الهاربون من كوريا الشمالية إلى الجنوبية يدخلون القرن الحادي والعشرين

الاختلافات اللغوية والثقافية تسبب تحديات لهم

الهاربون من كوريا الشمالية إلى الجنوبية يدخلون القرن الحادي والعشرين
TT

الهاربون من كوريا الشمالية إلى الجنوبية يدخلون القرن الحادي والعشرين

الهاربون من كوريا الشمالية إلى الجنوبية يدخلون القرن الحادي والعشرين

تكفي عشرة دولارات في عاصمة كوريا الجنوبية، سيول، بأن يصبح شخصا هاربا من كوريا الشمالية مساهما في المقهى المشهور «يوفيل». والأمر لا يتعلق بالمال، إنما بفكرة الاستثمار.
ويريد جوزيف بارك، أن يشتري جميع الهاربين من كوريا الشمالية مثله أسهما، بالمعنى الحرفي والمجازي، في مشروعه. وقال بارك بشأن إشراك أميركيين في أحد فرعي مقهى «يوفيل»: «لا يوجد سوى عدد قليل من المقاهي والمطاعم في كوريا الجنوبية التي توظف كوريين شماليين، ولا يتمتعون بأي سلطة اتخاذ قرار، بل يتلقون الأوامر فقط من الكوريين الجنوبيين»، مضيفًا: «لم يأخذوا فرصتهم للتعلم وتولي المسؤولية. ولا يستمر أحد في وظيفته لأكثر من عام، لأنهم لا يمتلكون أية أسهم في هذا العمل». وتابع: «لهذا السبب، عندما بدأت هذا العمل التجاري، أردت إعطاء الكوريين الشماليين سلطة اتخاذ القرار».
يوجد أكثر من 28 ألف كوري فروا من الشمال ويعيشون حاليا في الجنوب، ويناضل معظمهم لاغتنام الفرص في هذا المجتمع المحموم.
وعندما وصلوا إلى كوريا الجنوبية، لم يسبق لمعظمهم استخدام جهاز الكومبيوتر على الإطلاق، أو امتلاك بطاقة ائتمان. وهم لا يفهمون اللهجة الكورية المليئة بالكلمات المقترضة من اللغة الإنجليزية مثل «كاب» (فنجان) و«تيشو» (منديل ورقي). ولا يعرفون كيفية دفع ثمن لاتيه البطاطا الحلوة عبر الهاتف الذكي.
ويعني الارتباك اليومي، بجانب صرامة الحياة بعد الشيوعية في كوريا الشمالية، حيث لا يوجد سوى القليل من العمل أو المال، أن الكثيرين يكافحون من أجل البقاء في وظائفهم في كوريا الجنوبية الرأسمالية.
وسيمثل ذلك تحديا كبيرا لكوريا الجنوبية في حال، أو بالأحرى عندما يحدث التوحيد بين الكوريتين.
تعرض كوريا الجنوبية بعض التدريبات على العمل للكوريين الشماليين الذين يتمكنون من الوصول إلى الجنوب. وبعد قضاء ثلاثة أشهر في مركز الاستقبال، يمكنهم اختيار الاستمرار في التدريب المهني، مثل تصفيف الشعر، أو اللحام، أو تصليح السيارات. لكن هذه الفئات ليست رائجة، في ظل اشتياق الهاربين للانغماس في عالم كوريا الجنوبية «الحقيقي». واختار 174 شخصا فقط الاستمرار في مثل هذه الدورات خلال العام الحالي، وفقا لوزارة التوحيد الكورية الجنوبية.
وتقدم حكومة كوريا الجنوبية أيضًا الدعم لأرباب العمل الذين يوظفون الهاربين من كوريا الشمالية، بحد أقصى حاليا 500 دولار شهريا للسنوات الأربع الأولى.
لكن بارك، من خلال الاعتماد على خبرته الخاصة، حيث وصل إلى الجنوب قبل 11 عاما، تبنى نهجا مختلفا.
بعد أن قالت رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون - هاي العام الماضي إن إعادة التوحيد ستكون بمثابة «الجائزة الكبرى» لكوريا الجنوبية، بسبب الفرص الاقتصادية التي ستظهر حينئذ، اقتحم جوزيف بارك عالم المشاريع التجارية حاملا رسالة: «يتعين عليك ممارسة إعادة التوحيد مع الكوريين الشماليين الحقيقيين».
وحاول بارك الترويج لرسالته من خلال فكرة «خلق قيم مشتركة»، وهي فكرة حصل عليها من قراءاته في مواد كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، لكنها لم تنجح إلى حد كبير. فبعد ذلك، قرأ بارك مقال رأي لرئيسة البنك الصناعي الكوري، وهو بنك إقراض تديره الدولة، منشور في إحدى الصحف العام الماضي، يقول إنه ينبغي على كوريا الجنوبية دعم رجال الأعمال الكوريين الشماليين.
وأوضح بارك، البالغ من العمر الآن 33 عاما، وكان غادر كوريا الشمالية أثناء مجاعة منتصف تسعينات القرن الماضي، وأصبح مثل كثير من الهاربين الآخرين، مسيحيا في كوريا الجنوبية: «لذلك، قدمت اقتراحي للبنك الصناعي الكوري. وقلت لهم: لقد كنت رجل أعمال في كوريا الشمالية، رجاء ساعدوني». وقد اختار اسم جوزيف من كتاب سفر التكوين، على اسم ابن النبي يعقوب الذي ساعد أشقاءه أثناء المجاعة، رغم أنهم باعوه كرقيق في مصر.
قدم بارك فكرته عن «مشروع اجتماعي» مقاهي داخل مباني البنك. حيث يشرب الكوريون الجنوبيون القهوة بكثرة، ويعتقدون أن دفع 4 دولارات أو 5 دولارات لتناول فنجان من القهوة ثمن بخس.
ويضيف بارك، متحدثا اللغة الإنجليزية بطلاقة: «قلت لهم: إن أعطيتموني مساحة فارغة، سأقدم لكم القهوة بثمن رخيص، وبذلك تقدمون مساهمة اجتماعية أكبر». وأوضح بارك: «بعدها بثلاثة أسابيع، ردوا علي قائلين: لدينا مكانان فارغان لك. يمكننا توفير المساحة فقط، وليس أي شيء آخر». وتابع: «لذلك قلت لهم: بالطبع، يمكنني فعل ذلك، رغم أنني لا أملك المال».
وعثر بارك عن أشخاص للاستثمار في مشروعه، بعضهم ساهم بعشرة دولارات، والبعض الآخر بألف دولار، وجمع مال ما مجموعه 23 ألف دولار، ومن ثم حصل على قرض قدره 30 ألف دولار من منظمة تمويل المشاريع الصغيرة الكاثوليكية.
وبعدها، بدأ بارك في إنشاء المقهيين من نقطة الصفر، وقال: «في كل خطوة في طريقي، آخذ كوريين شماليين معي. ذهبنا إلى المكاتب الحكومية لتسجيل أعمالنا التجارية، وأنجزنا كل الإجراءات اللازمة. ولم يكن الكوريون الشماليون يعرفون كيفية فعل ذلك».
أنشأ بارك مقهى في مبنى البنك الصناعي الكوري بمدينة يونغين خارج العاصمة سيول في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وشيّد الفرع الآخر في وسط سيول في أبريل (نيسان) الماضي، حيث يوظف فيه اثنين هاربين من كوريا الشمالية. ويطلق بارك اسم «يوفيل» على المقهيين، وهي كلمة عبرية تشير إلى فترة «اليوبيل» المرتبطة بحقوق الملكية.
وأردف بارك قائلا: «يعيش الكوريون الشماليون في كوريا الجنوبية كالعبيد، وهم أيضًا عبيد للرأسمالية في كوريا الجنوبية»، وأضاف: «لذلك أردت تأسيس عملا تجاريا للكوريين الشماليين».
ويتساءل الزبائن أحيانا عن كيفية تعايش هؤلاء الهاربين في الجنوب، لكنهم يستمتعون عادة بالقهوة الرخيصة، التي يبلغ سعرها دولارا واحدا أو دولارين للفنجان. ويشعر العمال بالسعادة أيضًا.
وقالت جانغ إيون - جونغ، البالغة من العمر 29 عاما، وتعيش في الجنوب منذ عقد من الزمان، وكانت تتخبط بين الوظائف داخل المطاعم وصالونات التجميل قبل مجيئها للعمل مع بارك: «بصراحة، من الصعب جدا على الهاربين من كوريا الشمالية الاستقرار في كوريا الجنوبية بسبب الاختلافات اللغوية والثقافية». وبالنسبة لجانغ، يعتبر هذا العمل مرضيًا بنسبة كبيرة لها، وأوضحت: «قبل ذلك، كنت أعمل من أجل المال، أما الآن، أشعر أنني أعمل لصالح رؤيتي بعد التوحيد».
ولم تغير المقاهي الاتجاه حتى الآن، لكن بارك يقول إن هذا ليس الهدف الرئيس.
وذكر تشو بونغ - هيون، محلل في معهد الأبحاث الاقتصادية التابع للبنك الصناعي الكوري، وخبير في الاقتصاد الكوري الشمالي، أن المقهى يمثل فقط هذا النوع من النهج الذي ستحتاجه كوريا الجنوبية أثناء استيعابها المزيد والمزيد من الكوريين الشماليين. وأضاف تشو: «يعيش نحو 28 ألف كوري شمالي حاليا في كوريا الجنوبية». وتابع: «إذا فشلنا في العيش في وئام معهم الآن، سيكون من الصعب للغاية إعادة توحيد الكوريتين. لذلك، من الأهمية بمكان لكوريا الجنوبية خلق بيئة مواتية لاستقرار لاجئي كوريا الشمالية بشكل جيد وناجح».

*خدمة: «واشنطن بوست» خاص لـ«الشرق الأوسط»



«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم قتل فيه وزير من «طالبان»

وزير اللاجئين الأفغاني خليل حقاني يصل لحضور تجمع أقيم بمناسبة الذكرى الأولى لعودة «طالبان» إلى السلطة في كابل يوم 15 أغسطس 2022 (أ.ف.ب)
وزير اللاجئين الأفغاني خليل حقاني يصل لحضور تجمع أقيم بمناسبة الذكرى الأولى لعودة «طالبان» إلى السلطة في كابل يوم 15 أغسطس 2022 (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم قتل فيه وزير من «طالبان»

وزير اللاجئين الأفغاني خليل حقاني يصل لحضور تجمع أقيم بمناسبة الذكرى الأولى لعودة «طالبان» إلى السلطة في كابل يوم 15 أغسطس 2022 (أ.ف.ب)
وزير اللاجئين الأفغاني خليل حقاني يصل لحضور تجمع أقيم بمناسبة الذكرى الأولى لعودة «طالبان» إلى السلطة في كابل يوم 15 أغسطس 2022 (أ.ف.ب)

أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن تفجير انتحاري أودى بحياة وزير اللاجئين الأفغاني في مكتبه في كابل، بحسب ما ذكر موقع «سايت»، اليوم (الأربعاء).

وقُتل وزير اللاجئين الأفغاني، خليل الرحمن حقاني، اليوم، من جرّاء تفجير وقع بمقر وزارته في كابل، نُسب إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو الأوّل الذي يستهدف وزيراً منذ عودة حركة «طالبان» إلى الحكم في عام 2021. واستنكر الناطق باسم حكومة الحركة «هجوماً دنيئاً» من تدبير تنظيم «داعش»، مشيداً بتاريخ «مقاتل كبير» قد «ارتقى شهيداً»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». ووقع الانفجار، الذي لم تتبنّ بعد أي جهة مسؤوليته، «في مقرّ وزارة اللاجئين»، وفق ما أفاد به مصدر حكومي «وكالة الصحافة الفرنسية»، مشيراً إلى أنه تفجير انتحاري. وأوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «للأسف وقع انفجار في وزارة اللاجئين، ويمكننا أن نؤكد أن الوزير خليل الرحمن حقاني قد استشهد إلى جانب عدد من زملائه». وضربت قوى الأمن طوقاً حول الحيّ حيث تقع الوزارة في وسط كابل. فيما أورد حساب الوزارة على منصة «إكس» أن ورشات تدريبية كانت تعقد في الأيام الأخيرة بالموقع. وكلّ يوم، تقصد أعداد كبيرة من النازحين مقرّ الوزارة لطلب المساعدة أو للدفع بملفّ إعادة توطين، في بلد يضمّ أكثر من 3 ملايين نازح من جراء الحرب.

«إرهابي عالمي»

وزير اللاجئين الأفغاني خليل حقاني خلال مؤتمر صحافي في كابل يوم 12 يونيو 2022 (أ.ف.ب)

كان خليل الرحمن يحمل سلاحاً أوتوماتيكياً في كلّ إطلالاته، وهو شقيق جلال الدين الذي أسس «شبكة حقاني» مع بداية سبعينات القرن الماضي وإليها تُنسب أعنف الهجمات التي شهدتها أفغانستان، قبل أن تندمج «الشبكة» مع حركة «طالبان» إبان حكمها الذي بدأ عام 1994 وأنهاه الغزو الأميركي للبلاد في عام 2001، ثم عودة الحركة إلى الحكم بعد انسحاب القوات الأميركية والدولية في 2021. وهو أيضاً عمّ وزير الداخلية الحالي سراج الدين حقاني. ورصدت الولايات المتحدة مكافأة مالية تصل إلى 5 ملايين دولار في مقابل الإدلاء بمعلومات عن خليل الرحمن، واصفة إياه بأنه «قائد بارز في (شبكة حقاني)» التي صنّفتها واشنطن «منظمة إرهابية». وفي فبراير (شباط) 2011، صنَّفته وزارة الخزانة الأميركية «إرهابياً عالمياً»، وكان خاضعاً لعقوبات من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، التي قدّرت أن يكون في الثامنة والخمسين من العمر.

هجمات «داعش»

وزير اللاجئين الأفغاني خليل حقاني (وسط) خلال وصوله لتفقد مخيم للاجئين بالقرب من الحدود الأفغانية - الباكستانية يوم 2 نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

ويبدو أن «شبكة حقاني» منخرطة في نزاع على النفوذ داخل حكومة «طالبان». ويدور النزاع، وفق تقارير صحافية، بين معسكر يطالب بالتطبيق الصارم للشريعة على نهج القائد الأعلى لـ«طالبان» المقيم في قندهار، وآخر أكثر براغماتية في كابل. ومنذ عودة حركة «طالبان» إلى الحكم إثر الانسحاب الأميركي في صيف 2021، تراجعت حدة أعمال العنف في أفغانستان. إلا أن الفرع المحلي لتنظيم «داعش - ولاية خراسان» لا يزال ينشط في البلاد، وأعلن مسؤوليته عن سلسلة هجمات استهدفت مدنيين وأجانب ومسؤولين في «طالبان». وسُمع أكثر من مرّة دويّ انفجارات في كابل أبلغت عنها مصادر محلية، غير أن مسؤولي «طالبان» نادراً ما يؤكدون حوادث من هذا القبيل. وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قُتل طفل وأصيب نحو 10 أشخاص في هجوم استهدف سوقاً وسط المدينة. وفي سبتمبر (أيلول) الذي سبقه، تبنّى تنظيم «داعش» هجوماً انتحارياً أسفر عن مقتل 6 أشخاص، وجُرح 13 بمقرّ النيابة العامة في كابل. وأكّدت المجموعة أن هدفها كان «الثأر للمسلمين القابعين في سجون (طالبان)»، علماً بأن الحركة غالباً ما تعلن عن توقيف أعضاء من التنظيم أو قتلهم، مشددة في الوقت عينه على أنها تصدّت للتنظيم في البلد.