كشفت مصادر في تل أبيب النقاب عن تحركات سياسية دولية جارية في عواصم غربية عدة، بغية ترتيب لقاء مباشر بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لوقف التوتر وكسر الجمود في مسيرة المفاوضات. وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مبادرتان على الأقل، طرحتا في هذا الاتجاه، إحداهما من فرنسا والأخرى من نيوزيلندا. وإن نتنياهو أبدى استعداده للتجاوب، ولكن عباس لم يعطِ الجواب حتى الآن». وقالت المصادر إن نيوزيلندا تعمل على دفع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، يطالب إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات وهدم البيوت، بينما تطالب الفلسطينيين بالامتناع عن خطوات ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، وذلك في إطار سلسلة من خطوات بناء الثقة بين الجانبين، تمهيدًا لاستئناف المفاوضات السلمية. وكانت نيوزيلندا، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، تنوي تقديم هذا الاقتراح قبل أشهر، عشية الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، لكنها تراجعت عن ذلك بطلب أميركي. وعلى خلفية التصعيد الأمني في الشهر الأخير، في موضوع الحرم القدسي، قررت الحكومة النيوزيلندية استئناف المبادرة، وقامت بنشر مسودتها بين أعضاء مجلس الأمن.
ونشرت صحيفة «هآرتس» العبرية، أمس، بعض بنود الوثيقة، وبينها أن «مجلس الأمن يعتقد بأن استمرار جمود المفاوضات ليس مقبولاً، ويدعو الجانبين إلى اتخاذ الخطوات المطلوبة لإعادة بناء الثقة والاستعداد لاستئناف المفاوضات». كما جاء في المسودة، أن على أعضاء الرباعي الدولي - الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي – والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والدول العربية الداعمة لمبادرة السلام العربية، مساعدة إسرائيل والفلسطينيين على الاستعداد لاستئناف المفاوضات. وتعرض المسودة جانبًا من الخطوات المطلوبة من الجانبين، كجزء التمهيد لاستئناف المفاوضات، ومنها، الامتناع عن إطلاق تصريحات أو القيام بنشاطات من شأنها المس بالثقة أو تحديد نتائج المفاوضات مسبقًا، بما في ذلك مواصلة توسيع المستوطنات وهدم بيوت الفلسطينيين. وكذلك الامتناع عن أعمال استفزازية، خاصة تلك التي تهدد الوضع الراهن في الحرم القدسي، والامتناع عن تقديم دعاوى ضد إسرائيل حول الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والامتناع عن التشكيك بمصداقية نيات أو التزامات الجانب الثاني وقادته بالعملية السلمية.
وجاء في الوثيقة، حسب الصحيفة، أن «مجلس الأمن يعرب عن قلقه البالغ من تعليق المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين حول رؤية حل الدولتين منذ 17 شهرًا.. السلام القابل للوجود، والقائم على رؤية الدولتين، يمكن تحقيقه فقط إذا دخل الطرفان في عملية تفاوض جدية. وسيكون لدعم اللاعبين المهتمين، خاصة الرباعي الدولي والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في مجلس الأمن، دور حيوي. كما توجد أهمية لمبادرة السلام العربية في هذا السياق». وتحدد مسودة الوثيقة، أيضا، أن مجلس الأمن سيفحص، لاحقًا، اتخاذ قرار آخر يعرف مبادئ حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وجاء في المسودة، أيضًا، أن على الأمين العام للأمم المتحدة إبلاغ مجلس الأمن بما يطرأ من تطور على تنفيذ القرار خلال ثلاثة أشهر. ويقف وراء هذه المبادرة وزير خارجية نيوزيلندا موري مكولي، الذي وضع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مرتبة عالية في جدول أعماله، على الرغم من المسافة البعيدة بين بلاده والشرق الأوسط.
ويشار إلى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ذكر مرارًا، في السنوات الأخيرة، اسم مكولي في خطاباته كمثال للاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وقال مكولي خلال جلسة مجلس الأمن، الخميس الماضي، إنه مضت ست سنوات على آخر قرار اتخذه مجلس الأمن بشأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وإن أحد أهداف القرار الذي تسعى بلاده إلى دفعه، هو تعريف مسار عمل يمكن من خلاله أن تنضج ظروف تتيح استئناف المفاوضات، «داخل إطار زمني واقعي ولكن قصير».
ورأت المصادر الإسرائيلية المذكورة، أن مبادرة مكولي أفضل لإسرائيل من المبادرة التي حاولت فرنسا دفعها في مجلس الأمن خلال الأشهر الأخيرة، وهي أكثر توازنًا منها، ولا تقترح مبادئ لحل أي من القضايا الجوهرية كالحدود أو القدس، وتركز على خلق الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات. وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن مكولي طرح أفكاره أمام نتنياهو لدى زيارته القدس قبل أشهر، وأن نتنياهو لم يرفض الفكرة نهائيًا. وفي الأيام الأخيرة، أطلعت نيوزيلندا إسرائيل على تفاصيل المسودة، وخلافًا لحالات أخرى في السابق، لم تظهر إسرائيل معارضة مطلقة لها.
وتنضم المبادرة النيوزيلندية إلى الاتصالات التي يجريها الرباعي الدولي مع إسرائيل والفلسطينيين. وقد تطرقت إلى ذلك وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني، التي حذرت من «المحادثات من أجل المحادثات»، وقالت إن المفاوضات من أجل المفاوضات لن تحقق شيئًا على الأرض إلا إذا خلقنا الظروف التي تسمح للناس بالعيش والعيش بشكل أفضل». وقالت موغريني إن على عباس ونتنياهو الإظهار من خلال خطوات، بأن الالتزام بحل الدولتين «هو حقيقي وليس مجرد تزييف لشعار فارغ». وقالت إن التصعيد الأخير هو دليل على أن جمود العملية السلمية يقود إلى العنف. وحسب أقوالها، فإن أسباب التصعيد هي الإحباط وغياب الأمل وغياب الأفق السياسي.
من جهته، حاول وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الأسبوع الماضي، تنظيم لقاء بين الزعيمين في باريس، كجزء من محاولة وقف التصعيد في الحرم القدسي. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع إن فابيوس طرح أمام وزير الداخلية الإسرائيلي، سلفان شالوم، المسؤول عن المفاوضات مع الفلسطينيين في الحكومة، فكرة عقد قمة إسرائيلية - فرنسية - فلسطينية. وسأل شالوم عما إذا كان نتنياهو وعباس سيلبيان دعوة للحضور إلى باريس. ورد شالوم بحذر: «يمكنني أن أتحدث باسم نتنياهو فقط وأعتقد أنه سيسره القدوم». وعليه قرر فابيوس محاولة دحرجة الفكرة. وبعد ساعات من اجتماعه بشالوم، أجرى فابيوس محادثة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأطلعه على الاقتراح.
وفي المقابل، طلب مكتب فابيوس من سفارة فرنسا في تل أبيب التأكد من ديوان نتنياهو في القدس، بأن جواب شالوم يمثل موقف نتنياهو فعلاً. وأجرى مسؤولون من السفارة اتصالات مع القدس، وتلقوا توضيحًا بأن نتنياهو على استعداد للقاء عباس في باريس من دون شروط مسبقة. وقال المسؤول الإسرائيلي إن الخارجية الفرنسية توجهت مرة أخرى، إلى ديوان عباس وأطلعته على موافقة نتنياهو على الحضور إلى باريس. وحسب أقواله فقد وعد الفلسطينيون بالرد على التوجه، لكنهم لم يفعلوا ذلك حتى ظهر يوم أمس. وحسب المسؤول الإسرائيلي، فإنه «إما أن الفلسطينيين لا يزالون يتمسكون برفضهم وغير مستعدين لإجراء لقاء بين عباس ونتنياهو، أو أنهم لا يريدون عقد لقاء كهذا برعاية فرنسية».
مساع فرنسية ونيوزيلندية لجمع أبو مازن ونتنياهو
تقترح تهدئة فورية وخطوات لبناء الثقة ومفاوضات على أساس المبادرة العربية
مساع فرنسية ونيوزيلندية لجمع أبو مازن ونتنياهو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة