مع أول قطرة دم أراقها إرهابي تجاه الأبرياء ولد السؤال: متى تحين ساعة القصاص، لا سيما، أن جزءًا من استراتيجية الحرب على الإرهاب تقنين العقوبات ضده والمسارعة بمحاكمة الإرهابيين ردعًا لهم، ومراعاة نفسيات الأهالي والضحايا، إضافة إلى كونه من حزمة طويلة ومتنوعة من أساليب الحرب على الإرهاب التي تستخدم «العصا والجزرة»؟
لقد نُعتت الاستراتيجية السعودية بالفرادة من قبل مؤسسات إعادة تأهيل الإرهابيين عبر العالم، وذلك لأنها تقدم جانب الجزرة دائمًا في مواقفها، وخصوصا، فيما يخص الأفراد الذين لم يتورطوا بالدم مباشرة أو كانوا جزءًا من قناعات عنفية وتكفيرية بسبب التغرير بهم. وكذلك لإعطائهم الفرصة تلو الأخرى بأمل صلاحهم عبر برامج إعادة التأهيل التي حققت فيها السعودية مراتب متقدمة جدًا لاقت إعجاب الكثير من المراقبين لملف الإرهاب في العالم.
لا تعد مسألة تقنين محاربة الإرهاب أو محاكمة المتورطين في أحداث العنف جديدة. فتطبيق نظام مكافحة الإرهاب وتمويله في نسخته الجديدة بدأ العمل به 2013، بعد إقراره الذي يضم 40 مادة قانونية. ويستند النظام إلى تعريف دقيق وقانوني للجريمة الإرهابية قطعًا للطريق على المزايدين في موضوع نوعية العقوبات، فالجريمة الإرهابية وفقًا للقرار «كل فعل يقوم به الجاني، تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي في شكل مباشر أو غير مباشر، يقصد به الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، إلى آخره ..».
وينص النظام على أن أحكامه سارية على كل شخص، سعوديًا كان أم مقيمًا، ارتكب خارج السعودية جريمة من الجرائم المنصوص عليها، ومنها «التحريض على تغيير نظام الحكم في السعودية، وتعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، وحمل الدولة على القيام بعمل أو الامتناع عنه، والاعتداء على السعوديين في الخارج».
وعلى مستوى المتابعة والتنفيذ، فقد فوض النظام وزير الداخلية مسألة إصدار الأمر بالقبض على من يشتبه في ارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، أو تفويض من يراه وفق ضوابط يحددها. وشدد النظام على أنه «لا يجوز الإفراج المؤقت عن أي متهم إلا بأمر من وزير الداخلية أو من يفوضه، وأن لوزير الداخلية - أو من يفوضه - الأمر بمراقبة الرسائل والخطابات والمطبوعات والطرود وسائر وسائل الاتصال والمحادثات».
ولم ينس النظام ضرورة العناية بالموقوفين على ذمة ملفات إرهابية، حيث دعا وزارة الداخلية إلى إنشاء دور تسمى «دور الإصلاح والتأهيل» تكون مهماتها الاعتناء بالموقوفين والمحكوم عليهم في أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، وتسهيل اندماجهم في المجتمع، وتعميق انتمائهم الوطني.
ولا يقف نظام جرائم الإرهاب عند حدود العمل المسلح أو التكفير والإقصاء أو الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة أو حتى السفر إلى مناطق التوتر والقتال. بل يتعدى ذلك إلى مسألة في غاية الأهمية بحسب مراقبين، وهو تجريم تمويل الإرهاب ولو بالمال، إذ ينص القرار على تجريم تمويل الإرهاب ويشمل «كل فعل يتضمن جمع أموال، أو تقديمها، أو أخذها، أو تخصيصها، أو نقلها، أو تحويلها - أو عائداتها - كليًا أو جزئيًا لأي نشاط إرهابي فردي أو جماعي، منظم أو غير منظم، في الداخل أو في الخارج، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر من مصدر مشروع أو غير مشروع. أو القيام لمصلحة هذا النشاط أو عناصره بأي عملية بنكية أو مصرفية أو مالية أو تجارية، أو الحصول مباشرة أو بالوساطة على أموال لاستغلالها لمصلحته، أو للدعوة والترويج لمبادئه، أو تدبير أماكن للتدريب، أو إيواء عناصره، أو تزويدهم بأي نوع من الأسلحة أو المستندات المزورة، أو تقديم أي وسيلة مساعدة أخرى من وسائل الدعم والتمويل مع العلم بذلك؛ وكل فعل يشكل جريمة في نطاق إحدى الاتفاقيات الواردة في مرفق الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب».
وأبرز ما جاء في نص القرار أبرز مظاهر التلبس بالفعل الإرهابي أو التطرف الفكري بما يشمل ذلك «المطالبة بتغيير نظام الحكم في السعودية، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، أو محاولة حمل الدولة على القيام بعمل أو الامتناع عنه، أو الاعتداء على السعوديين في الخارج، أو الإضرار بالأملاك العامة للدولة في الخارج، بما في ذلك السفارات أو غيرها من الأماكن الدبلوماسية أو القنصلية التابعة لها. كما يتضمن القيام بأي عمل إرهابي على متن وسيلة مواصلات مسجلة لدى السعودية أو تحمل علمها، ويتبع ذلك كل عمل يمس مصالح السعودية، أو اقتصادها، أو أمنها الوطني أو الاجتماعي».
ولا ببريء نظام مكافحة الإرهاب نفسه من الخطأ بل يتعامل بكل شفافية قانونية. إذ وضع مواد مفصّلة يمكن العودة إليها في النسخة الأصلية من مواد النظام الذي نشر في جريدة «أم القرى»، لكن النقطة اللافتة في هذا السياق هو إمكانية التظلم أو رفع الشكوى من قبل من أصابهم الضرر في خطوة تؤكد حرص الدولة على عدالة النظام والتأكيد أنها ليست مسألة قمع أو بوليسية دولة كما يحاول المغرضون تصوير ذلك، وينص النظام المادة 25 على أنه «يحق لمن أصابه ضرر من المتّهمين أو المحكوم عليهم في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام - نتيجة إطالة مدة توقيفه، أو سجنه أكثر من المدة المقرّرة، أو نحو ذلك - أن يتقدم إلى وزير الداخلية أو نائبه بطلب التعويض قبل التقدم إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، وتنظر في الطلب لجنة تسوية تشكّل لهذا الغرض بقرار من الوزير لا يقل أعضاؤها عن ثلاثة يكون من بينهم مستشار شرعي ومستشار نظامي، وتصدر قرارات اللجنة بالأغلبية خلال مدة لا تتجاوز 60 يومًا من تاريخ تقديم الطلب».
ولكن مع كل هذه التحرّزات لكي تتحقق العدالة في الحرب الشاملة على الإرهاب، تظل هناك أصوات نشاز تمارس دورها المكشوف والمتكرر عبر تشويه أي نظام أو تطور يطرأ على ملف الإرهاب. ومعظم هؤلاء من المستفيدين من حالة التوتر سواء في الخارج أو التشغيب المجتمعي في الداخل لأسباب سياسية، من دون أن يدرك هؤلاء خطورة الدور الذي يقومون به. إن الإرهاب اليوم يسعى للبقاء والتمدد عبر إعادة بعث مشروع «الدولة» بعدما كان أكبر مطامحه الضغط على الأنظمة العربية عبر استهداف مصالح الولايات المتحدة والغرب. لكن أسلوب إدارة الحرب على الإرهاب، مع الوقت، وعبر طيلة هذه السنوات، استطاع التأثير على مسار العمليات الإرهابية ليصبح أقل فأقل، بينما يزداد تجذره في الداخل الإسلامي والعربي ليصبح جزءا من النسيج الاجتماعي.
السعودية تجدّد حربها على الإرهاب في كل نقطة تحول زمنية يتعاظم فيها هذا السرطان الخبيث، وبكل الوسائل بدءًا بالنصح والإرشاد وإنشاء مراكز التأهيل، ومرورًا بمنع كل وسائل التمويل واستقطاب الكوادر، وصولاً إلى تشريع القوانين لمكافحة الإرهاب وتطبيقها دون تمييز أو مراعاة فالكل في نظر القانون واحد.
عقوبات الإرهاب دون تمييز.. والشفافية تبدّد الشائعات
السعودية تستمر في حربها ضد الفئات الضالة بدءًا بالنصح ومنع التمويل وصولاً إلى تشريع القوانين
عقوبات الإرهاب دون تمييز.. والشفافية تبدّد الشائعات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة