضد المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، لكن مسؤولين أميركيين وعاملين بمنظمات العون والتقارير العسكرية الروسية، يشيرون إلى أن أغلب الغارات الروسية لا تزال تستهدف محافظات اللاذقية وحلب وإدلب التي عانت أكثر من غيرها من الغارات الروسية الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
يُشار إلى أن هذه المحافظات تضم ملايين السوريين من المدنيين والعسكريين والنازحين من الذين يعتمدون ولو بشكل جزئي على الأقل الإمدادات التي تأتي عبر الحدود التركية.
وذكر مسؤول في الأمم المتحدة بجنوب تركيا - طلب عدم الكشف عن اسمه - أن عدد النازحين جراء الغارات الروسية يُقدر بـ260 ألف شخص.
ونسب التقرير في «واشنطن بوست» إلى الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين جان إيغلاند، قوله إن الهجمات الروسية ألقت بظلال من الشك على جدوى عملية السلام التي أطلقتها الدول الكبرى في فيينا الشهر الماضي، محذرا من المزيد من المعاناة بقدوم فصل الشتاء.
في سياق آخر، عادت حركة الطيران الحربي يوم أمس إلى مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي في شمال سوريا، بعد شهر على فك الجيش النظامي الحصار الذي فرضه تنظيم داعش على هذه القاعدة منذ أكثر من عام، وفق ما أفاد به التلفزيون السوري الرسمي. وبث التلفزيون مشاهد من القاعدة الجوية تظهر إقلاع عدد من الحوامات وتحليقها في الجو بعد تلقيها تعليمات مباشرة من العقيد سهيل الحسن، الذي قاد عملية فك الحصار عن المطار «بالتعامل مع أي هدف حسب المشاهدات».
وفرضت فصائل مقاتلة حصارا على المطار في أبريل (نيسان) عام 2013، ليطردها «داعش» بعدها ويفرض حصارا بدوره منذ ربيع 2014. وخاض التنظيم منذ ذلك الحين اشتباكات في محاولة للسيطرة على هذه القاعدة الجوية من دون أن يتمكن من ذلك.
وكان مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن قال لوكالة «الصحافة الفرنسية» في وقت سابق، إن من شأن فك الحصار عن كويرس وضمان أمن المنطقة المحيطة به أن يتيح لموسكو استخدامه لاحقا كقاعدة عسكرية لعملياتها، وخصوصا لاستعادة السيطرة على كامل مدينة حلب.
وتتقاسم قوات النظام والفصائل المقاتلة السيطرة على مدينة حلب، التي تشهد معارك مستمرة منذ صيف 2012.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.