الانقسام السياسي العراقي بين التحالفين «الدولي» و«الرباعي» يهدد مستقبل الحرب ضد «داعش»

القادة العسكريون وشيوخ العشائر يتخوفون من حصول انتكاسة كبرى

الانقسام السياسي العراقي بين التحالفين «الدولي» و«الرباعي» يهدد مستقبل الحرب ضد «داعش»
TT

الانقسام السياسي العراقي بين التحالفين «الدولي» و«الرباعي» يهدد مستقبل الحرب ضد «داعش»

الانقسام السياسي العراقي بين التحالفين «الدولي» و«الرباعي» يهدد مستقبل الحرب ضد «داعش»

على الرغم من التقدم في المعارك الحالية ضد تنظيم داعش في جبهتي الأنبار وصلاح الدين، فإن المخاوف ما زالت قائمة سواء بين شيوخ العشائر في تلك المناطق أو حتى بين القادة العسكريين من إمكانية حصول انتكاسة بسبب عمق الأزمة السياسية التي نتجت عن إعلان الحكومة العراقية دخولها في التحالف الرباعي (روسيا وإيران وسوريا والعراق)، وشبه تخليها عن «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، والذي يضم نحو 60 دولة.
ويرى مراقبون أن المشهد مرشح للاحتمالات عدة، في وقت بدت فيه مسألة الانقسام بين المعسكرين في غاية الخطورة في ظل أوضاع ملتبسة تعصف بالعراق في ظل الأزمة المالية التي باتت تهدد رواتب الموظفين، الأمر الذي أدى إلى تشظي الحراك الجماهيري بين دعم الحكومة ضد الفاسدين، وتنفيذها برامجها الإصلاحية، وبين التظاهر ضدها، لا سيما من قبل أساتذة الجامعات وموظفي الدوائر الخاصة والأطباء بسبب تخفيض رواتبهم.
ويعيش العراقيون سواء كانوا من كبار الزعماء أو المواطنين البسطاء الهم نفسه على صعيد عدم وجود ضوء في آخر النفق مع دخول العراق نفق تحالفات مظلم، كما يرى السياسي والمفكر العراقي حسن العلوي، وهو عضو سابق في البرلمان قائلا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسألة لا تتعلق بمجرد انقسام سياسي قائم على رؤى مختلفة في البرنامج السياسي لهذا الطرف أو ذاك، وهو أمر ممكن في ظل ظروف طبيعية، بل إن الانقسام، مثلما ينظر إليه اليوم على صعيد الموقف من التحالفين الروسي والأميركي، هو طائفي». وبالتالي فإنه وطبقا لما رأى العلوي «إذا كان الخلاف الأميركي - الروسي بشأن العراق وسوريا قائما على أسس سياسية محكومة بمصالح الطرفين، فإن الخلافات داخل العراق طائفية، ما يعني أن هذا الخلاف لن يكون طارئا، شأن الخلافات السياسية التي يمكن أن تنتهي في حال تم التفاهم على قاعدة المصالح المشتركة بين أي طرفين، إلا أن الخلاف الطائفي قد ينفتح على حروب وصراعات طويلة». وأضاف العلوي أن «تأييد السنة للأميركيين مثلما هو حاصل الآن، وتأييد الشيعة للروس ليس قائما على رؤية كل طرف لمصلحة العراق كوطن، بل لمصلحة الطائفة، وهذا هو الخطر الأكبر على الطرفين معا». وأشار العلوي إلى أنه «في الوقت الذي توجد فيه خطوط حمراء متفق عليها بين التحالفين الأميركي والروسي، فإن الخلافات الطائفية لا توجد أمامها خطوط حمر، وهذا مكمن الخطورة فيها».
وهذا ما يتفق معه أحد القائد العسكريين الميدانيين رفيعي المستوى في حديث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الكشف عن اسمه أو منصبه، بقوله إن «المعارك، وأنا هنا أتحدث عن جبهة الأنبار مع أن الموقف في الجبهات الأخرى خصوصا صلاح الدين لا يختلف كثيرا، تأثرت بالمواقف السياسية، لكنها الآن باتت تتأثر بالخلفيات الطائفية، واعتبار الأميركيين حماة للسنة والروس بوصفهم حماة الشيعة. وهذا ما يريده تنظيم داعش ويتمناه، لأنه يمكنه من فتح ثغرات هنا وهناك على صعيد المعارك». وأضاف أن «المعارك في الأنبار تتقدم بسرعة، لكنها سرعان ما تتوقف، في وقت تكون لدينا القدرة على المواصلة».
وبين أن «من بين الأسباب المباشرة إلى ذلك هي توقف الغارات الجوية الأميركية أو قلتها، ما يجعلنا نفتقد للغطاء الجوي، ويسهل من استغلال التنظيم الإرهابي الوضع المنتكس، ويقوم بتنفيذ هجمات معاكسة. أن الواجب يحتم علينا جميعا تحري أسباب الخلافات بين الأميركيين ومركز العمليات المشتركة من جهة، والحكومة من جهة ثانية، وهي مسائل تشكل خطورة على العمليات العسكرية».
إلى ذلك، رأى أحد شيوخ محافظة الأنبار الشيخ حميد الكرطاني في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأمور تغيرت الآن على صعيد العشائر التي أصبحت المتضرر الأكبر بعد احتلال (داعش) للمحافظات الغربية، سواء على صعيد تهجير أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن، فضلا عن تدمير البنى التحتية للمدن. فإن عدم تعاون العشائر مع التنظيم بات ينعكس إيجابا على سير المعارك». وأضاف أن «الموقف العشائري المتماسك ضد (داعش) هو خط الصد الحقيقي الآن بعد التعثر الحكومي ومعه التحالف الدولي، إذ لو كان الموقف مثلما كان عليه قبل سنة وأكثر، لما تغيرت المعادلة لصالح التنظيم تماما». وحذر من «الاستمرار في مثل هذه السياسة التي قد تأتي بنتائج سلبية مستقبلا خصوصا إذا استمرت عمليات الفرز الطائفي حتى على صعيد المواقف السياسية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.