نتنياهو يبدأ من برلين حملة لوقف تمويل السلطة الفلسطينية

قمة مقترحة بينه وبين عباس في عمان.. والاتصالات السرية لم تسفر عن شيء حتى الآن

بنيامين نتنياهو
بنيامين نتنياهو
TT

نتنياهو يبدأ من برلين حملة لوقف تمويل السلطة الفلسطينية

بنيامين نتنياهو
بنيامين نتنياهو

قررت الحكومة الإسرائيلية إطلاق حملة سياسية وإعلامية ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها، محمود عباس، تزعم أنها ترمي إلى «كشف الوجه الإرهابي لهما» وتدعو إلى وقف أموال الدعم التي تدفعها دول الغرب. وسيبدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو هذه الحملة من برلين، الأربعاء المقبل، حيث سيلتقي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وقالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوتوبيلي، إن هذه الحملة تأتي بعد «فضيحة أبو مازن الذي اتهم إسرائيل بإعدام الطفل أحمد مناصرة في القدس، بينما هذا الطفل حي ويتلقى علاجًا في أحد المستشفيات الإسرائيلية». وتفوه نتنياهو نفسه بهذه الروح، معتبرًا كلمات عباس «دليلاً على سياسة الوجهين التي يتبعها فيظهر من جهة رجل سلام، ولكنه من وراء الكواليس يشجع الإرهاب ويدافع عنه». وقال نتنياهو إن الطفل المناصرة اعترف في التحقيق بأنه جاء ليطعن يهودًا بالسكين.
وكان عباس قد أخطأ في اسم الطفل الذي قتل بالرصاص الإسرائيلي، فتحدث عن الطفل المصاب أحمد مناصرة (13 عامًا)، بينما هناك طفل آخر هو ابن عمه، حسن مناصرة (15 عامًا)، قتل برصاص إسرائيلي في الحادث نفسه. وقد استغلت إسرائيل هذا الخطأ بشكل فاحش واعتبرت الرئيس الفلسطيني كذابًا وتجاهلت قتلها الطفل حسن ونحو 20 فلسطينيًا غيره، قتل معظمهم بالرصاص مع أنه كان بالإمكان إلقاء القبض عليهم من دون أن يهددوا حياة أحد بالخطر.
وقرر نتنياهو ومساعدوه إطلاق حملتهم الإعلامية والسياسية ضد عباس بالاستناد إلى هذه الواقعة، وأيضًا إلى الادعاء بأن عباس ورفاقه في السلطة ومعهما حماس والحركة الإسرائيلية في إسرائيل تدير حملة تشويه حول الأقصى. فيقولون إنهم لا ينوون تغيير الأمر الواقع في الحرم القدسي الشريف، ويتجاهلون أن شرارة الهبة الفلسطينية اندلعت بسبب قيام وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري أرئيل، بدخول باحات الأقصى وأداء الصلاة فيها وبسبب قيام شرطة الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق الأقصى في وجه المصلين المسلمين كل يوم حتى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، لتتيح للعشرات وفي بعض الأحيان للمئات من المستوطنين دخول باحات الحرم تحت حماية عسكرية.
وتشير هذه الحملة، وفقًا لمصادر سياسية في تل أبيب، إلى استبعاد التوصل إلى تهدئة بين الطرفين، إذ إن الحملة الإسرائيلية جاءت لتصعد من الصدام. وقد كشف مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي، د. دوري جولد، أن لقاء القمة الذي يجري الحديث عنه في اليومين الأخيرين بمشاركة عباس ونتنياهو والملك عبد الله ووزير الخارجية الأميركي، جون كيري، هو مجرد اقتراح أولي. وأضاف خلال حديث مع الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، أمس، أن «هناك اتصالات سرية فعلاً يتم فيها طرح الكثير من الاقتراحات، لكنها لم تسفر عن شيء حتى الآن. وهي مستمرة في الوقت الحاضر وإسرائيل تتعاون معها كما يجب».
وجاء من مكتب نتتنياهو أنه سيجري محادثات مع ميركل في مركزها الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط. ولكن بعد المحادثات الثنائية بينهما سوف ينضم إليهما وزراء من البلدين ليكون الاجتماع السادس للحكومتين. وتجري ألمانيا هذا النوع من «المشاورات الحكومية» مع عدد محدود من الدول من بينها الهند والصين.
وتجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي تهاجم فيه إسرائيل الرئيس عباس على ما تسميه تشجيع الإرهاب، تواصل حكومتها وجيشها محاصرة مدينة القدس وإغلاق الأقصى في وجه غالبية المصلين المسلمين الراغبين بالصلاة فيه والانتشار الضخم لقواتها في شوارع القدس وبقية البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية. وقد اعتبر نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، هذا الانتشار بمثابة احتلال مجدد للمناطق الفلسطينية.
وقد تواصلت الصدامات، أمس، بعد صلاة الجمعة في جميع أنحاء الضفة الغربية. وهاجم الشاب يحيى بركات (23 عامًا) جنديًا إسرائيليًا في مدخل مدينة الخليل المحتلة، فطعنه بالسكين. فأطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلاً. كما قتل فتى فلسطيني آخر قرب نابلس. وعليه ارتفع عدد ضحايا أعمال العنف والهجمات إلى 33 قتيلاً ومئات الجرحى في الجانب الفلسطيني، وسبعة قتلى وعشرات الجرحى في الجانب الإسرائيلي. وامتدت المواجهات في 9 أكتوبر (تشرين الأول) إلى قطاع غزة المقطوع جغرافيا عن الضفة الغربية. وانتشر جنود الجيش الإسرائيلي بكثافة في القدس وكذلك عناصر الشرطة وحرس الحدود حاملين بنادقهم على أكتافهم ويراقبون الساحات العامة والتقاطعات ومحاور الطرقات الكبرى ويجولون في أماكن لم يكن من المعتاد مشاهدتهم فيها. وأعلن الجيش أنه سيتم نشر 300 جندي إضافي الأحد في القدس لتعزيز قوات الشرطة.
وأما الأقصى، فكانت أمس الجمعة الثالثة التي فرض فيها الاحتلال الإسرائيلي قيودًا حرمت عشرات الآلاف المصلين المسلمين من أداء «صلاة الجمعة» في المسجد الأقصى المبارك، تحت ذرائع «الأمن والنظام». وأدى المئات من الفلسطينيين صلاة الجمعة في شوارع القدس وطرقها المؤدية إلى البلدة القديمة وحاراتها وعلى أبواب الأقصى. وكان الاحتلال الإسرائيلي قد منع الشبان الذين تقل أعمارهم عن الـ40 عامًا من دخول المسجد. ولم تكتفِ بذلك، بل ضربت حصارا على المدينة وأغلقت غالبية أبوابها وكذلك أغلقت معظم أحياء القدس في وجه المقدسيين، مما اعتبر عقابًا جماعيًا. وتم تحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية، حيث انتشرت وحدات الاحتلال المختلفة في المدينة (الوحدات الخاصة وحرس الحدود والشرطة والخيالة والكلاب البوليسية)، كما أطلقت المروحية والمنطاد الحراري في سماء المدينة لرصد وتصوير حركة المواطنين.
وأدى كل ذلك إلى خلو المسجد الأقصى تقريبًا من المصلين. وبدت ساحاته خالية تمامًا من المصلين، وأغلقت معظم أبوابه باستثناء أبواب (الأسباط والمجلس والسلسلة والمطهرة)، ونصبت عليها الحواجز والسواتر الحديدية وتمركزت قوات الاحتلال عليها وراحت تحتجز بطاقات الهوية. وقال الشيخ عزام الخطيب، مدير عام الأوقاف، إن نحو 5 آلاف مصلٍ فقط أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، أمس، مستنكرًا القيود الإسرائيلية على دخول المصلين وحرمانهم من الوصول إلى أماكن العبادة بحرية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».