في الوقت الذي تسارع فيه خطى اقتصادات العالم الكبرى لمواجهة التحديات، وسط تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، يعاني الاقتصاد اليوناني من أزمة استمرت أكثر من خمس سنوات، تهدد من جديد استقرار منطقة اليورو وتطرح فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية، إلا أن أوروبا آثرت تقديم المساعدة في مقابل تنفيذ اليونان لخطة إصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشفية تهدف إلى خفض عجز الموازنة العامة.
في الوقت نفسه، ارتفع عدد المهاجرين من مناطق النزاعات إلى الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي؛ حيث عبر معظمهم البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرقي أوروبا، قادمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا والبلقان.
وافقت الحكومية اليونانية، أمس، على قبول مزيد من المساعدات من الاتحاد الأوروبي للسيطرة على تدفق المهاجرين بمساعدة وكالة الاتحاد الأوروبي لحماية الحدود، بعد اجتماع لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، بينما واجهت الحكومة اليونانية تحذيرات سابقة بتعليق انضمامها لمنطقة شينغن أول ديسمبر (كانون الأول) الحالي، نظرًا لقصور مراقبة الحدود.
واستمرت البيانات الاقتصادية اليونانية في مفاجأة المحللين، فعلى الرغم من حالة عدم اليقين، سجل الاقتصاد اليوناني انكماشا سنويا متواضعا بنسبة 0.1 في المائة في الربع الثالث من العام الحالي، وفقا لتقديرات أولية في تقرير يوروستات الصادر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبينما تأتي النتيجة أفضل من توقعات المحللين، إلا أنها لا تزال أسوأ نتائج منذ الربع الرابع 2013، عندما حقق الاقتصاد انكماشا قدره 2.6 في المائة.
في الوقت نفسه، أعلنت الحكومة اليونانية في نوفمبر الماضي تضييق إطار الإصلاحات الاقتصادية، تمهيدًا لاستقبال 12 مليار يورو لدعم أكبر أربع بنوك، التي تبين خلال اختبارات التحمل من قبل المركزي الأوروبي، أن لديهم نقصا في رؤوس الأموال بما يقرب من 14.4 مليار يورو، في حين تم تخصيص 2 مليار يورو لنفقات الحكومة.
وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9 في المائة في الربع الثالث مقارنة بانخفاض قدره 0.5 في المائة في الربع الثاني، بينما أظهر الإنفاق الاستهلاكي مرونة نسبية منخفضًا بنسبة 1 في المائة فقط، في حين ساعد تراجع الواردات بنسبة 16.9 في المائة في تخفيف تأثير الركود، الذي لم يستمر لفترة طويلة طوال العام.
في الوقت ذاته تتوقع الحكومة اليونانية انكماشا قدره 0.7 في المائة العام المقبل، بينما تتوقع المفوضية الأوروبية ومنظمة التعاون والتنمية انكماشا قدره 1.4 في المائة، في حين يرى بنك الإنشاء والتعمير الأوروبي انكماشا قدره 1.5 في المائة.
وعلى الرغم من تقديم الحكومة لميزانية أكثر تفاؤلا للعام المقبل، يرى محللون أن هناك تدابير وإصلاحات اقتصادية متداخلة سياسيا، بما في ذلك زيادة الضرائب على المزارعين التي لا تزال بحاجة إلى موافقة البرلمان، غير أن نزاع أعضاء الائتلاف الحاكم ومحاولات الحد من شعبيته رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس تؤثر بشكل كبير على سير الإصلاحات الاقتصادية.
يقول جون روبرت المحلل الاقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، إن متاعب اليونان الاقتصادية تهدد الاستقرار ليس في منطقة اليورو وحدها، ولكن الاقتصاد العالمي بأسره.. مضيفا أن اليونان لا تزال عرضة لكارثة اقتصادية جديدة، نتيجة وجودها في مواجهة سيل الفارين من مناطق الحرب المجاورة كسوريا والعراق ومناطق أخرى.
ففي الوقت الذي تعتمد فيه اليونان على الدعم المادي من دول الاتحاد الأوروبي، تواجه اليونان خطر وصول ما يقرب من 767 ألف لاجئ عابر إلى مناطق أخرى في أوروبا في 2015 وفقا لتقرير المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر منذ أيام قليلة، في الوقت نفسه استقبلت القارة ما يقرب من 900 ألف لاجئ خلال العام الحالي وصلوا عبر البحر.
ويتوقع مراقبون تصاعد القلق والمخاوف من الوضع الاقتصادي في اليونان خاصة بعد اجتماع رئيس الوزراء اليوناني وقادة البرلمان الأوروبي الشهر الماضي، واستفتاء يونيو (حزيران) الماضي الخاص بمزيد من إجراءات التقشف، وأوضاع اللاجئين، وفشل اليونان في بناء توافق سياسي، وهي أسباب كافية لحدوث كارثة اقتصادية.
وبحسب باناجيوتيس باركومنيوس رئيس الوزراء اليوناني السابق الذي قاد الحكومة المؤقتة في 2012، فإن اليونان لم تخرج من منطقة الخطر وتشكل الأشهر القليلة المقبلة تحديا كبيرا للحكومة اليونانية.
وقال جون روبرت لـ«الشرق الأوسط»، عبر البريد الإلكتروني، في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة اليونانية بخفض ميزانيتها وتتوسع في سياسات التقشف، فإن معدل البطالة يبلغ 25 في المائة، وتعاني الدولة لتوفير احتياجات المهاجرين.
وفي تصريح سابق لوزير الهجرة اليوناني يوانيس موزاليس الأسبوع الماضي، قال إن اليونان قد أنفقت ما يقرب من 1.6 مليار دولار من ميزانيتها لإنقاذ اللاجئين وتوفير الإقامة والطعام والرعاية الصحية، موضحا أن الحكومة تنفق من أموال الاتحاد الأوروبي المخصصة للبلاد.
وفي الوقت ذاته، حذر وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله من خطورة الوضع الاقتصادي في اليونان وتداعياته على منطقة اليورو، ويرى الوزير الألماني ضرورة تعليق عضوية اليونان بالاتحاد، على الرغم من التزام الحكومة اليونانية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
من ناحية أخرى، فإن صندوق النقد الدولي لم يتقدم حتى الآن ببيان رسمي وملزم عن مشاركته في برنامج المساعدة اليوناني، بينما وصف محللون أن مشاركة الصندوق تتسم بالأهمية الحاسمة للحكومة الألمانية. وفي الآونة الأخيرة، وافق المقرضون اليونانيون على صرف ملياري يورو، والإفراج التدريجي عن عشرة مليارات يورو أخرى لإعادة رسملة البنوك اليونانية، وفقا لخطة الإصلاحات المتفق عليها، على الرغم من الجدل المثار بين الحكومة والمقرضين حول صناديق الخصخصة وإصلاح نظام التقاعد.
هذا في الوقت الذي أعلن فيه وزير الاقتصاد اليوناني، يوم الثلاثاء الماضي، في مؤتمر لرجال الأعمال بغرفة التجارة الأميركية - اليونانية، الانتهاء من المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي بنهاية ديسمبر الحالي، وتشمل المرحلة تعديل هيكل المعاشات التقاعدية، وضريبة الدخل.
بينما وعد مقرضو منطقة اليورو بأن هناك محدثات ستبدأ مع أثينا من أجل تخفيف أعباء الديون، فور الإعلان عن التقييم المبدئي للمرحلة الأولى من الإصلاح الاقتصادي بنهاية الشهر الحالي. ووعد البنك المركزي الأوروبي في تصريح سابق أن يشمل اليونان في برنامج شراء السندات الحكومية.
تباين في توقعات أداء الاقتصاد اليوناني يفاجئ المحللين
ارتفاع أعداد اللاجئين زاد الضغط على الموازنة العامة
تباين في توقعات أداء الاقتصاد اليوناني يفاجئ المحللين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة