بعد ربع قرن من النضال، وصلت زعيمة المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، التي ضحت بحياتها الخاصة وأصبحت منشقة سياسية، إلى أعتاب السلطة أخيرا وهي في السبعين من عمرها. وخلال الانتخابات الحرة الأخيرة في بورما، كانت سو تشي تخضع للإقامة الجبرية. لكن بعد ربع قرن، تمكنت ابنة بطل الاستقلال أن تنهض بحزبها لتفوز بالأكثرية المطلقة في البرلمان، وذلك بعد خمسة أعوام بالضبط على الإفراج عنها من الإقامة الجبرية، طاوية بذلك صفحة مجلس عسكري ترك البلاد مدمرة، وقمع الناس طوال عقود، ووضعها في الإقامة الجبرية 15 عاما.
وفي تحد للقوانين التي يفرضها المجلس العسكري، قالت أونغ سان سو تشي أمام الصحافة الدولية «سأترأس الحكومة» إذا ما حققت فوزا، و«سأكون فوق الرئيس» الذي انتخبه النواب. لكنها لا تستطيع في الواقع أن تصبح رئيسة للبلاد بسبب مادة في الدستور تمنع الأشخاص الذين رزقوا بأبناء يحملون جنسية أجنبية، من الوصول إلى سدة الرئاسة، حيث يحمل طفلاها الجنسية البريطانية.
إلا أن تحول سو تشي الأخير إلى امرأة تمارس السياسة، بعد أن دخلت البرلمان في 2012 خلال انتخابات جزئية، أدى إلى تلويث سمعتها باعتبارها رمزا للنضال من أجل حقوق الإنسان، خصوصا في الخارج. كما يأخذ عليها البعض في حزبها ميولها الاستبدادية أيضا، والحد من الفرص المتاحة للشبان.
ولم يكن دخول سو تشي المعترك السياسي مبرمجا. فبعد وفاة والدها الذي اغتيل في 1947 عندما كانت في الثانية من عمرها، أمضت الفترة الأولى من حياتها في الهند أولا، ثم في بريطانيا. وفي البداية عاشت كربة منزل نموذجية، وزوجة أستاذ جامعي متخصص في شؤون التبت في جامعة أكسفورد البريطانية، وكوالدة لصبيين صغيرين. لكن لدى توجهها إلى بورما في أبريل (نيسان) 1988 للاهتمام بوالدتها المريضة، وصلت في خضم الانتفاضة على المجلس العسكري، التي قمعت بقسوة، وعندها قررت الانخراط في رسم مصير بلادها.
وفي أول خطاب ألقته في معبد «شويداغون شكل» عام 1988 الذي شكل لحظة ولادة أسطورة سو تشي قالت لأنصارها «أنا لا أستطيع بصفتي ابنة أبي، أن أبقى لا مبالية حيال كل ما يجري». وقد سمحت لها السلطات أن تؤسس حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، لكنها سرعان ما وضعت تحت الإقامة الجبرية. لكنها شهدت من بعيد فوز حزبها في انتخابات 1990 التي رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائجها. وأمضت سنوات الإقامة الجبرية في رانغون، حيث سمح لعدد قليل جدا من الأشخاص بزيارتها، وأحيانا ابنيها اللذين بقيا يعيشان في بريطانيا مع والدهما. وقد توفي الوالد بمرض السرطان دون أن تتمكن من الذهاب إلى بريطانيا لوداعه، خشية ألا يسمح لها بالعودة إلى بورما.
وفي 2010، أفرج عنها بعد 15 عاما في الإقامة الجبرية، أمضت سبعة منها بصورة متواصلة، لكن ما زالت تبدي تصميما لا يلين في الكفاح في سبيل بلادها.
سو تشي.. المناضلة السياسية التي هزمت حكم العسكر
سو تشي.. المناضلة السياسية التي هزمت حكم العسكر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة