أثارت الأخبار الواردة من الصين حول استنساخ الحيوانات، ومنها الماشية، لأغراض تجارية مجددًا، قلق البعض من جوانب تتعلق بمدى سلامة تناول لحومها على صحة الإنسان. وكانت تقارير صحافية قد أكدت عزم الصين على استنساخ مليون بقرة لأغراض الغذاء، وهو الأمر الذي من أجله تعكف الصين حاليًا على بناء أكبر مركز استنساخ حيوانات في العالم لأغراض تجارية، وإضافة إلى استنساخ البقر، سيتم إنتاج كلاب وأحصنة، وهو مشروع غير وارد على الإطلاق في أوروبا، في الوقت الحاضر على الأقل. وقد علقت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية على النبأ بأن الأمن الغذائي يشكل أحد أهم هواجس الصين، وهي مستعدة لفعل أي شيء لمواجهته، بما في ذلك بناء مصنع إنتاج حيوانات في أكبر موقع في العالم للاستنساخ الحيواني التجاري في مدينة تيانجين الساحلية شمال الصين.
مشروع صيني
الهدف من العملية الصينية إنتاج 100 ألف من أجنة البقر سنويًا في مرحلة أولى، للوصول إلى مليون حيوان لاحقًا. وحسب ما أفاد به شو شياوشون، رئيس شركة التكنولوجيا الحيوية الصينية «بويالايف» المعنية بالمشروع، فإن الإنتاج سيبدأ خلال النصف الأول من عام 2016، وبرر شو المشروع بالقول إن المزارعين الصينيين يواجهون صعوبات في إنتاج لحوم بقر بكمية كافية لتلبية الطلب. ولن تقتصر عملية الاستنساخ على البقر، بل ستشمل أيضًا حيوانات داجنة أخرى مثل الكلاب البوليسية وأحصنة السباق. ولا تلقى الفكرة بحد ذاتها تشجيعًا كبيرًا من المواطنين الصينيين العاديين.
هذا ولا تزال فكرة الاستنساخ الحيواني أحد الحلول المطروحة من آن لآخر للتغلب على مشاكل تدني الإنتاج العالمي من اللحوم، وتقابلها في نفس الوقت شكوك علمية من الكثيرين في مراكز البحث العلمي، وشكوك مرافقة من عموم الناس، حول مدى سلامتها على الصحة وتأثيراتها المستقبلية.
سلامة اللحوم المستنسخة
وضمن نشراتها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA إلى أنها قد أصدرت في 2008 تقريرها العلمي الخاص بالمنتجات الحيوانية المستنسخة المصدر، بعنوان «تقييم مخاطر الحيوانات المستنسخة» Animal Cloning Risk Assessment، وهو تقرير كتبه العلماء في مركز إدارة الغذاء والدواء للطب البيطري. وفيه قام علماء الوكالة بتحليل بيانات من مئات التقارير المنشورة ومعلومات تفصيلية أخرى حول استنساخ حيوانات الماشية. ويقدم التقرير استنتاجات إدارة الغذاء والدواء الأميركية بشأن المخاطر على صحة الحيوانات تشارك في عملية الاستنساخ، وعلى سلامة الأغذية من الحيوانات المستنسخة الحيوانية وذريتها.
وكانت «الشرق الأوسط» عرضت في عدد 16 يناير (كانون الثاني) من نفس العام، هذا التقرير النهائي الصادر عن إدارة الغذاء والدواء، وأنه قد خلص إلى نتيجة مفادها أن الأغذية المنتجة من الحيوانات المستنسخة، ومن ذريتها، هي سليمة بنفس قدر سلامة مثيلاتها من الحيوانات العادية، وهذا ما يزيل آخر عقبة تنظيمية أمام تسويق اللحوم والحليب المنتجة من الأبقار والخنازير والماعز.
ووفق ما أشارت إليه تقارير إعلامية في حينه، فإن التقرير المكون من 968 صفحة، لم يعثر على أي دليل يدعم وجهة نظر مخاوف المعارضين، القائلة بأن الغذاء المنتج من الحيوانات المستنسخة يحمل مخاطر خفيّة. إلا أنه، ومع الاعتراف بأن غالبية المستهلكين قلقون من الغذاء المستنسخ، ومن أن الاستنساخ قد يخرب الصورة المتكاملة للحوم والحليب في أميركا، فإن تقرير الإدارة يحتوي على مئات من الصفحات للبيانات الأولية، لتمكين أي فرد من التعرف على الطريقة التي توصلت بها الإدارة إلى استنتاجاتها.
وأشار التقرير أيضا إلى أن المخاوف على الصحة البشرية لم تكن المسائل الوحيدة التي أثارت الاهتمام، بعد ظهور حيوانات المزارع المستنسخة. ولاحظت الإدارة في وثيقة مرافقة للتقرير، أنه ورغم أن «الاهتمام انصب على المخاوف الأخلاقية والدينية»، فإن تقييم الخطر «اعتمد بشكل صارم على تقييمات ذات أسس علمية»، لأن الإدارة ليس لديها الصلاحية القانونية لدراسة تلك المسائل الأولى.
وقالت الإدارة إنه من الناحية العملية لن تُطرح الأغذية المنتجة من الحيوانات المستنسخة بكميات وافرة قبل مرور بضع سنين، وذلك يعود جزئيا إلى أن تلك الحيوانات لا تزال ثمينة جدا، بحيث يصعب ذبحها أو استخلاص حليبها، وبدلا من ذلك فسوف توجه تلك الحيوانات الغالية الثمن للتناسل وإنتاج أجيال من الحيوانات المستنسخة الأخرى، فيما يطلق عليه أنصار الاستنساخ «حيوانات المزرعة المتفوقة». وقال المسؤولون في الإدارة إنهم ربما لن يطلبوا وضع علامات على تلك الأغذية بأنها من حيوانات مستنسخة، بل إنهم قد يطلبون وضع علامات على المنتجات العادية بوصفها من حيوانات غير مستنسخة.
طريقة الاستنساخ
الحيوان المستنسخ Animal Clone هو نسخة وراثية من حيوان مانح Donor Animal. والاستنساخ يشبه التوائم المتماثلة Identical Twins إلا أن الولادة لكل منهما تتم في وقت مختلف. وترى إدارة الغذاء والدواء الأميركية أنه يُمكن النظر إلى عمليات استنساخ الحيوانات كامتداد لـ«التقنيات المساعدة على الإنجاب» Assisted Reproductive Technologies لدى مربي الماشية، التي قد تم استخدامها لعدة قرون. وهي التي تشمل التلقيح الاصطناعي Artificial Insemination ونقل الأجنة Embryo Transfer وتقسيم الجنين Embryo Splitting والتخصيب في المختبر In Vitro Fertilization.
والاستنساخ هو الشكل الأحدث والأكثر تعقيدا من التكنولوجيا المساعدة على الإنجاب، وكانت موجودة منذ أكثر من 20 عاما في أشكال مختلفة. ومن المعروف أن الشكل الأكثر استخداما اليوم هو «نقل نواة الخلية الجسدية النووي» Somatic Cell Nuclear Transfer أو SCNT. وفي هذه الطريقة للاستنساخ تتم خطوتان، الأولى: تحضير بويضة الحيوان المُراد إنتاجه، والثانية الحصول على نواة خلية من الحيوان المانح.
وتتضمن عملية تحضير البويضة إزالة جزء النواة من بويضة الحيوان المُراد إنتاجه، ثم تُدرج أو تُدخل في هذه البويضة - الخالية من أي نواة - نواة أخرى بديلة مستخلصة من خلية للحيوان المانح. أي إن الحيوان المانح يمنح الصفات الوراثية الموجودة في نواة خليته، وهذه المنحة - أي النواة - تُزرع داخل بويضة الحيوان المُراد إنتاجه. ولذا فإن عملية الإنتاج هذه تُسمى «استنساخا»، لأن الحيوان القادم هو حيوان مُطابق للحيوان المانح من خلال إنتاجه باستخدام وعاء البويضة من الحيوان المُراد إنتاجه. ثم بعد إجراء بضع خطوات في المختبر تتم زراعة البويضة «الجاهزة» في رحم أنثى الحيوان التي أُخذت منها البويضة، حيث يتطور الجنين وينمو تماما مثل أي جنين آخر.
وتضيف الإدارة أن الاستنساخ ليس مثل الهندسة الوراثية Genetic Engineering بل إنهما أمران مختلفان تمامًا، ففي الهندسة الوراثية لإنتاج المنتجات الغذائية تتم عملية إضافة أو قص أو تعديل للمكونات الجينية في نواة الخلية قبل إكمال عملية النمو والتكاثر، بينما في الاستنساخ لا تُمسّ بالمطلق مكونات الجينات الوراثية بل تُنقل كامل النواة بمكوناتها من الجينات كما هي مخلوقة بالأصل.
وأضافت أن الاستنساخ ليس «تقنية جديدة»، بل البشر منذ القدم يستخدمون طريقة الاستنساخ البدائية على هيئة إنتاج الموز والفواكه الأخرى كالعنب ضمن ما يُعرف بـ«التكاثر الخضري» Vegetative Propagation ومعلوم أن زراعة شجرة الموز من البذرة إلى حين قدرتها على إنتاج أصابع الموز تستغرق ثلاثين عامًا، وقريبًا من هذا الحال في العنب والبطاطا والتفاح والإجاص والخوخ وغيرها، ولذا تُؤخذ فسائل أو أجزاء من الشجرة الأم لتعطي شجرة صغيرة تُنتج لنا في وقت مقبول تلك الفواكه التي كانت تنتجها الشجرة الأم.
وهناك في الطبيعة حيوانات تتكاثر عبر هذه العملية أيضًا، مثل حيوان نجم البحر، وأيضًا في الثدييات هناك التوأم المتطابق الذي هو نوع من الاستنساخ، ولكن إنتاج حيوانات ثديية بطريقة الاستنساخ هو ما ظهر منذ منتصف القرن الماضي، وتحديدًا بدأ استنساخ الضفادع في الخمسينات، ثم تم إنتاج أول حيوان مستنسخ من خلية حيوان بالغ وهي النعجة «دوللي» الشهيرة في عام 1996.
جدل علمي
وعند طرح السؤال: «هل هناك دراسات طبية طويلة الأمد حول تأثيرات استهلاك الأطعمة التي تم إنتاجها بطريقة الاستنساخ؟»، تُجيب إدارة الغذاء والدواء الأميركية بطريقة مختلفة وغير مباشرة ولكنها ذكية، لأنه بالفعل لا تُوجد تلك الدراسات مطلقًا، لذا تقدم الإدارة عبارات دقيقة هي: «خلال عملية الاستنساخ لا تُوضع أي مواد جديدة داخل الحيوان، لذلك ليس هناك مادة جديدة للاختبار والفحص». وتُضيف أن «تغذية حيوانات المختبرات بحليب أو لحوم الحيوانات المستنسخة كجزء من نظام التغذية لحيوانات المختبر تسمح لنا بمعرفة ما إذا كان لتناول تلك اللحوم أو الحليب أي نتائج سلبية على حيوانات المختبرات، ولكن لا يُمكن تغذية حيوانات المختبرات ولا الإنسان بالحليب واللحم فقط، لأن ذلك لا يكفي لتغذيته، ولذا لا يُمكن إجراء دراسات طبية من هذا النوع لتقييم مدى تأثيرات تناول المنتجات الغذائية المستخلصة من الحيوانات المستنسخة». أي إن الإنسان أو الحيوان لا يعيش فقط على تناول اللحوم والحليب، بل يحتاج إلى تناول منتجات غذائية أخرى كالفواكه والخضار والبيض والدواجن والأسماك، وعند ذلك لا يمكن تمييز ظهور أي علامات سلبية على الإنسان أو الحيوان، ونسبة تلك الآثار السلبية إلى المنتجات الغذائية المستخلصة من الحيوانات المستنسخة. وهذا كلام علمي منطقي، أي صعوبة إجراء دراسات تقييم الأثر، ولكنه لا يعني تلقائيًا إثبات عدم وجود آثار صحية سلبية محتملة.
وتستطرد الإدارة في النقاش بطرح سؤال آخر، وهو: «إذا لا تُوجد دراسات طويلة الأمد لمتابعة التأثيرات الصحية لتناول المنتجات الغذائية المستخلصة من الحيوانات المستنسخة، لماذا توصلت إدارة الغذاء والدواء إلى نتيجة مفادها أنه من الآمن تناول تلك المنتجات الغذائية من الحيوانات المستنسخة وأيضًا من ذرياتها؟».
وتعيد ذكر النقطة السابقة وتُضيف إليها نقطة أخرى مفادها أننا لو سلكنا طريق تغذية إنسان ما أو حيوان مختبر ما بتلك المنتجات من اللحوم والحليب المستخلصة من الحيوانات المستنسخة فإن الصحة ستتأثر لا محالة، بسبب عدم قدرة الجسم على البقاء في حالة صحية جيدة بتناول اللحوم والحليب فقط، وبالتالي لن نعرف هل التدهور الصحي بسبب تناول تلك اللحوم وذاك الحليب، أو السبب هو الاقتصار حصريًا على تناولهما فقط وحرمان الجسم من العناصر الغذائية الأخرى غير الموجودة فيهما والموجودة في الخضار والفواكه والأسماك والبيض والدواجن والبقول والحبوب والدهون النباتية وغيرها.
* استشارية في الباطنية