سيلفستر ستالون لا ينجح إلا متسلسلاً

عاد ممثلاً مساندًا في فيلم ابتدعه

ستالون ومايكل جوردان في «كريد»
ستالون ومايكل جوردان في «كريد»
TT

سيلفستر ستالون لا ينجح إلا متسلسلاً

ستالون ومايكل جوردان في «كريد»
ستالون ومايكل جوردان في «كريد»

في الفيلم الجديد «كريد»، يستبدل الممثل سيلفستر ستالون بالدور الرئيسي الذي اعتاده في سلسلة «روكي» الدور المساند. هذا متاح له، لأنه لا يستطيع أن يمعن في تمثيل شخصية الملاكم روكي بالباو، ما دام أنه وصل، رياضيًا على الأقل، إلى سن التقاعد.
لذا، وجد طريقة مناسبة لبقائه في هذا الفيلم المنتمي إلى روكي، وهي أن ينتقل من ملاكم إلى مدرّب ملاكم تاركًا لكريد، وهو ابن الملاكم أبوللو (كارل وذرز في نسخة 1976)، التقدّم عليه كما يؤديه الشاب الأسود مايكل ب. جوردان.
من عام 1976 إلى عام 2015 يمتد طريق طويل حفل بالنجاحات والإخفاقات لممثل أدرك باكرًا ما يريد أن يصبح عليه والمصاعب التي تواجهه في سبيل أن يحقق ما يريد. كان لا يزال ممثلاً مجهولاً في الأفلام السابقة لذلك التاريخ الأول. دور صغير في فيلم عاطفي ساخن اسمه «الحفلة لدى كيتي وستد»، وعابر طريق في «عشاق وغرباء آخرون»، ثم شرير عادي في «لا مكان للاختباء»، وبعده مجرد عاطل عن العمل مثير للشغب في مشهد من فيلم وودي ألن «موز». وفات صانعو غالبية هذه الأفلام وبعض الأفلام اللاحقة مثل «كلوت» و«كانونبول» ذكر اسمه. ذكره فيلم جيّد واحد رأيناه فيه يؤدي دور رجل عصابات يغازل فتاة تغار عليها أمها فترديه الأم قتيلاً، وذلك في «وداعا، يا حبي».
كل ذلك مرّ في بال ستالون وهو يكتب مشروعه الأول ويعرضه على المنتجين. كان يصر على أن ينتقل من الهامش البعيد، لا إلى هامش قريب، بل إلى التيار الرئيسي ذاته: كان يريد أن يصبح بطل أفلامه.
* سلم خلاص
«روكي» حقق له هذا وبل عكس مشواره من عام 1970 إلى عام 1976 عندما تم إنتاج الفيلم: رجل نكرة يجيد الملاكمة لكن أحدًا لا يعيره الاهتمام. يمشي بين جدران الحياة بلا هدف، سوى أنه يحب شقيقة صديقه، ويحب أن يحقق البطولة في ميدانه الرياضي. كريد يسخر منه. كريد لا يراه منافسًا… وكريد يخسر. ما تلا ذلك كان نجاحًا مفاجئًا. ربما ستالون الوحيد الذي تنبأ به ولو أن أحدًا لم يصدّقه. ومنه تطلع إلى المستقبل بعينين مختلفتين. الأولى على فيلم بعنوان «قبضة» أخرجه نورمان جويسون، والثاني «زقاق بارادايز» أخرجه هو بنفسه. الفيلمان سقطا أرضًا وكادا أن يعيدا ستالون إلى النقطة التي انطلق منها. بل فعلا ذلك، لأن البطل صاحب الاسم الرنان وجد سريعًا أن عليه إنقاذ نفسه بـ«روكي» آخر، وهذا ما حدث سنة 1979 وبنجاح كبير.
خلاصة القول هنا أن الممثل - المخرج ستالون اكتشف سريعًا أنه محبوب في دور الملاكم الذي يتكلم بلهجة بوسطن الإيطالية، أكثر مما هو محبوب في كل تلك الأفلام الفاصلة بين كل روكي وآخر. على ذلك كان لا بد له من أن يجد مشروعًا آخر يستمد منه آلية استمراره. أخرج ومثل «روكي 3» سنة 1982 بينما كانت هوليوود تحاول إقناع الممثل الراحل جيمس غارنر القيام ببطولة رواية ديفيد موريل المثيرة «دم أول»، لكن غارنر، الذي كان مجنّدًا خلال الحرب العالمية الثانية كان رافضًا لدور رآه يؤذي المؤسسة العسكرية وينتقدها. سلفستر ستالون طُرح كبديل، فكان سلم الخلاص مجددًا لمهنته التي كانت تبدو وقد شارفت على الانتهاء مبكرًا بعد سقوط أفلام أخرى له، من بينها البوليسي «صقور الليل» والكوميدي الغنائي «راينستون».
وفي حين أنجز ستالون مهمّته في «دم أول» بنجاح، تعثرت بعده أفلامه الأخرى مثل «كوبرا» و«على القمة» و«مسجون»، ما اضطره لتحقيق جزء ثان من «دم أول»، انتقل بأحداثه من الشمال الأميركي إلى فيتنام ذاتها. ذلك لأن الفيلم السابق، الذي ترجم الرواية المنشورة بكاملها إلى الشاشة، جرت أحداثها مع ذلك المجنّد رامبو العائد غاضبًا وحزينا ووحيدًا إلى الوطن. جاء يبحث عن رفيق له في بلدة صغيرة تقع عند الحدود الشمالية مع كندا. حين أراد المكوث في البلدة يتصدّى له الشريف (برايان دنهي) على أساس أن البلدة لا تتسع لمتشرد مثله. حين يرفض رامبو الامتثال لقرار إخراجه من البلدة، يتم إلقاء القبض عليه وتعنيفه. يهرب من الاعتقال وفي أثره جهاز البوليس، لكنه يلجأ إلى الجبال وحرب العصابات. النهاية هي الجزء غير الموفق، إذ هو كناية عن خطاب حول كيف ترك السياسيون جنودهم بسبب مواقفهم المتذبذبة حول حرب فيتنام، وكيف ترفض البلاد وجودهم وتصفهم بالخاسرين، علمًا بأن انسحابهم من المعركة في تلك الحرب كان قرارًا سياسيًا.
* المستقبل
بصرف النظر عن سياسة الفيلم، أنجز «دم أول» النجاح الذي بات من الطبيعي له أن يلد جزءًا جديدًا تم استخدام كلمة «رامبو» فيه للمرة الأولى، وبذلك استوى روكي كبطل لمسلسلين ناجحين. لكن هذا لم يمنعه من محاولات شق طريقه بعيدًا عن هذين المسلسلين. الغاية هي إنجاز ضمانات نجاح أخرى، لكن كما كان الفشل نصيب معظم ما مثله خارج «روكي» و«دم أول»، تكرر الفشل ليصيب عددًا من أفلامه الأخرى مثل «أوسكار»، و«قف أو أمي ستطلق النار»، و«رجل الإبادة». في عام 1997 سعى لكي يلعب أمام روبرت دينيرو، بطولة فيلم اعتبره مختلفًا وبداية جديدة هو «كوب لاند». ستالون هنا كان بعيدًا عن العنف في شخصية شبيهة بتلك التي قام بتأديتها مارلون براندو في «المطاردة» في مطلع الستينات حيث يُضرب ويُهان عوض أن يضرب ويهين.
في نهاية المطاف، وجد ستالون نفسه وقد حوصر في هذين المسلسلين على نجاحهما، الذي بدأ يهتز بدوره خصوصًا تلك اللاحقة. هذا ما قاد لفتح جبهة جديدة ثالثة عندما قرر جمع أصحابه كما منافسيه من سينما الثمانينات في بوتقة عمل واحد سمّاه «المستهلكون». في عام 2010 أطلق ما تحوّل سريعًا إلى جزء أول جامعًا فيه أبطال العضلات وأفلام الأكشن مثل جاسون ستاذام وجت لي و(شريكه في «روكي 3») دولف لندغرن وراندي كوتور، ثم لاحقًا في الجزء الثاني أضاف أرنولد شوارتزنيغر وبروس ويليس وتشاك نوريس وفي الرابع وسلي سنايبس.
ينضوي المستقبل الآن على «المستهلَكون 4»، وعلى فيلم من سلسلة رامبو بعنوان «رامبو: دم أخير»، ومع وصوله إلى الدور المساند في «كريد» لا أمل في إعادة الكرّة في جزء ثامن من هذا المسلسل. إنها نهايات يختمها الممثل بعد رحلته الطويلة.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.