جدل حامٍ في إسرائيل حول مصير «العاصمة الموحدة»

حكومة نتنياهو تعزل الأحياء العربية في القدس ووزراء يتهمونها بتقسيمها

فلسطينية تمر من بين حواجز الكتل الإسمنتية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية لعزل جبل المكبر (رويترز)
فلسطينية تمر من بين حواجز الكتل الإسمنتية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية لعزل جبل المكبر (رويترز)
TT

جدل حامٍ في إسرائيل حول مصير «العاصمة الموحدة»

فلسطينية تمر من بين حواجز الكتل الإسمنتية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية لعزل جبل المكبر (رويترز)
فلسطينية تمر من بين حواجز الكتل الإسمنتية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية لعزل جبل المكبر (رويترز)

يجمع المراقبون الإسرائيليون والكثير من السياسيين، على أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يبني دعايته الانتخابية ضد خصومه منذ سنة 1996 على أساس اتهامهم بأنهم ينوون تقسيم القدس من جديد، بحيث يصبح جزؤها العربي عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، هو نفسه يقسم القدس هذه الأيام. ويستندون في ذلك، إلى الإجراءات التي أمر بها نتنياهو لمواجهة العمليات الفلسطينية ضد الإسرائيليين في المدينة، منذ اعتداء المستوطنين على المسجد الأقصى المبارك.
وقد رد يتسحاق هيرتسوغ، رئيس المعارضة، على هذه الخطوات قائلا: «لقد اتهمني نتنياهو بأنني سوف أقسم القدس. وها هو بنفسه، بحكومته اليمينية المتطرفة، يقسم القدس على الأرض».
وقال يوعاز هيندل، سكرتير حكومة نتنياهو الأسبق: «من دون الاعتراف بالواقع الذي يقول: إن القدس مقسمة حسب مستوى الحكم فيها، فإن المزيد من الأحياء ستخرج إلى ما وراء الجدار بعد إجراءات الحكومة الجديدة. اليوم توجد خمسة أحياء كهذه، تابعة للقدس رسميا، ولكنها منفصلة عنها واقعيا. وإذا تواصل ذلك، فإننا سنجد أنفسنا، في القريب، مع أحياء أخرى مسلوخة. يبدو أنه بدأت أمس (..) عملية إخراج حي جبل المكبر إلى ما وراء الجدار. في هذه الأثناء، يجري الحديث عن جدار جزئي، بعد ذلك سيتم استكماله، وفي نهاية الأمر ستخرج الشرطة، وبعد عشر سنوات (كما حدث في أحياء أخرى مثل قلنديا)، لن يتبقى أي ذكر لدولة إسرائيل، باستثناء دفع مخصصات التأمين الوطني. في هذه الحالة، أيضا، توجد شروط واضحة لعزل أحياء عربية».
المعروف أن القدس الشرقية احتلت سنة 1967. وفي السنة نفسها، أقر قانون بضم المدينة إلى تخوم إسرائيل. وبعد سنوات أعلنت إسرائيل القدس بشقيها، الشرقي المحتل والغربي «عاصمة موحدة إلى الأبد لدولة إسرائيل». ومع أن دول العالم امتنعت عن الاعتراف بهذا الضم، ورفضت جميعها، نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، فإن إسرائيل ظلت تتعامل معها كما لو أنها مدينة إسرائيلية. وقد منحت سكانها إقامة دائمة (وليس جنسية)، وسمحت لهم بالتجوال الحر داخل إسرائيل. وطيلة 48 عاما، ظلت إسرائيل تروج بأن سكانها الفلسطينيين يتمسكون بالانتماء إليها، ويرفضون أن يكونوا مواطنين في السلطة الفلسطينية.
وفجأة، مع دخول المستوطنين برئاسة الوزير أوري ارئيل إلى باحة المسجد الأقصى، في مطلع الشهر الحالي، وانفجار المظاهرات العنيفة ضد إسرائيل واحتلالها، عاد النقاش حول «القدس الموحدة» و«العاصمة الأبدية» يتصدر جدول الأبحاث. وأول من أمس، بعد أبحاث ماراثونية دامت خمس جلسات مطولة، قرر المجلس الوزاري الأمني المصغر في حكومة نتنياهو، سلسلة إجراءات أمنية لتضييق الخناق على المتظاهرين، وعلى الشبان المقدسيين الذين ينفذون عمليات طعن للإسرائيليين. ففرضت طوقا على جميع الأحياء، وفصلتها عن بعضها البعض، وعن الأحياء اليهودية الاستيطانية في قلب القدس الشرقية، وكذلك عن القدس الغربية. وحيثما لم تنفذ فصلا كاملا وضعت حواجز مؤقتة، وجعلت الفصل فيها جزئيا. وأقامت حواجز عسكرية على مداخل الأحياء العربية، لتذكر كل من نسي بأن هذه المدينة محتلة بقوة الجيش. والحياة فيها مختلفة تماما عن الحياة في القدس الغربية.
وقد اعترض عدد من وزراء اليمين المتطرف في المجلس على هذه الإجراءات، وقالوا لنتنياهو بأنه بذلك يعيد تقسيم القدس، ويفقد مصداقيته أمام ناخبيه، وحتى حزبه. وقد ارتدع نتنياهو فعلا، فألغى بعض هذه الإجراءات، إلا أن الشرطة والمخابرات أصرتا على ضرورة اتخاذ إجراءات الفصل. وهكذا، أصبحت القدس قدسين بشكل شبه كامل.
ويقول الخبير المقدسي، نحميا شتسلر: «نتنياهو يقسم القدس. ما يحصل هناك اليوم، سيحصل لنا جميعنا غدا. إنه النموذج المصغر لكل ما يمر علينا خلال الـ48 سنة الأخيرة منذ حرب الأيام الستة: انتصار، احتلال، حالة نشوى، تطرف وجنون. فور انتهاء حرب الأيام الستة، عين موشيه ديان لجنة لترسيم حدود القدس. وهو لم يعين خبراء في تخطيط المدن، التاريخ والجغرافيا، وإنما ثلاثة جنرالات كانوا في حينه يعتبرون كنواب للرب: حاييم هرتسوغ، شلومو لاهط ورحبعام زئيفي. وقد رسموا خطة جنونية تم في أعقابها ضم ليس البلدة القديمة الواقعة داخل الأسوار في القدس، فقط، وليس المدينة الأردنية الواقعة خارج الأسوار (6 آلاف دونم) وإنما، أيضا 64 ألف دونم أخرى – أراض واسعة من الضفة الغربية التي لم تكن في أي مرة في التاريخ جزءًا من القدس. ويدور الحديث عن 28 قرية يبلغ عدد سكانها اليوم 330 ألف نسمة – يحملون جميعا بطاقات الهوية الزرقاء ويشكلون 35 في المائة من سكان المدينة – وهذه وصفة مؤكدة للانفجار».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.