مع ازدياد الوعي الطبي لدى أفراد الجمهور نتيجة لتوافر المعلومات الطبية في وسائل الاتصال المختلفة، بدأ الجدل حول استخدام المضادات الحيوية antibiotics بكثرة خاصة في مجال طب الأطفال، حيث يعتبر العلاج الرئيسي في 50 في المائة على الأقل من الأمراض التي يعاني منها الطفل. وفي الحقيقة أن هذا الجدل له ما يبرره من الناحية الطبية نظرا للأعراض الجانبية للعقار، وكذلك لتعوّد الجراثيم على تركيبات مختلفة من المضادات الحيوية، وبالتالي ينشأ نوع من أنواع المقاومة resistance لعمل تلك الأدوية وتقل فاعليتها.
وهناك فريقان من العلماء لديهم آراء مختلفة حول أولوية استخدام المضادات الحيوية. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن المضادات الحيوية قد تفقد تأثيرها تماما في غضون 30 عاما على الأكثر نتيجة للاستخدام المفرط لتلك الأدوية. ولكن على الجانب الآخر هناك حقيقة علمية أن هناك أمراضا معينة تستدعي العلاج المكثف بالمضادات الحيوية ولا يمكن تأخير تناولها.
استخدام مبكر
في أحدث دراسة طبية تناولت تأثير الاستخدام المبكر للمضادات الحيوية ونشرت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة «الرابطة الطبية الأميركية»Journal of the American Medical Association أوصت باستخدام المضاد الحيوي كخط دفاع أول في علاج نزلات البرد في بعض الأطفال الذين يعانون من الحساسية الصدرية، ويصابون بأعراض الصفير بعد تعرضهم لنزلات البرد وهذه النسبة تبلغ من 14 إلى 26 في المائة.
وتعتبر هذه الدراسة تغيرا في التوصيات الطبية التي دائما ما كانت تتعامل مع علاج نزلات البرد في الأغلب على أن يكون مجرد علاج للأعراض المختلفة مثل احتقان الحلق والعطس أو السعال ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تمتد الإصابة للشعب الهوائية وقد تتطور الأمر إلى الالتهاب الرئوي، وبالتالي لم يكن هناك داع طبي كاف للبدء في استخدام المضاد الحيوي إلا الأطفال الذين يعانون من حساسية مزمنة بالصدر، خاصة وأن في كثير من نزلات البرد تكون الإصابة الفيروسية هي المسبب، وبالتالي لا يلعب المضاد الحيوي الذي يقاوم عمل البكتيريا فقط دورا كبيرا.
الدراسة التي قام بها علماء من كلية الطب من جامعة واشنطن بالولايات المتحدة قامت بتجربة استخدام نوع معين من المضادات الحيوية وهو أزيسروميسين azithromycin والذي يستخدم عادة في علاج احتقان الحلق أو التهاب اللوزتين في مقابل عقار وهمي (شكل الدواء ولكن لا يوجد به مادة فعالة placebo) في علاج 607 أطفال في 9 مراكز علاجية منتشرة بأنحاء الولايات المتحدة كلها. وتراوحت أعمار الأطفال بين سنة و6 أعوام وكان لديهم جميعا تاريخ مرضي بالتعرض للالتهابات في الجهاز التنفسي في السابق، ولكن بخلاف ذلك كانوا أصحاء ولا يعانون من مشكلات صحية تذكر. وتم إعطاء الآباء مضادات حيوية مع توصيات بضرورة استخدام المضاد الحيوية عند بداية ظهور أي أعراض من نزلات البرد مهما كان هذا العرض ولمدة 5 أيام متواصلة. وكانت هناك أيضا مجموعة أخرى من الأطفال استخدمت العقار الوهمي أيضا عند بداية الأعراض، وكان هناك بالطبع أطباء متابعون مع الآباء لمعرفة بداية الأعراض وطريقة استخدام المضاد الحيوي.
نجاح ملحوظ
وكانت النتيجة أن هناك 443 طفلا أصيبوا بنزلات البرد منهم 223 من الذين استخدموا المضاد الحيوي مقابل 220 من الذين استخدموا العقار الوهمي. ولكن كثيرا من الحالات بين الذين استخدموا العقار الوهمي، تطورت إلى الأسوأ، وأصيب الأطفال بالتهاب الشعب الهوائية بعكس الأطفال الذين تناولوا المضاد الحيوي الذين اختبروا بنزلة برد أخف وطأة من المعتادة.
وعلى الرغم من أن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى نشوء مقاومة لعائلة عقار azithromycin إلا أن الباحثين أوضحوا أن استخدامه يمكن أن يفيد الطفل في اكتساب نوع من أنواع الوقاية تتفوق على خطورة احتمالية المقاومة، خاصة أن الباحثين أوضحوا أن المقاومة لعمل العقار قد تكون ناتجة من عدم استكمال الجرعة اللازمة للعلاج، وأشاروا إلى أن فوائد استعمال المضاد الحيوي في الأطفال الذين يعانون من الربو الشعبي في بداية نزلة البرد تتفوق على استعمال الكورتيزون حتى ولو كان عن طريق الاستنشاق. وأيضا أوضح الباحثون أن خطورة استعمال مضاد حيوي بشكل مبكر في نزلات البرد تتفوق أيضا، أي أنها أفضل، من حالة انقطاع الطفل عن الدراسة جراء إصابته بالأزمة الصدرية، فضلا عن الألم العضوي والنفسي للطفل وأبويه.
وعلى الطرف الآخر من الجدل الطبي، هناك فريق آخر من العلماء ما زال يحذر من استخدام المضادات الحيوية في نزلات البرد؛ إذ إن سبب الإصابة هو في الأغلب فيروسي ويجب أن يبتعد الطفل عن استخدام المضاد الحيوي حتى وإن كان لديه تاريخ مرضي من الحساسية طالما كانت هناك فترات من عدم التعرض لأزمات تحت العلاج المنتظم، ويجب ألا يتعدى العلاج بعض الاحتياطات المعينة مثل شرب الماء الكافي وتناول السوائل الدافئة، وتناول خافض للحرارة فقط في حالة الارتفاع الطفيف للحرارة. وهناك أيضا فريق من العلماء يرى أن استخدام المضادات الحيوية بإفراط في الأطفال الذين يعانون من حساسية الصدر من الممكن أن يزيد من فرص حدوث الأزمة، وبطبيعة الحال الجدل حول بداية استخدام المضادات الحيوية والفترة الكافية لتناولها سوف يظل محتدما لفترة ليست قصيرة.
* استشاري طب الأطفال