في وقت ما زالت فيه منصات الحفر الأميركية تواصل الإغلاق، نتيجة استمرار تراجع أسعار النفط بسبب وفرة المعروض وزيادة الإنتاج، بدت الولايات المتحدة (الخاسر الأكبر) تفكر في تغيير استراتيجيتها لدخول معركة جديدة ضد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بعد نجاح الأخيرة في إجبار شركات الطاقة الأميركية على تخفيض عدد منصات النفط العاملة للأسبوع الرابع عشر من بين الخمسة عشر أسبوعا الماضية.
وانكمش بالفعل نمو الإمدادات من خارج أوبك إلى أقل من 300 ألف برميل يوميًا في نوفمبر (تشرين الثاني) من 2.2 مليون برميل يوميًا في بداية العام.
وفي تصريحات مقتضبة، تبدو وكأنها تأتي لـ«جس النبض» العالمي، وخصوصا مجموعة دول أوبك، قال مصدر بمجلس الشيوخ الأميركي أمس إنه «من المرجح جدًا» رفع الحظر المفروض منذ 40 عامًا على معظم صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام في ميزانية الإنفاق الحكومية خلال الأسبوع الحالي.. وطلب المصدر عدم نشر اسمه «لطبيعة المحادثات المستمرة»، وفقًا لخبر بثته وكالة «رويترز».
وعندما سئلت متحدثة باسم هاري ريد، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأميركي، عما إذا كان من المحتمل رفع الحظر على صادرات النفط، قالت إنه «لم يتم التوصل بعد لاتفاق نهائي».
وتقول شركات الطاقة والجمهوريون الذين يتزعمون مجلسي الكونغرس، إن إلغاء الحظر سيحافظ على الازدهار في عمليات الحفر للتنقيب عن النفط في الولايات المتحدة، وسيعطي حلفاء الولايات المتحدة بدائل لروسيا وأوبك للحصول على إمداداتهم من النفط. وعلى الجانب الآخر يقول المعارضون، ومن بينهم ديمقراطيون كثيرون في مجلس الشيوخ، إن ذلك سيعرض عمليات تكرير النفط ووظائف بناء السفن للخطر، كما أن القيام بمزيد من عمليات الحفر سيضر البيئة، ويزيد من عدد القطارات التي تحمل النفط الخام.
وقال البيت الأبيض مرارا إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يعارض وضع قانون في الميزانية برفع الحظر، وإنه يجب على الكونغرس أن يعمل بدلاً من ذلك على مساعدة مصادر الطاقة غير الضارة بالبيئة.
وبعيدا عن ذلك الجدل، تشير الأرقام إلى دلالات هامة.. إذ تؤكد شركة «بيكر هيوز» للخدمات النفطية في تقريرها الأخير، أن شركات الحفر أوقفت 21 منصة عن العمل في الأسبوع الذي انتهى في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لينخفض العدد الإجمالي للمنصات إلى 524 فقط.. وهو الأقل منذ أبريل (نيسان) عام 2010. وبلغ عدد المنصات في الأسبوع المقابل من العام الماضي 1546 منصة عاملة، وأوقفت الشركات عمل 130 منصة منذ نهاية الصيف.
كما خسرت القيمة السوقية لأسهم شركات النفط في مختلف أنحاء العالم أكثر من تريليون دولار، ويواجه ما يقرب من تريليوني دولار من السندات والديون التي سوقتها شركات الطاقة والتعدين منذ عام 2010 موجة من تخفيض التصنيفات الائتمانية، وحالات التخلف عن السداد تتزايد. وكثير من هذه الديون سندات مرتفعة المخاطر أصدرتها شركات صغيرة تعمل في مجال النفط الصخري. كذلك فإن ديونًا حكومية أوروبية قيمتها نحو تريليوني يورو (نحو 2.2 تريليون دولار) يقل عائدها الآن عن الصفر في المائة، بعد أن دفعت نوبات الفزع من انكماش الأسعار البنك المركزي الأوروبي إلى البدء في شراء السندات في وقت سابق من العام الحالي. وزاد من الضغط على أسعار الخام الأميركي، الذي تداول دون 37 دولارًا في آخر جلسة له يوم الجمعة الماضي، تأكيد وكالة الطاقة الدولية أن «أسواق النفط العالمية ستظل تعاني من تخمة المعروض حتى نهاية 2016 على الأقل»، في ظل تباطؤ نمو الطلب وزيادة إنتاج أوبك، مما سيضع أسعار النفط تحت ضغط إضافي.
وقالت الوكالة التي تقدم المشورة إلى الدول المتقدمة بشأن سياسات الطاقة إن تخمة المعروض النفطي العالمي ستتفاقم في غضون الأشهر القادمة بسبب الإمدادات الإضافية من إيران، عند رفع العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وتتوقع وكالة الطاقة تراجع الإمدادات من خارج أوبك بمقدار 600 ألف برميل يوميًا في 2016 دون تغير عن توقعاتها في الشهر الماضي. وفيما يبدو أنها معركة جديدة في أسواق النفط، من المتوقع احتدامها حال تأكيد أنباء رفع حظر تصدير النفط الأميركي، بين الولايات المتحدة، ودول أوبك الثلاث عشرة، والدول غير الأعضاء وأبرزها روسيا، فإن الاحتياطي النقدي والوضع الاقتصادي سيمثلان السلاح الأبرز في تلك المعركة لكل دولة، على أن الظهير الدولي لأطراف المعركة سيدعم وجهة نظرها.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»