في الفيلم الجديد «كريد»، يستبدل الممثل سيلفستر ستالون بالدور الرئيسي الذي اعتاده في سلسلة «روكي» الدور المساند. هذا متاح له، لأنه لا يستطيع أن يمعن في تمثيل شخصية الملاكم روكي بالباو، ما دام أنه وصل، رياضيًا على الأقل، إلى سن التقاعد.
لذا، وجد طريقة مناسبة لبقائه في هذا الفيلم المنتمي إلى روكي، وهي أن ينتقل من ملاكم إلى مدرّب ملاكم تاركًا لكريد، وهو ابن الملاكم أبوللو (كارل وذرز في نسخة 1976)، التقدّم عليه كما يؤديه الشاب الأسود مايكل ب. جوردان.
من عام 1976 إلى عام 2015 يمتد طريق طويل حفل بالنجاحات والإخفاقات لممثل أدرك باكرًا ما يريد أن يصبح عليه والمصاعب التي تواجهه في سبيل أن يحقق ما يريد. كان لا يزال ممثلاً مجهولاً في الأفلام السابقة لذلك التاريخ الأول. دور صغير في فيلم عاطفي ساخن اسمه «الحفلة لدى كيتي وستد»، وعابر طريق في «عشاق وغرباء آخرون»، ثم شرير عادي في «لا مكان للاختباء»، وبعده مجرد عاطل عن العمل مثير للشغب في مشهد من فيلم وودي ألن «موز». وفات صانعو غالبية هذه الأفلام وبعض الأفلام اللاحقة مثل «كلوت» و«كانونبول» ذكر اسمه. ذكره فيلم جيّد واحد رأيناه فيه يؤدي دور رجل عصابات يغازل فتاة تغار عليها أمها فترديه الأم قتيلاً، وذلك في «وداعا، يا حبي».
كل ذلك مرّ في بال ستالون وهو يكتب مشروعه الأول ويعرضه على المنتجين. كان يصر على أن ينتقل من الهامش البعيد، لا إلى هامش قريب، بل إلى التيار الرئيسي ذاته: كان يريد أن يصبح بطل أفلامه.
* سلم خلاص
«روكي» حقق له هذا وبل عكس مشواره من عام 1970 إلى عام 1976 عندما تم إنتاج الفيلم: رجل نكرة يجيد الملاكمة لكن أحدًا لا يعيره الاهتمام. يمشي بين جدران الحياة بلا هدف، سوى أنه يحب شقيقة صديقه، ويحب أن يحقق البطولة في ميدانه الرياضي. كريد يسخر منه. كريد لا يراه منافسًا… وكريد يخسر. ما تلا ذلك كان نجاحًا مفاجئًا. ربما ستالون الوحيد الذي تنبأ به ولو أن أحدًا لم يصدّقه. ومنه تطلع إلى المستقبل بعينين مختلفتين. الأولى على فيلم بعنوان «قبضة» أخرجه نورمان جويسون، والثاني «زقاق بارادايز» أخرجه هو بنفسه. الفيلمان سقطا أرضًا وكادا أن يعيدا ستالون إلى النقطة التي انطلق منها. بل فعلا ذلك، لأن البطل صاحب الاسم الرنان وجد سريعًا أن عليه إنقاذ نفسه بـ«روكي» آخر، وهذا ما حدث سنة 1979 وبنجاح كبير.
خلاصة القول هنا أن الممثل - المخرج ستالون اكتشف سريعًا أنه محبوب في دور الملاكم الذي يتكلم بلهجة بوسطن الإيطالية، أكثر مما هو محبوب في كل تلك الأفلام الفاصلة بين كل روكي وآخر. على ذلك كان لا بد له من أن يجد مشروعًا آخر يستمد منه آلية استمراره. أخرج ومثل «روكي 3» سنة 1982 بينما كانت هوليوود تحاول إقناع الممثل الراحل جيمس غارنر القيام ببطولة رواية ديفيد موريل المثيرة «دم أول»، لكن غارنر، الذي كان مجنّدًا خلال الحرب العالمية الثانية كان رافضًا لدور رآه يؤذي المؤسسة العسكرية وينتقدها. سلفستر ستالون طُرح كبديل، فكان سلم الخلاص مجددًا لمهنته التي كانت تبدو وقد شارفت على الانتهاء مبكرًا بعد سقوط أفلام أخرى له، من بينها البوليسي «صقور الليل» والكوميدي الغنائي «راينستون».
وفي حين أنجز ستالون مهمّته في «دم أول» بنجاح، تعثرت بعده أفلامه الأخرى مثل «كوبرا» و«على القمة» و«مسجون»، ما اضطره لتحقيق جزء ثان من «دم أول»، انتقل بأحداثه من الشمال الأميركي إلى فيتنام ذاتها. ذلك لأن الفيلم السابق، الذي ترجم الرواية المنشورة بكاملها إلى الشاشة، جرت أحداثها مع ذلك المجنّد رامبو العائد غاضبًا وحزينا ووحيدًا إلى الوطن. جاء يبحث عن رفيق له في بلدة صغيرة تقع عند الحدود الشمالية مع كندا. حين أراد المكوث في البلدة يتصدّى له الشريف (برايان دنهي) على أساس أن البلدة لا تتسع لمتشرد مثله. حين يرفض رامبو الامتثال لقرار إخراجه من البلدة، يتم إلقاء القبض عليه وتعنيفه. يهرب من الاعتقال وفي أثره جهاز البوليس، لكنه يلجأ إلى الجبال وحرب العصابات. النهاية هي الجزء غير الموفق، إذ هو كناية عن خطاب حول كيف ترك السياسيون جنودهم بسبب مواقفهم المتذبذبة حول حرب فيتنام، وكيف ترفض البلاد وجودهم وتصفهم بالخاسرين، علمًا بأن انسحابهم من المعركة في تلك الحرب كان قرارًا سياسيًا.
* المستقبل
بصرف النظر عن سياسة الفيلم، أنجز «دم أول» النجاح الذي بات من الطبيعي له أن يلد جزءًا جديدًا تم استخدام كلمة «رامبو» فيه للمرة الأولى، وبذلك استوى روكي كبطل لمسلسلين ناجحين. لكن هذا لم يمنعه من محاولات شق طريقه بعيدًا عن هذين المسلسلين. الغاية هي إنجاز ضمانات نجاح أخرى، لكن كما كان الفشل نصيب معظم ما مثله خارج «روكي» و«دم أول»، تكرر الفشل ليصيب عددًا من أفلامه الأخرى مثل «أوسكار»، و«قف أو أمي ستطلق النار»، و«رجل الإبادة». في عام 1997 سعى لكي يلعب أمام روبرت دينيرو، بطولة فيلم اعتبره مختلفًا وبداية جديدة هو «كوب لاند». ستالون هنا كان بعيدًا عن العنف في شخصية شبيهة بتلك التي قام بتأديتها مارلون براندو في «المطاردة» في مطلع الستينات حيث يُضرب ويُهان عوض أن يضرب ويهين.
في نهاية المطاف، وجد ستالون نفسه وقد حوصر في هذين المسلسلين على نجاحهما، الذي بدأ يهتز بدوره خصوصًا تلك اللاحقة. هذا ما قاد لفتح جبهة جديدة ثالثة عندما قرر جمع أصحابه كما منافسيه من سينما الثمانينات في بوتقة عمل واحد سمّاه «المستهلكون». في عام 2010 أطلق ما تحوّل سريعًا إلى جزء أول جامعًا فيه أبطال العضلات وأفلام الأكشن مثل جاسون ستاذام وجت لي و(شريكه في «روكي 3») دولف لندغرن وراندي كوتور، ثم لاحقًا في الجزء الثاني أضاف أرنولد شوارتزنيغر وبروس ويليس وتشاك نوريس وفي الرابع وسلي سنايبس.
ينضوي المستقبل الآن على «المستهلَكون 4»، وعلى فيلم من سلسلة رامبو بعنوان «رامبو: دم أخير»، ومع وصوله إلى الدور المساند في «كريد» لا أمل في إعادة الكرّة في جزء ثامن من هذا المسلسل. إنها نهايات يختمها الممثل بعد رحلته الطويلة.
سيلفستر ستالون لا ينجح إلا متسلسلاً
عاد ممثلاً مساندًا في فيلم ابتدعه
سيلفستر ستالون لا ينجح إلا متسلسلاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة