اعترفت بريطانيا أمس بفشل أجهزة استخباراتها في ملاحقة عملاء روس كانوا يعملون في بريطانيا خلال أربعينات القرن الماضي.
ونشرت الصحف البريطانية أمس (الجمعة) وثائق خطيرة بعد أن رفعت الحكومة البريطانية عنها السرية وهي تجسد فضيحة لجهاز الاستخبارات البريطاني الذي فشل في إسقاط شبكة تجسس روسية عرفت بالاسم الحركي «كمبردج فايف».
كان الاتحاد السوفياتي قد جند عددًا من العملاء في الثلاثينات في جامعة كمبردج، حيث كانوا يشغلون مناصب مختلفة في جهازي الاستخبارات الداخلي «إم آي 5» والخارجي «إم آي 6» البريطانيين.
وتتحدث الوثائق التي نشرت الجمعة – بحسب وكالة الصحافة الفرنسية - عن رحيل اثنين من مجموعة «كمبردج فايف» إلى روسيا في 1951 وهما غي بورغس ودونالد ماكلين في حين كان جهاز الاستخبارات البريطاني يهم باستجواب الأخير.
أخطر ما تناولته الوثائق كان الحديث عن فكرة عمل مجموعة «كمبردج فايف» ونشاطها التجسسي والذي تضمن تقريرا حول كونستنتين فولكوف، نائب القنصل السوفياتي في إسطنبول الذي حاول الوصول إلى بريطانيا في أغسطس (آب) 1945.
توجه فولكوف إلى السفارة البريطانية في تركيا مؤكدًا أنه يعرف هوية عميلين روسيين يعملان في وزارة الخارجية في لندن وسبعة آخرين يعملون لدى الاستخبارات البريطانية.
ومن عجائب القدر أن رئيس جهاز «إم آي 6» أرسل كيم فيلبي الذي كان عميلاً سوفياتيًا منذ 11 عامًا، إلى إسطنبول «لمعالجة الوضع. والأسوأ من ذلك أن الجاسوس كان يحمل رسالة تقول: لدينا ثقة تامة بفيلبي».
بالنتيجة، لم يتمكن البريطانيون من الاتصال بفولكوف الذي أرغم على مغادرة إسطنبول في طائرة عسكرية سوفياتية وفق إحدى الوثائق السرية المنشورة التي توقعت بكل بساطة أنه «من غير المرجح إلى حد كبير أن نسمع مجددًا عن فولكوف».
واعترف فيلبي في ما بعد بأنه ابلغ أجهزة الأمن الروسية ووصف فولكوف بأنه شخصية «مقززة»، و«يستحق ما جرى له».
وبالعودة للحديث عن عميلي روسيا، كان بورغس يثير الشبهات لدى السلطات البريطانية، حيث يلفت انتباه جهاز مكافحة التجسس وذلك ربما بسبب سلوكه الفوضوي.
كان بورغس غير منضبط وغير مسؤول إلى درجة يصعب معها تصور تورطه في «نشاط سري»، كما يقول زميل سابق له يصفه بأنه «كان يعاني من إدمان مزمن على الخمر»، إضافة إلى «شذوذه»، في إشارة إلى ميوله الجنسية المثلية.
ووصف عميل الاستخبارات الداخلية المكلف ملاحقة ماكلين الأخير بأنه رجل «شديد القلق» ومدمن للخمر حيث كان يطلب كأسًا كبيرة من الجين، مشروبه المفضل، يشربها خلال ثوانٍ ثم يطلب غيرها ويعاود الكرة، وفق مذكرة سرية سمح بنشرها.
وأثار فرار الرجلين بعد ست سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية فضيحة في بريطانيا على خلفية التوتر في العلاقات مع نظام ستالين أدت إلى فتح تحقيق فوري داخل أجهزة الاستخبارات.
وتفيد وثيقة لجهاز «إم آي 5» بأن شكوكا «جدية» أثيرت حينها إزاء عضو آخر في «كمبردج فايف» هو كيم فيلبي العميل في جهاز «إم آي 6». ولكن عندما طلب «إم آي 5» استجواب فيلبي قوبل برفض جهاز «إم آي 6». واستقال العميل المزدوج في يوليو (تموز) 1951 وبات بمنأى عن كل شك في 1955 قبل أن يذهب إلى الاتحاد السوفياتي في 1963.
وغادر بورغس وماكلين بريطانيا في 25 مايو (أيار) 1951 بعد أن تناولا العشاء في منزل ماكلين مع زوجته الحامل ميليندا. واستقل الرجلان في الليل مركبا من ساوثامبتن في جنوب بريطانيا إلى سان مالو في غرب فرنسا.
وكتب ماكلين في برقية أرسلها لزوجته «اضطررت للمغادرة على عجل. أنا بخير. لا تقلقي حبيبتي. أحبك. أرجوك أحبيني دائمًا. دونالد».
واجه الرجلان مصيرين مختلفين بعد وصولهما إلى روسيا، حيث وجد ماكلين عملاً وانضمت إليه عائلته. أما بورغس فبدا أنه واجه صعوبة أكبر في التكيف مع وطنه الجديد. كان مشتاقًا لأمه المريضة وأرسل إلى لندن يطلب ملابس وكتبا لتشارلز ديكنز.
وفي الرسائل الأولى التي كتبها لأمه تفاخر الجاسوس بأنه يأكل الكثير من الكافيار والسلمون المدخن حتى أنه «أصبح سمينًا». ولكن لهجته تغيرت في 1959 مع وصول تقرير وصفه بأنه «مثير للشفقة»، و«يشرب كثيرا ووقع في غرام كاهن في الدير القريب منه».
بريطانيا تعترف بفشل أجهزة استخباراتها في ملاحقة عملاء روس
بعد مرور أكثر من 70 عامًا
بريطانيا تعترف بفشل أجهزة استخباراتها في ملاحقة عملاء روس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة