{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي

أعاد نشر عناصره من درنة وسرت إلى تخوم طرابلس

{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي
TT

{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي

{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي

أعاد تنظيم داعش في ليبيا نشر عناصره من درنة وسرت، إلى تخوم طرابلس ومصراتة، لكنه يعاني من ضعف الخطاب الديني، ونقص القدرة على الإقناع، في مواجهة القادة المحليين الرافضين له، سواء كانوا مسؤولين تنفيذيين أو شيوخ مساجد من التيار الديني المعتدل، ولهذا كان من بين خططه تصفية مثل هؤلاء القادة والتنكيل بأسرهم، بطرق بشعة، من بينها قتل إمام مسجد قرطبة في سرت وتعليق جثته في الشارع، وسحل آخرين في درنة وبنغازي. وإلى جانب التصفية والذبح لمن يرى قادة التنظيم أنهم منافسون لهم ويقفون ضد طموحاتهم في ليبيا، يقوم مسؤولو التنظيم المتطرف بإغراء الشبان العاطلين عن العمل من أجل الحرب تحت راية التنظيم مقابل أموال لهم ولأسرهم، حتى لو كانوا من العرب والأجانب. وبين حين وآخر تنفذ العناصر الداعشية على حواجز الطرق في سرت عمليات لترهيب المواطنين، ولإثارة الفزع بين الأهالي، من أجل الرضوخ لأوامر التنظيم وعدم التفكير في أي نوع من أنواع المقاومة حتى لو كانت مقاومة سلبية، كما يقول أحد قيادات القبائل في المدينة التي كانت في السابق مقرا مفضلا للقذافي.
وعلى الرغم من المشكلة التي يواجهها تنظيم داعش في ليبيا فيما يتعلق بالخطاب الديني، حيث يفتقر إلى القيادات الفقهية التي لها قدرة على الإقناع والحشد للشبان الليبيين الباحثين عن المستقبل، فإنه تمكن من تنفيذ خمس عمليات كبيرة على الأقل في عدة مواقع في الداخل، وذلك منذ بداية الشهر الماضي حتى مطلع هذا الشهر. وكان الملاحظ، كما يقول العقيد محمد حسين، وهو مسؤول أمني ليبي ممن كانوا يتابعون هذه التطورات، إن غالبية من تقدموا الصفوف لمهاجمة الخصوم، سواء من الجيش أو من الميليشيات المنافسة، دواعش من تونس والسودان ومصر ومن أوروبا.
ولم ينس التنظيم في ليبيا أن يشارك في توجيه تهديدات باستهداف دول غربية أيضا، بينما يواصل محاولاته للاستفادة من تغيير تكتيكاته للتوسع في منطقة الهلال النفطي في هذا البلد المطل على أوروبا والذي تضربه الفوضى، منذ سقوط نظام القذافي أواخر عام 2011. وبدأ «داعش»، بحسب مصادر من الجيش الليبي، يعتمد على ثلاث نقاط للتجنيد وإعادة التوجيه للمقاتلين، للتوسع في سرت التي تتوسط شمال ليبيا، ويوجد فيها مطار ويقع في شرقها نحو 60 في المائة من حقول النفط.
النقطة الأولى تقع في ضواحي شرق مدينة درنة التي يفد إليها المتسللون العرب والأجانب الفارون من سوريا عبر البحر المتوسط والمتسللون الآخرون من الحدود البرية المصرية الليبية، وللانتقال من درنة إلى سرت، خاصة بعد أن تلقى التنظيم ضربات موجعة من خصومه، لا بد من التوجه جنوبا إلى الطريق الصحراوي الذي يصل إلى إجدابيا، ومن هناك يبدأ توزيع العناصر، منها مجموعات تقوم بالتمركز في البوابات التي تحاول خنق إجدابيا والسيطرة عليها، ومجموعات نوعية تعمل على تحويل سرت إلى عاصمة لـ«داعش».
ونقطة الارتكاز الثانية للتجنيد، وفقا للعميد حسين، تقع في مدينة صبراتة، في غرب طرابلس قرب الحدود مع تونس، وتستقبل الشبان التونسيين والجزائريين، وغيرهم من المتسللين من الحدود. ويقول مسؤول أمني ليبي إن شابا تونسيا يدعى صابر هو من يتولى إدارة العملية برمتها في صبراتة، أي أنه يعد المشرف الأول على استقبال المقاتلين وإرسالهم إلى سرت. ويضيف أن صابر يتعاون في تمرير المقاتلين الدواعش إلى سرت مع ميليشيات متطرفة في طرابلس ومصراتة، رغم أن توجهات معظم تلك الميليشيات أقرب إلى تنظيم القاعدة.
وحين ذاك قتل «داعش» سرت عقيدا نظاميا اسمه عطايا أمام بيته في إجدابيا، ورجلا آخر معروفا في سرت يدعى عادل المعداني. وبعد عدة أيام شن هجوما استمر أكثر من أسبوع على رواد المساجد المعتدلة في سرت. ومن المشاهد التي أصابت المواطنين بالرعب، قيامه بتعذيب نحو ثلاثين من شباب المدينة حتى الموت، وسحل جثثهم في الشوارع. وبعد ذلك، كما يقول العقيد حسين، أصدر التنظيم أوامر بحظر مشاهدة قنوات التلفزيون الفضائية ومعاقبة كل من يحتفظ بطبق لاقط لتلك القنوات أعلى سطح بيته. وأعقب هذا إلزام المدارس في سرت بتدريس مواد للتلاميذ عن «طرق قتل المرتدين بالمسدسات».
وبينما يجري بحث تنصيب حكومة وفاق وطني برعاية الأمم المتحدة في مثل هذه الأجواء، وجهت الولايات المتحدة الأميركية قبل أسبوع ضربات حربية جوية لمواقع لـ«داعش» في سرت، لكن لم تحقق نتائج تذكر في كسر شوكة التنظيم وفقا للمصادر. ويسود اعتقاد بين كثير من السياسيين الليبيين، مثل رئيس لجنة العدالة والمصالحة في البرلمان الليبي، إبراهيم عميش، بتعمد دول غربية نشر الفوضى في ليبيا تمهيدا للتدخل من أجل تقسيم البلاد ونهب ثرواتها النفطية، مشيرا إلى أن الوضع الأمني في البلاد ينبغي أن يكون على رأس الأولويات.
وفي مصر التي لها حدود بطول 1150 كيلومترا، مع ليبيا، حذر رئيسها عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، من خطر «داعش» على دول الجوار وعلى أوروبا. ويقول الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد في مصر، إن أميركا لا تحارب الإرهاب في ليبيا ودول المنطقة وإنما ترعاه، معتبرا ذلك «مؤامرة على الدول العربية»، ويوضح: «إنها مؤامرة كبيرة، وإلا من الذي سمح بتواجد ألوف المقاتلين الأجانب في البلدان العربية من العراق وسوريا إلى ليبيا.. انظر إلى الوضع في سرت».
ومع ذلك، لا يمكن أن يوصف «داعش» ليبيا بأنه «تنظيم متماسك» مثل حال «داعش» في العراق وسوريا، لعدة أسباب من بينها تقاطع المصالح بين التنظيم في سرت وباقي الميليشيات المتطرفة في طرابلس وبنغازي ومصراتة، والتي يدعم عدد منها عناصر «داعش» ويسيّر لها المراكب والسيارات المحملة بالسلاح ويتغاضى عن تنقلات عناصر التنظيم بين المدن الليبية.
الصراع بين الميليشيات بما فيها «داعش»، يبدو صراعا على الغنائم ومناطق السيطرة. تبذل مجموعات متطرفة جهودا كبيرة لمنع توسع «داعش» من سرت إلى طرابلس، لكنها تتعاون معها في مناطق أخرى لتحقيق أهداف مشتركة مثل محاربة أي عودة للدولة والسلطة المركزية. على سبيل المثال يعلن ما يسمى بـ«مجلس شورى الثوار في طرابلس» وقوفه ضد تنظيم داعش، بينما تتعاون فصائل في مجلس العاصمة وفي المجلس المماثل في بنغازي مع التنظيم نفسه. هذا التضارب في المواقف يستغله «داعش» في التغلغل داخل مدن جديدة وتنفيذ عمليات في مواقع لم يكن له فيها وجود مثل تفجير البوابة الواقعة على الطريق بين مصراتة وطرابلس الأسبوع الماضي.
أما في درنة فإن مشكلة «داعش» كانت أكبر من أي حل، بسبب انشقاق مجلس ثوار المدينة بين موالين لـ«داعش» ومعارضين لها مؤخرا، ورفع السلاح ضد بعضهم البعض، ما أصاب الكثير من قيادات الميليشيات المتطرفة في المدن المجاورة لدرنة بالارتباك، خاصة تجاه مسألة تعضيد طرف ضد الآخر. وتشترك غالبية قيادات مجالس الثوار في طرابلس وبنغازي ودرنة مع «داعش» في استهداف الجيش الوطني الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، واستهداف السلطات الشرعية ممثلة في البرلمان والحكومة.
وفي الوقت الحالي يحاول «داعش» تحقيق مكاسب رغم هزيمته في درنة، وذلك عن طريق نقل القيادات والعناصر من هناك إلى سرت بوتيرة أسرع من السابق، وإحياء ميناء سرت لاستقبال المقاتلين الفارين من سوريا، والأسلحة، من البحر، وبحث استغلال المطار الجوي في المدينة لتقوية التنظيم مستقبلا، وفتح مزيد من البلدات المحيطة بسرت.
قبل أيام قليلة كانت ميليشيا من الميليشيات التي يديرها رجل يدعى كاره وتسيطر على جزء من طرابلس، تحاول العمل وفقا لآليات جديدة تريد من ورائها إثبات حسن نواياها أمام الأمم المتحدة والأصدقاء الغربيين. جرى هذا بتوجيهات قادة لديهم طموح في التواجد في أي حكومة توافق مقبلة. مشكلة هذه الميليشيا ومن يقف وراءها أنها كانت تسهل الأمور لـ«داعش» خاصة فيما يتعلق بضغط التنظيم المتطرف على قوات حفتر في بنغازي ودرنة وعلى بعض كتائب مصراتة المعتدلة. لكنها قامت باحتجاز ستة دواعش من سرت، وزجت بهم في سجن يقع في مطار معيتيقة المجاور للعاصمة.
بدأت مفاوضات «داعش» مع ميليشيا طرابلس من أجل إطلاق سراح المحتجزين الستة، بشكل هادئ أولا، إلا أنها وصلت بين اثنين من القياديين هما كاره، و«داعشي» في سرت يدعى أبو عبد الله، إلى طريق مسدود. هنا جهز أبو عبد الله مجموعة من أربعة عناصر كلهم شبان يحملون الجنسية التونسية، وبدأ التنسيق مع أفراد من ميليشيات متطرفة في طرابلس مقابل أجر مالي، للهجوم على سجن معيتيقة وتحرير الدواعش الستة.
ويوضح المسؤول الأمني الليبي أن هذا كان مؤشرا آخر على تغير تكتيكات «داعش»، واعتماده على ترهيب المواطنين والقيادات المعتدلة، وترغيب المتطرفين الآخرين للتعاون مع التنظيم بدفع الأموال لهم، وبث الرعب من خلال توصيل رسائل بأنه أصبح لديه قوة ولديه قدرة على التواجد في كل مكان، انطلاقا من سرت، بما في ذلك الوصول للعاصمة وللطريق الحيوي الرابط بين طرابلس ومصراتة التي تعد من المدن التجارية والصناعية الكبرى، وتحتفظ بمخزون ضخم من أسلحة الجيش الليبي.
بعد نجاح مجموعة أبو عبد الله ومن معه من تونسيين في الوصول إلى طرابلس، وإقامتهم ليلة في عدة غرف داخل معسكر اسمه «التوحيد» تابع لقيادي متشدد في طرابلس يدعى القباطي، هجمت قوات تابعة لكاره على الموقع واعتقلت اثنين، بينما فر أبو عبد الله وباقي المجموعة. وبعد أن جرى انتزاع الاعترافات من الشابين بدأت القوات تبحث عن القباطي، إلى أن وجدته في ميدان الفرناج، وهو أحد ميادين العاصمة القريبة من منطقة يبدو أنها غنية بالخلايا النائمة للدواعش. وبعد تبادل لإطلاق النار، قتل القباطي.
مكاسب «داعش»
ووفقا للمصادر الأمنية الليبية فإن «داعش»، ورغم مقتل أحد قيادييه والقبض على آخرين، فإنه حقق مكاسب حين جرى الإعلان عن هذه المحاولة الفاشلة لتحرير السجناء الستة. وأشار إلى أنه، ولأول مرة، تظهر عناصر موالية لـ«داعش» في شوارع العاصمة علانية وتقوم بغلق منطقة الفرناج السكنية بالمتاريس، بينما يتوعد قادتها في سرت بالانتقام لأنصار التنظيم في العاصمة.. «هذا متغير جديد لا بد من وضعه في الاعتبار. (داعش) يريد القول إنه يضرب في كل مكان وقادر على المنافسة في طرابلس أيضا».
من بين قيادات «داعش» التي نقلت رجلها من سرت ووضعتها في طرابلس في الفترة الأخيرة رجل يدعى الدكتور محمود من أصول تعود للمنطقة الشرقية في ليبيا. كان من بين من قدموا تسهيلات لمجموعة أبو عبد الله التي وصلت للعاصمة بسيارة دفع رباعي، ومما قدمه الدكتور محمود خمس بنادق كلاشنيكوف ومادة «تي إن تي» شديدة الانفجار لتنفيذ مداهمة سجن معيتيقة.
وداخل غرفة تحقيق تابعة للميليشيات المتطرفة التي يشرف عليها كاره، بدأ الترويج لمقولة بأن هذه الميليشيا تحارب تنظيم داعش وتمنعه من استهداف السفارات الأجنبية في العاصمة، رغم أن الغالبية العظمى من هذه السفارات أغلقت أبوابها منذ نحو سنة. ومن ضمن من جرى التحقيق معهم من مجموعة أبو عبد الله شاب تونسي يبلغ من العمر 17 سنة. تفيد أقواله بأن قادة التنظيم في سرت يقدمون وعودا بمنح أجور مالية للمقاتلين وإعانات للأسر لمن ينضمون له، حتى لو كانوا من الأجانب. ويبلغ الراتب الشهري في المتوسط ألف دولار، ويتحدد بنوع المهام القتالية المطلوبة. وتمكن سوداني من ادخار نحو 12 ألف دولار من «داعش» في سرت، لكنه حين حاول الشهر الماضي العودة بهذا المبلغ إلى بلاده، جرى توقيفه من قبل التنظيم على حدود سرت مع إجدابيا، واتهامه بالفرار من أرض المعركة وجرى إطلاق الرصاص عليه ومصادرة ما كان معه. ووفقا للمصادر التي تابعت القضية كان السوداني في طريقه للتسلل عبر الحدود مع مصر ومنها يتوجه إلى السودان، لكن أحلامه ماتت معه.
ومثل مئات ممن التحقوا بداعش سرت حديثا، فقد انطلق الشاب التونسي أبو إسلام الذي جرى القبض عليه في عملية معيتيقة، من مدينة بن جردان التونسية قبل أن يتمكن من الوصول إلى مدينة صبراتة الليبية وهي من المدن التي تعج بالمتطرفين وكان يقيم فيها القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة مختار بلمختار. ومن هناك جرى الدفع بالشاب إلى سرت للالتحاق بالميليشيات المتطرفة ليجد نفسه في نهاية المطاف أحد مقاتلي «داعش». وقال للمحققين في طرابلس إن التنظيم وعده براتب ألف دولار في الشهر لكنه لم يكن قد أمسك في يده أي أموال من راتبه بعد.
عصابات تعمل للكسب
يقول العقيد حسين، إن الواقعة تؤشر إلى أن التنظيمات التي ترفع شعار تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة، مجرد عصابات تعمل من أجل كسب النفوذ والأرض لكي يحقق قادتها أغراضا خاصة. ويضيف أن مجموعات الدواعش التي ترفع الراية السوداء في سرت تريد أن تستولي على حقول النفط وتحقيق مكاسب.. «تريد تكرار تجربة بيع النفط في السوق السوداء كما حدث في العراق وسوريا».
وبينما يشدد الشيخ نعيم على أن الجهات التي تستفيد من بيع البترول الليبي بأبخس الأسعار هي التي تقف وراء استمرار نشر الفوضى وتقوية «داعش» واستنزاف ثروات هذا البلد الغني، يشير الضابط حسين إلى أن بعض قادة الميليشيات في طرابلس والتي تزعم أنها تقف ضد «داعش»، لديهم علاقات مع سماسرة ولديهم جاهزية للاتجار في كل شيء، من النفط إلى تهريب البشر لأوروبا.. «كثير من قادة الميليشيات في المدن الواقعة على البحر مثل زوَّارة ومصراتة.. هم يتعاونون معه ويتنافسون معه أيضا على أماكن البترول وعلى نقاط المرور الحدودية، خاصة مع تونس ومع الجزائر وفي الجنوب مع تشاد والنيجر».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.