تزامنا مع ارتفاع أعداد ضحايا هجمات باريس الشنيعة التي وصلت إلى 129 قتيلا على الأقل، ارتفعت أصوات مسؤولين أوروبيين يتساءلون عن عدد الحدود التي اجتازها المهاجمون بكل حرية قبل وصولهم إلى باريس، وعن كيفية تهريب الأسلحة التي استعملت في العمليات الإرهابية. وفي حين قد يستغرق المحققون وقتا طويلا للتوصل إلى إجابة واضحة، فإن مبدأ منطقة «شينغن» أصبح مهدّدا بالتجميد من طرف الدول الأعضاء.
وعلّقت فرنسا مؤقتا العمل باتفاقية «شينغن» من أجل مراقبة حدودها بشكل دقيق، بعد أن توصل المحققون إلى إمكانية فرار عدد من الذين شاركوا أو تواطأوا في تنفيذ اعتداءات العاصمة الفرنسية يوم الجمعة. وتنسق باريس مع بروكسل بهذا الشأن، خاصة بعد أن عمدت هذه الأخيرة إلى اعتقال أشخاص بشُبهة الضلوع في عمليات باريس، وقامت بدورها بإقرار حالة استنفار أمني.
وبينما أدّت أزمة المهاجرين وتدفق مئات الآلاف منهم إلى البلدان الأوروبية إلى احتدام النقاش حول ضرورة تشديد المراقبة على الحدود، إلا أن أحداث باريس أصبحت تهدد استمرارية المبدأ الأساس لمنطقة «شينغن» بشكل مباشر.
وقبل يوم الجمعة الماضي، كانت اتفاقية «شينغن» تضمنت حق التنقل الحر بين حدود دولها 26 لأكثر من 400 مليون شخص يعيشون في هذه المنطقة التي تفوق مساحتها 4 ملايين كيلومتر مربّع. وفي قارة شهدت حربين عالميتين على أراضيها خلال قرن واحد، تمكّن الاتحاد الأوروبي من تغيير نظرة العالم إلى حرية التنقل وفتح الحدود، وأثبت أن الحفاظ على الأمن لا يأتي بالضرورة على حساب الانفتاح. وتقديرا لهذا الإنجاز الاستثنائي، حاز الاتحاد الأوروبي على جائزة نوبل للسلام لمساهمته في تحقيق تقدم السلام والمصالحة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان. وعليه، فإن اتفاقية «شينغن» تعد رمزا أوروبيا فريدا، ودليلا على أن تحقيق السلام يمر عبر تحطيم الجدران لا بنائها.
في المقابل، لم يواكب هذا النظام التحديات الأمنية التي يطرحها عصر الإرهاب واستهداف الجماعات الإرهابية لأهداف عالمية، غالبيتها تستقصد مدنيين أبرياء. وأكدت السلطات الصربية أمس أن حامل جواز السفر السوري الذي عثر عليه قرب جثة أحد المسلحين الذين نفذوا هجمات باريس كان مسجلا كلاجئ في عدة دول أوروبية الشهر الماضي. من جانبهم، أوضح مسؤولون يونانيون أن الرجل الذي لم تذكر السلطات الصربية سوى الأحرف الأولى من اسمه، دخل أوروبا عبر جزيرة ليروس اليونانية حيث جرى تسجيله في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) . وكان بين سبعين لاجئا وصلوا على متن قارب صغير من تركيا. وبينما يتعذّر التأكد من صحّة هذا الجواز في الوقت الراهن، إلا أن ذلك يرفع الضغوط على سياسات «الباب المفتوح» التي انتهجتها بعض الدول.
إلى ذلك، تمكّنت ألمانيا من إيقاف عملية تهريب أسلحة وقنابل يدوية من طرف رجل خمسيني من مونتنيغرو كان متجها إلى باريس، في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مما دفع السلطات إلى الاعتقاد أن هذه الشحنة التي اكتشفتها على الحدود مع النمسا كانت في طريقها إلى إرهابيي باريس. وبعد لحظات من الهجمات الإرهابية في باريس، قرر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إغلاق الحدود مؤقتا «حتى لا يهرب المجرمون، ولا يدخل آخرون». وهي خطوة اعتبرها الكثير منطقية وتعكس حجم التهديد الذي ما زال يواجه فرنسا وأوروبا بشكل عام.
من جهته، أوضح مدير المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس)، روبين نيبلت، أن أزمة اللاجئين طرحت أسئلة جوهرية حول الهوية الأوروبية وسياسات الاندماج. وهذه قضايا لن يتم حلها في المدى القريب. وبعد أحداث باريس، يصعب تخيل وضع يتفق فيه القادة الأوروبيون على الحفاظ على الحدود المفتوحة في منطقة «شينغن»، قبل أن يستعيدوا الثقة في آليات المراقبة المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وإقامة المزيد من السيطرة على حدود الاتحاد الخارجية.
الإرهاب يهدد استمرارية اتفاقية «شينغن» لحرية التنقل
احتمال عبور أحد الإرهابيين العديد من الحدود الأوروبية أدى إلى موجة من الانتقادات
الإرهاب يهدد استمرارية اتفاقية «شينغن» لحرية التنقل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة