في عام 2013، عندما بدأت «الجزيرة أميركا» إرسالها في الولايات المتحدة، قال مديرها التنفيذي في ذلك الوقت، إيهاب الشهابي (ولد في الأردن عام 1970، ويحمل الجنسيتين الأردنية والأميركية): «سيدير الجزيرة أميركا أميركيون لمخاطبة أميركيين. ستقدم أخبارا صحيحة، وعميقة، ومحايدة».
اليوم، بعد أكثر من عامين، يصل، عن طريق الكيبل، تلفزيون «الجزيرة أميركا» إلى أعداد كبيرة من المشاهدين. هذا نجاح طيب لتلفزيون عربي في الولايات المتحدة، واجه عراقيل كثيرة من قبل بداية إرساله، ويظل يواجه، مثله في ذلك مثل استثمارات عربية وإسلامية إعلامية كثيرة في الولايات المتحدة. بالمقارنة، يصل إرسال تلفزيون «سي إن إن» إلى قرابة مائة مليون منزل.
أيضا، خلال العامين الماضيين، نالت «الجزيرة أميركا» بعض جوائز تلفزيونية أميركية، خاصة في مجال التحقيقات. منها:
أولا: «فيست أوف فيوري» (قبضة الغضب)، عن هندية فقيرة صارت ملاكمة مشهورة.
ثانيا: «هايتى كورليرا» (انتشار الكوليرا في هايتي بعد الزلزال الكبير هناك).
ثالثا: «ميد إن بنغلاديش» (عن مصانع شركات الملابس الأميركية التي تستخدم العمالة الرخيصة).
هكذا، يبدو واضحا أن تحقيقات «الجزيرة أميركا» تركز على مجالات معينة:
أولا: دول العالم الثالث. تقدم تحقيقات لم يتعود عليها المشاهد الأميركي، لكن طبعا رغم الجوائز، يظل هذا النوع من التحقيقات التلفزيونية الأميركية قطرة في محيط.
ثانيا: تحقيقاتها داخل الولايات المتحدة أيضا تركز على الأقليات، والمشكلات الاجتماعية. وهذه أيضا لا يغطيها كثيرا الإعلام الأميركي الرئيسي.
ثالثا: لا تركز على موضوعين يركز عليهما الإعلام الأميركي: السياسة والسياسيين، وأخبار الممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات.
في صيف عام 2014، بعد عام من تأسيسها، ساعدها الحظ خلال اضطرابات السود ومواجهاتهم مع الشرطة في فيرغسون (ولاية ميزوري). قدمت تغطية مكثفة. ثم ظهر إشهار قريشي، مراسلها هناك، وهو يصرخ عندما أطلقت عليه الشرطة رصاصات مطاطية، وصادرت كاميراته. وسارعت تلفزيونات أخرى ونقلت المنظر المثير. وكان ذلك أحسن دعاية لتلفزيون «الجزيرة أميركا».
لكن، رغم الإنجازات والحظوظ، تواجه «الجزيرة أميركا» حملة معادية، ليس فقط من قنوات تلفزيونية تنافسها، ولكن أيضا من منظمات وجمعيات يمينية تتهمها بتهم منها: نشر ثقافة الإرهاب، ونشر الإسلام، ونشر الاشتراكية (إن لم يكن الشيوعية). وصاروا يسمونها أسماء مثل: «تلفزيون الأقليات» و«تلفزيون العالم الثالث».
غير أن أكثر مشكلات «الجزيرة أميركا» يبدو أن سببها هو «الجزيرة أميركا» نفسها. وذلك بسبب سياسات وإجراءات إدارية داخلية، وصفت بأنها فاسدة أو ظالمة أو غير قانونية.
خلال هذا العام، واجه تلفزيون «الجزيرة أميركا» مشكلات منها:
أولا: في مارس (آذار)، رفع ماثيو لوك، الذي كان مدير قسم الإعلام، قضية طلب فيها تعويض 15 مليون دولار. وقال إنه فصل لأنه اتهم عثمان محمود، مدير قسم التكنولوجيا، بالإساءة إلى المذيعات وإلى اليهود.
ثانيا: في أبريل (نيسان)، استقالت اثنتان من كبار الموظفات: دايانا لي، مساعدة المدير للمصادر الإنسانية، ودون بردج، مساعدة المدير للاتصالات. وانتقدتا طريقة إدارة القناة.
ثالثا: في مايو (أيار)، استقالت مارسي ماكنغز، كبيرة المذيعات (كانت، قبل ذلك، مذيعة كبيرة في تلفزيون «سي بي إس»). وقالت إن الشهابي خلق «ثقافة خوف» وسط العاملين.
رابعا: في نفس الشهر، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» خبر شجار بين الشهابي، المدير التنفيذي، وعلى فلشي (كندي، من هنود شرق أفريقيا المهاجرين)، كبير المذيعين الاقتصاديين.
خامسا: في يونيو (حزيران)، استقالت شانون باساليك، مساعدة المدير للبرامج، بسبب ما قالت إنه انحياز نحو أخبار العرب والمسلمين.
يبدو أن المسؤولين عن «الجزيرة»، أو «الجزيرة أميركا»، قلقوا لهذه التطورات. وسارعوا، وعزلوا الشهابي من وظيفة المدير التنفيذي، ونقلوه إلى وظيفة مدير عمليات. وعينوا مكانه آل إنستى (أميركي، كان مذيعا في تلفزيون «سي بي إس»، ثم صار مسؤولا عن «الجزيرة الإنجليزية»). وقال رئيس مجلس إدارة «الجزيرة أميركا»، إن إنستي «سيقود إمكانيات (الجزيرة أميركا) لتكون رائدة في السوق الأميركي».
لكن، يبدو أن مشكلات «الجزيرة أميركا» الداخلية لن تنتهي. في الأسبوع الماضي، ظهرت مشكلة ديفيد هارلستون، كبير المستشارين القانونيين. وذلك عندما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا طويلا عنه. وقالت إن تحقيقات أوضحت أنه لا يملك رخصة العمل محاميا في مدينة نيويورك، ولا في ولاية نيويورك، ولا في أي ولاية أميركية.
وسارع إنستي، وفصل هارلستون، وأصدر بيانا قال فيه: «تظل الأولوية عندي هي إدارة الجزيرة أميركا بأعلى القيم المهنية. وأنا أهتم اهتماما جادا بأي شيء يهدد سمعة وحياد الجزيرة أميركا».
وقالت «نيويورك تايمز»: «تظل الجزيرة أميركا، منذ تأسيسها، تسير في طريق وعر. تظل تواجه قلة المشاهدين وشكوى العاملين وقضايا قانونية».
رغم هذه العواصف تبقى كيت أوبراين، رئيسة «الجزيرة أميركا» (يعمل تحتها المدير التنفيذي). وتعتبر واحدة من أحسن مذيعات وإداريات التلفزيون الأميركيات، وكانت مذيعة كبيرة في تلفزيون «آي بي سي».
يوم الخميس، غردت في صفحتها في موقع «تويتر»: «التهاني للمذيعة كاتي أورلنسكي، والمذيعة جو أن كاو، لنيلهما جائزة نادي الصحافيات في نيويورك». هكذا، يبدو أن مذيعيي ومذيعات «الجزيرة أميركا» ناجحون. لكن، يبدو أن الإداريين ليسوا كذلك. وطبعا، تؤثر المشكلات الإدارية على العمل وعلى السمعة. عن هذا، قال د. آل تومبكنز، خبير في معهد «بوينتار» (ولاية فلوريدا) للإعلام: «حتى الآن، لم تصل الجزيرة أميركا مرحلة أن يكون لها مشاهدون عبر الولايات المتحدة (لتكون قناة تلفزيونية رئيسية)».
وردًا على استفسار من «الشرق الأوسط» حول ديفيد هارلستون، كبير المستشارين الذي لا يملك رخصة ليكون محاميا، قال إنستي، المدير التنفيذي: «بمجرد أن عرفنا بموضوع ديفيد هارلستون، أمرنا بإيقافه عن العمل معنا. واخترنا مكتبا قانونيا خارجيا للتحقيق الكامل في الموضوع. ونحن ننتظر نتيجة التحقيق».
ورد على استفسار آخر عن الانتقادات، خاصة من صحف أميركية رئيسية ومن خبراء إعلام كبار، بأن مشكلات القناة، خاصة الإدارية، تؤثر على سمعتها، قال إنستي: «بمجرد أن صرت مديرا تنفيذيا في مايو (أيار)، ظل همي الأول هو ضمان أن تكون (الجزيرة أميركا) ملتزمة بأعلى القيم المهنية. سيظل هذا المبدأ هو أساس كل ما نعمل. وسأحقق في جدية في أي موضوع يمكن أن يهدد سمعة وحياد (الجزيرة أميركا)».
تلفزيون «الجزيرة أميركا»: عراقيل منذ بداية الإرسال
https://aawsat.com/home/article/508331/%D8%AA%D9%84%D9%81%D8%B2%D9%8A%D9%88%D9%86-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7%C2%BB-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84
تلفزيون «الجزيرة أميركا»: عراقيل منذ بداية الإرسال
قدمت تغطية مكثفة خلال اضطرابات السود ومواجهاتهم مع الشرطة في فيرغسون
- واشنطن: محمد علي صالح
- واشنطن: محمد علي صالح
تلفزيون «الجزيرة أميركا»: عراقيل منذ بداية الإرسال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة