لماذا تأخر الرئيس فلاديمير بوتين عن اتخاذ قراره حول وقف الطيران وإعادة رعاياه إلى روسيا؟ هل أراد بوتين مجاملة «صديقه» الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدم طرح ما كان يساوره من شكوك بشأن احتمالات العمل الإرهابي، بغية عدم التأثير على المصالح الاقتصادية المصرية؟ هذه الأسئلة وغيرها ظلت تتقافز على الشفاه حتى باغت الرئيس بوتين الأوساط المحلية والعالمية بقراره «القنبلة» حول وقف الطيران إلى مصر. وعلى الرغم من تعجل الكرملين تأكيد أن الرئيس بوتين استجاب لتوصية اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب حول ضرورة وقف الطيران إلى مصر ولا سيما في مجال السياحة، وكذلك إجلاء الرعايا والسائحين الروس من مصر، فقد عاد وقال الناطق الرسمي باسمه ديمتري بيسكوف ليقول: إن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال تبني فرضية العمل الإرهابي. كما خففت الحكومة الروسية من تشددها وقالت بإمكانية أن يواصل السائحون الموجودون في مصر إجازاتهم على أن يعودوا وفق النظام الخاص الذي حددته لجنة الطوارئ، بما في ذلك شحن أمتعتهم على متن طائرات نقل منفصلة. وكان أركادي دفوركوفيتش نائب رئيس الوزراء الروسي أعلن أمس عن إعادة ما يقرب من 11 ألف سائح إلى روسيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأضاف أنه «من البديهي أن عدد رحلات الإياب أقل منها خلال الأيام العادية، فيما سيزداد عددها بطبيعة الحال مع حلول عطلة نهاية الأسبوع في روسيا يومي السبت والأحد». وقال: إن الجانب الروسي لم يصادف أي متاعب أو صعوبات تذكر، باستثناء بعض التعقيدات المتعلقة بنقل الأمتعة. ونقلت عنه الوكالات الروسية تصريحه الذي أدلى به أمس في مطار موسكو حول «إيفاد أول فريق من الخبراء إلى مصر أمس للوقوف في غضون أيام مع نظرائهم المصريين على مستوى الإجراءات الأمنية المتخذة في المطارات المصرية، كما ستلتحق بفريق الخبراء اليوم كذلك مجموعة إضافية من المختصين لنفس الغرض». وأشارت المصادر الروسية إلى قرار السلطات الروسية حول إيفاد فريق ثالث من الخبراء للتحقق من المستوى الأمني في المطارات المصرية الرئيسية: «من أجل تقديم توصيات تندرج في إطار تعزيز المستوى الأمني في المطارات هناك»، في الوقت الذي كشفت فيه المصادر الروسية عن أن فرق الخبراء تضم مختصين من الوكالة الفيدرالية الروسية للطيران «روس آفياتسيا»، وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي. ومن جانبها أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن «وصول طائرتي نقل عسكريتين من طراز إيل - 76 إلى شرم الشيخ والغردقة لنقل أمتعة السائحين الروس إلى موسكو، على أن يبدأ إجلاء المواطنين إيابا بعد رفع الحظر المفروض بقرار من الرئيس فلاديمير بوتين على تسيير رحلات الركاب الجوية من روسيا إلى مصر».
ولعل كل ما تقدم من أخبار، يميط اللثام عن بعض الأسباب التي يمكن أن تكون وقفت وراء تأخر الرئيس بوتين في إصدار قراره إلى ما بعد قرابة الأسبوع منذ تاريخ وقوع الكارثة، وحتى مكالمته الهاتفية الأخيرة مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني. وعلى الرغم من تعجل بعض الجهات المسؤولة ومنها الأوساط الإعلامية الرسمية انتقاد كاميرون وقراره الذي تضمن الإيحاء بأن سقوط الطائرة جاء نتيجة عمل إرهابي، فإن ما جرى في أعقاب ذلك في موسكو يقول إن بوتين وعلى ما يبدو بدأ على قناعة بوجاهة ما ذكره رئيس الوزراء البريطاني من مبررات بشأن ترجيح فرضية العمل الإرهابي ولا سيما بعد الكشف عن تسجيلات التقطتها الأجهزة البريطانية لبعض الإرهابيين من «داعش».. وتقول الدلائل إن بوتين كرجل مخابرات محترف استدعى في أغلب الظن ما كان يكمن في خبايا الذاكرة من ذكريات يعود تاريخها إلى أغسطس (آب) 2004. حين نجحت الأرامل الانتحاريات الشيشانيات في تفجير اثنتين من طائرات الركاب الروسية كانتا تقصدان فولغاغراد وسوتشي بعد إقلاعهما من مطار دوموديدوفو في موسكو من ارتفاع بلغ أيضا ما يقرب من العشرة كيلومترات. ويذكر المراقبون أن الفتاتين الشيشانتين استطاعتا تجاوز كل نقاط التفتيش في المطار حتى داخل الطائرة بحزامين ناسفين دون رقابة تذكر ولم يتجاوز «الثمن» أكثر من ألف روبل أي قرابة الثلاثين دولارا بأسعار ذلك الزمان! إذن ما أشبه الليلة بالبارحة، بل ونذكر أن زعيم الإرهابيين الشيشانيين شامل باساييف تبجح آنذاك في القول إن عملية إسقاط الطائرتين وكان من المفروض أن تلحق بهما طائرة ثالثة لم تكلفه أكثر من أربعة آلاف دولار! قد يكون ذلك ما دار في خلد الرئيس الروسي الذي سارع بدوره إلى شرح ملابسات قراره في مكالمتين هاتفيتين خلال اليومين الماضيين مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي. وإذا أضفنا إلى كل تلك المبررات والتفسيرات التي تتقاذفها الألسنة على الأصعدة كافة، الأمنية والسياسية والاجتماعية، فإننا يمكن أن نكون أمام صورة قاتمة تقول مفرداتها إن المستقبل القريب يبدو في أمس الحاجة إلى من يرأف بمن سيعايشه. فقد سارع بعض المراقبين في موسكو إلى الإفصاح عن احتمالات أن تكون قوى الشر من أمثال «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، وكذلك «الإخوان المسلمين» الذين يكابدون آلام الهزيمة منذ الإطاحة بهم من على قمة السلطة في مصر في 3 يوليو (تموز) 2013 وراء إسقاط الطائرة، فضلا عن الرغبة الدفينة التي تساور هذه التنظيمات ومعها ربما بلدان أخرى بغض النظر عن موقعها الجغرافي، لإفساد العلاقة بين البلدين والتي تسير في خط صاعد. ومن اللافت في هذا الصدد أن الأوساط السياسية والعسكرية تشهد اليوم حملة ممنهجة ضد استخدام مؤسسات وشركات الطيران الروسية لطائرات «إيرباص» و«بوينغ» خصما من رصيد صناعة الطيران السوفياتية – الروسية. وكان القوميون المتشددون ومنهم عدد من زعماء المعارضة في مجلس الدوما أعلنوا عن ضرورة العمل من أجل حظر استخدام الطائرات الغربية وتقليص عدد الشركات الخاصة في مجال الطيران وقصرها على اثنتين أو ثلاث بما يخدم عمليا وكما قالوا الاقتصاد الوطني الروسي. ولعل ذلك أيضا ما قد يكون وراء تأجيج المشاعر المضادة لسياسات بوتين وتوجهاته صوب استعادة ودعم مواقع بلاده على خريطة السياستين الإقليمية والدولية.
تساؤلات عن أسباب تأخر بوتين من الإعلان عن قرار وقف الطيران إلى مصر؟
موسكو تستدعي ذكريات إسقاط الأرامل الشيشانيات الانتحاريات للطائرات الروسية
تساؤلات عن أسباب تأخر بوتين من الإعلان عن قرار وقف الطيران إلى مصر؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة