آليات مختلفة تحكم سوق العقارات في العراق منذ 2003

المذاهب الدينية والأوضاع الأمنية أكبر محركيها.. والحكومة عاجزة عن حل أزمة السكن

منزل معروض للبيع في العاصمة العراقية بغداد
منزل معروض للبيع في العاصمة العراقية بغداد
TT

آليات مختلفة تحكم سوق العقارات في العراق منذ 2003

منزل معروض للبيع في العاصمة العراقية بغداد
منزل معروض للبيع في العاصمة العراقية بغداد

كغيرها من مجالات الحياة اليومية في العراق، التي تأثرت باضطراب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية، شهدت سوق العقارات في عموم البلاد تحولا لافتا خلال السنوات العشر الماضية، الأمر الذي فك ارتباطها بقوانين الاقتصاد المعروفة من حيث العرض والطلب وجودة البناء والموقع الجغرافي، إلى معادلات أخرى قد تبدو غريبة، مثل طبيعة المذهب لسكاني المدينة ومستوى الأمان المتحقق فيها وشوارعها المفتوحة وغير ذلك، وترافق معها تنامي ظاهرة الارتفاع المتزايد لأسعار العقارات خصوصا الصغيرة منها، مقابل ركود في حركة البيع والشراء، وانتعاش في تأجير العقارات لفترات زمنية محدودة.
وتعرضت سوق العقارات في العراق لهزات قوية قلبت موازينها بعد موجة النازحين، واضطرار العوائل العراقية إلى إيجاد مأوى مناسب لها على وجه السرعة هربا من تهديدات تنظيم داعش الإرهابي في العديد من المناطق الساخنة والمحتلة، وعدم وجود مشاريع سكنية حكومية كبيرة. وعلى الرغم من تدخلات الدولة لحل أزمة السكن بسلسلة معالجات، منها منح القروض العقارية، والاتفاق مع شركات عالمية على بناء مجمعات سكنية مثل مشروع «بسماية» الشهير وهو قيد التنفيذ، فإن ذلك لم يحل مشكلة السكن أو حتى يخفف منها.
وتقول أم أمير (47 عاما)، وهي أم لخمسة أبناء: «اضطررت للهرب من محافظة ديالى بسبب العمليات المسلحة التي تجري فيها، وتعرضنا للقصف والتهديد أكثر من مرة. وزرت بغداد لأجل اختيار سكن ملائم، لكني ذهلت بالارتفاع الكبير لبدلات الإيجار مقابل إقبال متزايد على تأجير البيوت من عوائل تعيش ظروفا متشابهة.. الأمر الذي اضطررنا معه إلى السكن بصورة مؤقتة مع أهل زوجي على الرغم من ضيق دارهم حتى تنفرج الأزمة ونعود لديارنا».
أما نعيم ساجت، وهو معلم نازح من مدينة الموصل بعد احتلالها من قبل «داعش»، فقال: «هربت مع عائلتي وتركت بيتي وأغراضي، وبحثت كثيرا عن سكن مناسب، وهالني ارتفاع بدلات إيجار الدور الصغيرة منها. وبعد بحث طويل عثرت على مشتمل صغير مساحته نحو 125 مترا مربعا بسعر 500 دولار، وهو مبلغ كبير كوني أتقاضى راتبا قدره 650 ألف دينار فقط، أي ما يعادل 500 دولار.. وأعتمد على راتب زوجتي لتمشية أمور معيشتي».
وبسبب أزمة السكن في العراق وارتفاع بدلات الإيجار، انتشرت ظاهرة تقسيم البيوت الكبيرة إلى مشتملات صغيرة للسكن وعرضها للإيجار، أو لغرض تزويج الأبناء فيها، مع الاستغناء عن الحدائق الأمامية والجانبية لمعظم البيوت. وتتراوح مبالغ الإيجارات لمتوسط بيت مساحته مثلا 100 متر مربع في منطقة تقع وسط العاصمة العراقية بغداد ما بين 600 إلى 1000 مليون دينار (نحو 750 إلى 1300 دولار أميركي)، أما سعر بيع مثل ذلك المنزل فيبلغ نحو 350 ألف دولار، وهو مبلغ مساوٍ لسبع شقق حديثة البناء في بيروت أو عمان.
وقد ساعد توقف المشاريع الإسكانية في زمن النظام السابق في بداية ثمانينات القرن الماضي على تراكم المشكلة وتوسع حجمها بالشكل الذي لم تنفع معه بعض المشاريع الخجولة التي أنجزت بعد عام 2003. وقد حددت وزارة الإعمار والإسكان العراقية، وفق إحصائية خاصة بها، حاجة العراق إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية، مقابل عدم قدرتها على حل المشكلة بسبب عدم كفاية الأموال المخصصة لذلك، وعدم وجود أراض تابعة إلى الوزارة. ولذلك اتجهت إلى إنشاء مجمعات سكنية بطريقة الاستثمار المباشر، إضافة إلى تقديمها قروض الإسكان والبالغة 35 مليون دينار إلى المواطنين الذين يمتلكون قطعة أرض يرغبون في بنائها.
الجدير بالذكر أن أغلب المحافظات العراقية تشهد إنشاء مجمعات سكنية أسهمت نوعا ما في تخفيف أزمة السكن، يقف على رأسها مشروع «بسماية» السكني الذي ستشهد بغداد إنجاز المرحلة الأولى منه خلال السنتين المقبلتين، ويعد المشروع العلامة الأكثر تميزا في مشاريع الإسكان. وهناك توجهات للمباشرة في بناء مجمعين سكنيين في محافظتي البصرة والموصل، بواقع 100 ألف وحدة سكنية لكل مجمع، ومن المؤمل المباشرة بالتنفيذ بحلول نهاية العام الحالي.
ويعتبر مشروع مدينة «بسماية» الجديدة أول وأكبر مشروع تنموي في تاريخ العراق، تنفذه الهيئة الوطنية للاستثمار. ومدة العمل في المشروع تستمر على مدار 7 سنوات، منها سنتان لأعمال التصميم والتطوير وخمس سنوات للتنفيذ. ويقع المشروع إلى الجنوب الشرقي من العاصمة العراقية، حيث يبعد نحو 10 كيلومترات من حدود مدينة بغداد على الطريق الدولي الرابط بين بغداد وكوت، وذلك على مساحة 1.830 هكتار، ومن المتوقع أن تستوعب المدينة نحو 600 ألف شخص، وإجمالي عدد الوحدات السكنية هو 100 ألف وحدة.
ومدينة بسماية مفصلة بثلاث مساحات، الأولى 100 متر مربع، وسيكون سعرها 60 ألف دولار، ومساحة الثانية 120 مترا مربعا بسعر 72 ألف دولار، والثالثة بمساحة 140 مترا مربعا بسعر 102 ألف دولار. وتكون طريقة الدفع بتقسيط المبلغ على مدار 15 سنة، على أن يسدد المستفيد 25 في المائة من قيمة الوحدة السكنية عند التعاقد مع الهيئة.
ويشير موقع المشروع الإلكتروني على شبكة الإنترنت إلى أن هناك مخططات لإنشاء شبكة من البنى التحتية من كهرباء وماء وشوارع رئيسية، إضافة إلى المرافق العامة التي ستقوم حكومة العراق بتطويرها، ومنها المرافق التعليمية والدينية والترفيهية والتجارية، وأيضا محطات معالجة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي. موضحا أن المدينة ستكون من أكثر المدن تميزا في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، وأول مشروع من مشاريع برنامج الإسكان الوطني.
وبسبب مشكلة تزايد الطلب على العقارات السكنية وقلة المعروض منها، انعكس ذلك بشكل واضح في زيادة الطلب على شراء الأراضي الزراعية والسكن في التجاوزات غير المخصصة للسكن أصلا، إلى جانب شيوع ظاهرة العشوائيات، حيث وصلت إلى 229 مجمعا في بغداد، وأغلبها بنيت على مواقع مخصصة لاستخدامات تتعلق بالبنى التحتية.
مختصون في محافظة بغداد أكدوا أن ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء يتطلب بناء وحدات سكنية ذات تصاميم معمارية حديثة، ومن ثم تقسيطها للمواطنين، بدلا من القروض العقارية التي عادة ما تكون أقساطها مرتفعة على الموظف البسيط. كما أن غياب أي مشروع وطني لحل أزمة السكن أسهم في ارتفاع أسعار العقارات في بغداد، فضلا عن عدم توافر الأراضي السكنية من أجل استثمارها في المشاريع السكنية، فأغلب الأراضي هي ضمن سلطة الدولة وأمانة بغداد، ومعظم الأراضي الموجودة مصنفة زراعيا، ولا تستطيع أغلب الوزارات استغلالها بسبب رفض أمانة بغداد لذلك. إضافة إلى أن القطاع الخاص لم يكن له أي دور واضح في امتلاك الأراضي واستثمارها خلال السنوات الأخيرة.
وطالب المختصون بأهمية أن تصدر الدولة عددا من القوانين التي تسهم في تنظيم عملية إسكان المواطنين، وبآليات يكون المواطن من خلالها قادرا على الإيفاء بالتزاماته المالية للجهة التي توفر له مكانا ملائما للسكن.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».