شدّد علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، عند استقباله أعضاء الملتقى الثاني لسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية لبلاده بالخارج، على أنه «لا جدوى أو معنى للتفاوض مع أميركا بشأن قضايا المنطقة لأن الأهداف الأميركية في المنطقة تختلف 180 درجة عن أهداف إيران»، ولا يمكن فهم مغزى تصريحه دون تأكيده أنه لن يسمح للولايات المتحدة بالتغلغل في بلاده. وهو عندما وافق بشروط محددة على تنفيذ الاتفاق النووي الذي أبرم في 14 يوليو (تموز) الماضي لم يبد حماسة، بل أثار كثيرا من الشكوك حول النيات الأميركية، ولولا العسر المالي لما قبله.
لماذا هذا الموقف منه إزاء بلد أبرم معه صفقة نووية مربحة نسبيًا؟
واضح أن الرجل على يقين من أن الولايات المتحدة تريد تغيير نظامه على الرغم من أنه سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن بعث إليه برسالتين، ذكر فيهما أن لا نية لدى واشنطن للإطاحة بالمؤسسة الدينية الحاكمة في إيران. ثم إن ما يضاعف قلقه ليس الإرث العدائي مع واشنطن فحسب، بل أيضًا ما يصرّح به الرئيس أوباما، ومنه قوله: «إذا انخرط الإيرانيون في قطاع الأعمال الدولي، وأصبح لديهم مستثمرون أجانب، وأضحى اقتصادهم أكثر اندماجا مع الاقتصاد العالمي، سيكون من الصعب عليهم عندئذ بكل السبل ممارسة سلوكيات تتناقض مع المبادئ الدولية». وهذا ينطلق من إيمان الرئيس الأميركي بأن «الانفتاح» على الأنظمة المارقة سيفضي إلى تغيير سلمي وإيجابي فيها. والحقيقة أن هذا جوهر السياسة الخارجية التي طبقها على كل من بورما وكوبا، بالإضافة إلى إيران، الذي يميز رئاسته.
في المقابل، تعلن غالبية مرشحي الرئاسة من الحزب الجمهوري صراحة أنهم لن يلتزموا بهذا الاتفاق، بل إن أحدهم وصفه بأنه «أشبه بإلقاء عبوة من الوقود.. على اللهب»، بينما يرى كثيرون أن خامنئي سيطيح بذلك الاتفاق وسيعمل على الإسراع بامتلاك القنبلة حفاظًا على نظامه إذا تيقن أن الانفتاح سيقود إلى خلخلة وإضعاف ذلك النظام. وما قول علي أكبر هاشمي رفسنجاني - الذي يعد من الملالي المعتدلين - في معرض كلامه عن الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي: «لم يغب عن أذهاننا قط أنه إذا جاء اليوم وأصبحنا مهددين.. فيجب أن تكون لدينا القدرة على السير في الطريق الآخر» وهو اقتناء القنبلة النووية، إلا خير دليل.
إن سياسة تغيير الأنظمة الحاكمة تسمح للدولة بحل مشكلاتها مع الدولة الأخرى بإسقاط النظام العدائي القائم بها، والاستعاضة عنه بنظام أقل عدائية. وفى حالة إيران، فإن ذلك يعني إحلال أنظمة لن تسعى لشراء أسلحة نووية ولا تسعى لإثارة الفوضى، وحتى إن فعلت، فسوف يكون اختلاف طبيعة هذه الأنظمة الجديدة مصدرًا لإثارة قلق أقل. وتتفق معظم التحليلات على أن استخدام سياسة تغيير الأنظمة كدواء عام لكل داء ليس بالأمر الجديد. ولكن المقاربة الأميركية الجديدة تنهج نهج إدارة الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلن روزفلت في تغيير النظام كأسلوب أساسي للتعامل مع كل من ألمانيا واليابان، سعيا ليس فقط وراء إلحاق الهزيمة بهما في ساحات القتال وقلب وإبطال نجاحاتهما، بل تشمل أيضًا مواصلة الحرب حتى إسقاط النظامين القائمين في حينه ببرلين وطوكيو وإحلال أنظمة أفضل مكانهما. ولقد استغرق الأمر سنوات من الاحتلال المسلح والتدخل في السياسات الداخلية للبلدين - وهي السياسات التي تعرف حاليا بـ«استراتيجية بناء الدولة» - بغرض تحقيق الهدف الأخير.
السياسة المعتمدة على ما يبدو هي «استراتيجية تطور (أو بالأحرى، تطوير) النظام» التي تميل إلى اللامباشرة والتدريجية، والتي تشمل استخدام أدوات السياسة الخارجية والتأثير على الداخل أكثر من القوة العسكرية، في مجتمع يبدو لواشنطن أنه راغب في التغيير بشدة، بعدما ضاق ذرعا بسياسات آيات الله كما تجلى في «الحركة الإصلاحية» عام 2009.
* كاتب وباحث أكاديمي مصري
خامنئي يخشى على النظام الإيراني من {التغلغل} الأميركي
كثيرون يرون أنه سيطيح بالاتفاق النووي ويعمل على امتلاك القنبلة
خامنئي يخشى على النظام الإيراني من {التغلغل} الأميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة