معهد الدراسات الاستراتيجية: استهداف موسكو المعارضة المعتدلة «أسوأ سيناريو في سوريا»

إميل حكيم أكد لـ («الشرق الأوسط») أن الأسد خلق الظروف المواتية لصعود «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية

في الاطار إميل حكيم خبير معهد  الدراسات الاستراتيجية
في الاطار إميل حكيم خبير معهد الدراسات الاستراتيجية
TT

معهد الدراسات الاستراتيجية: استهداف موسكو المعارضة المعتدلة «أسوأ سيناريو في سوريا»

في الاطار إميل حكيم خبير معهد  الدراسات الاستراتيجية
في الاطار إميل حكيم خبير معهد الدراسات الاستراتيجية

تحولت روسيا فجأة من دولة كانت تدعي تبنيها للحل السياسي للأزمة السورية، وترحب باستضافة اللقاءات بين المعارضة السورية والنظام إلى طرف متحيز للنظام في الحرب، وفجأة أيضًا شطبت روسيا المعارضة السورية والجيش السوري الحر من الوجود، وصار الصراع المسلح الدائر في سوريا بالنسبة إليها صراعا بين النظام السوري والإرهاب، وصارت تقصف قصفا مدمرا بسلاح طيرانها الشعب السوري برمته بذريعة محاربة «داعش». ولقد صار لـ«داعش» مدلول عندها أوسع من المدلول المتداول لدى الدول الغربية، حيث صار كل من يحمل السلاح ضد النظام السوري داعشيا. «الشرق الأوسط» أجرت حوارا مع د. إميل حكيم، أبرز خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن، الذي انفرد بأكثر من مقال عن «داعش» والوضع الاستراتيجي على الأرض في سوريا في التقرير السنوي الذي نشرته «الشرق الأوسط» منذ أسابيع قليلة. يقول حكيم: «استثمرت إيران كثيرا في بقاء نظام الرئيس الأسد، لكن هذا لا يعني أن إيران تقاتل في دمشق. وفي الواقع، تفضل إيران تطوير وتعزيز الحلفاء والوكلاء المحليين بدلا من التدخل المباشر المكلف. وقد أرسلت طهران مستشارين وأفرادا بدرجة عالية من التخصص لمساعدة قوات الأسد في التأقلم مع الحرب الدائرة».
وجاء الحوار على النحو التالي:
* ما التكوين الفعلي لتنظيم داعش من حيث الخلفية القومية والعرقية؟
- «داعش» عبارة عن مجموعة متنوعة للغاية، لديه عناصر عراقية وسورية قوية، بجانب 30 ألف مقاتل أجنبي (بينهم عرب وآسيويون وقوقاز وغربيون). ويعد هذا التنوع مصدر قوة وضعف في نفس الوقت. ويمتلك «داعش» استراتيجية اتصالات مجزأة للتجنيد والتعبئة: يخبر الجماهير المتنوعة بأشياء مختلفة.
* تفيد تقارير عدة بوجود علاقات وثيقة بين «داعش» وحكومة الرئيس الأسد تعود إلى عام 2012، فما تقييمك لذلك؟
- لا توجد أية علاقات وثيقة بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم داعش. ولم ينشئ الأسد تنظيم داعش، لكنه خلق الظروف المواتية لصعود التطرف ممثلا في «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية في الداخل السوري،، من خلال إطلاق المتشددين، كذلك أساليب القمع الوحشي الذي اتخذته السلطات السورية بحق الانتفاضة، فقد ارتأى الأسد أن نمو التنظيمات المتطرفة يؤكد صحة روايته، ويعقد الأمور أمام المعارضين، ويضع عراقيل أمام الغرب. ومن الممكن أن تكون المخابرات السورية تسللت عبر «داعش».
ويتشارك «داعش» والأسد هدف تقويض المعارضة المعتدلة، وهذا يفسر التفاهم غير المعلن الذي حكم علاقاتهما لبضع سنوات، ويمنع قتال بعضهما لبعض بشكل مباشر. وقد تفكك هذا التفاهم الآن.
* ما الذي نعرفه عن الهياكل الإدارية والمالية والسياسية لـ«داعش»؟
- «داعش» هو تنظيم لا مركزي إلى حد كبير. وفي حين أن الشورى تجمع كبار قادته، إلا أن الأمراء الإقليميين مخولون بالحكم والتقدم على النحو الذي يرونه مناسبا.
* ما مدى صحة تقارير الانشقاقات في صفوف «داعش» بين «المواطنين» من أصل سوري وعراقي و«المهاجرين» من أراض أخرى؟
- تواردت التقارير حول وجود توتر بين صفوف «داعش». وباعتباره تنظيما متنوعا، هناك بالفعل فجوات ثقافية وتطلعات متفاوتة. ويمتلك المقاتلون العراقيون والسوريون دوافع مختلفة عن المقاتلين الغربيين، الذين لديهم رغبة قصوى في الحكم الإسلامي. وغالبا ما يشتكي أعضاء «داعش» العرب من معاملة المقاتلين الغربيين بشكل أفضل، بينما يشعر الجهاديون الغربيون في كثير من الأحيان بالتلاعب بهم من قبل المقاتلين العرب.
* ما حجم الوجود العسكري الإيراني في سوريا؟
- استثمرت إيران كثيرا في بقاء نظام الرئيس الأسد، لكن هذا لا يعني أن إيران تقاتل في دمشق. وفي الواقع، تفضل إيران تطوير وتعزيز الحلفاء والوكلاء المحليين بدلا من التدخل المباشر المكلف. وقد أرسلت طهران مستشارين وأفرادا بدرجة عالية من التخصص لمساعدة قوات الأسد في التأقلم مع التمرد. وتقول بعض المصادر إن ما يصل إلى 7000 عنصر إيراني في سوريا. وما لا يمكن إنكاره أن إيران فقدت عددا من كبار الضباط في سوريا.
* هل هناك آلية للتنسيق بين روسيا وإيران والنظام السوري؟
- مما لا شك فيه أن هناك تنسيقا على مستوى عالٍ بين الأطراف الثلاثة، لكننا لا نعرف حتى الآن الآليات بالتحديد.
* يكتنف الغموض العلاقات بين «داعش» وتركيا، هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ذلك؟
- بعد إدراك حدود قوتها الخاصة في 2011 – 2012، قدمت تركيا عملية حسابية محفوفة بالمخاطر بأن الحركات الإسلامية المتشددة التي تنمو في سوريا قد تضعف الأسد، ويمكن إدارتها والسيطرة عليها لاحقا. وأصبحت تركيا متراخية إزاء صعود الجهادية، التي ساهمت في الوضع الحالي.
* تزعم التقارير الاستخباراتية الغربية أن نظام الأسد ليس متحدا في مسألة قبول الرعاية الروسية والإيرانية. كيف تقيم التقارير عن وجود فصيل موال للغرب داخل النظام؟
- هناك بالتأكيد جدل داخل النظام حول الاستراتيجية المقبلة، لكن لا توجد أية دلائل على خلافات كبيرة بشأن التحالف مع إيران وروسيا، الذي يعد ضروريا لبقاء نظام الأسد. ولا أرى فصيلا مواليا للغرب هناك الآن، لكن أعضاء النظام الذين يرغبون في الحصول على الإذعان الغربي للنظام ما زالوا في السلطة.
* من وجهة نظرك ما أسوأ سيناريو لسوريا؟
- يستمر الوضع في التفاقم، لذلك من الصعب تحديد سيناريو واحد. لكن أحد هذه السيناريوهات سيكون: مواصلة روسيا ونظام الأسد في التركيز على مهاجمة المعارضة المعتدلة، بينما يغتنم «داعش» هذه الفرصة لمهاجمة نفس المعارضة، وانسحاب الغرب بقيادة الولايات المتحدة من الصراع.
* ماذا كانت أبرز النيات الروسية وراء لجوء موسكو إلى التدخل المباشر في سوريا؟ متى يمكن أن نتوقع بدءها في الهجوم البري؟
- تسعى روسيا أولاً وأخيرًا إلى تأمين بقاء الأسد. وقد خلصت من التقييمات التي أجرتها على مدار الربيع والصيف إلى أن الأسد يتهاوى بسرعة، لذا رغبت في وقف هذا التداعي وتعزيز قوته. وتدرك روسيا أنه حال سقوط الأسد فإنه لن يتبقى نظام حاكم داخل سوريا. وعليه، لن يبقى أمامها سوى التعامل مع مجموعة من لوردات الحرب العلويين وأذناب النظام السابق. وليس لدى موسكو استعداد أو قدرة للقيام بذلك. وباعتبارها قوة عالمية، ترغب روسيا في التعامل مع حكومة، مهما كانت ضعيفة، لأن وجود حكومة يضفي شرعية على مشاركة موسكو ويمكنها من الاستشهاد بالقانون الدولي، حتى وإن كان على نحو مراوغ، في إطار ألاعيبها السياسية.
ولا أعتقد أن روسيا ستبدأ عمليات برية خاصة بها. قد تنشر مستشارين إلى جانب قوات الأسد، لكن تبقى الميزة الكبرى التي تحملها معها روسيا كامنة في القدرات الاستخباراتية وقدرات المراقبة والاستطلاع، بجانب القوة الجوية. يذكر أن نقطة تفوق الأسد في السنوات الأخيرة على المعارضة تمثلت في القوة الجوية، لكنها لم تبلغ درجة كافية من التقدم تمكنها من توفير دعم تكتيكي للقوات على الأرض (وإنما كانت متقدمة بما يكفي لأن تدمر مدنًا وتقتل مدنيين وتحول كثير من أرجاء سوريا إلى جحيم). من المقرر أن تسد الطائرات والمروحيات الروسية هذه الفجوة، وتوفر الدعم للعمليات البرية لنظام الأسد ضد المسلحين الإسلاميين وغير الإسلاميين، وكذلك ضد «داعش» عند لحظة معينة.
في غضون شهور قليلة، سيتداعى التيار الرئيسي من المعارضة المسلحة الذي تحاربه روسيا وإيران والأسد، ما سيدفعه نحو الراديكالية، بينما سيبقى «داعش» قائمًا. وأعتقد أن روسيا حينها ستطرح خطة على الولايات المتحدة ودول أخرى تقضي ببقاء الأسد في السلطة وتقديم حد أدنى من التنازلات (بعض السلطات الإضافية لرئيس الوزراء، وعقد انتخابات تنطوي على إشكاليات جمة، والسماح للمعارضة «الصحية» فحسب بالانضمام إلى المشهد السياسي، وما إلى غير ذلك). في ذلك الوقت، ستقدم موسكو نفسها كقوة نبيلة وبناءة وستخبر العالم بأنه: «لقد أحضرنا الأسد، فمن تستطيعون إحضاره؟»، هذا الوضع لن يكون مقبولاً لدى المسلحين والمعارضة، لكن الأولى ستكون قد استنزفت وتحولت إلى الراديكالية، بينما الثانية ستكون منقسمة على نفسها. هذه هي خارطة الطريق الروسية، على الأقل كما أفهمها.
* كيف يمكن أن نرسم خطًا فاصلاً بين أين تبدأ المصالح الروسية وأين تنتهي المصالح الإيرانية؟ هل هناك أية نقاط اختلاف خفية؟
- على المدى القصير، ليس هناك خلاف استراتيجي بين روسيا وإيران، فكلاهما يتفق على الحاجة إلى ضمان بقاء الأسد، وحريص على ملء الفجوة التي خلقها تراجع الولايات المتحدة عبر خلق تحالفات جديدة في المنطقة. حتى الآن، يحالف هذه الاستراتيجية النجاح، وطالما أنها تنجح سيبقى في الإمكان تسوية الخلافات بين الدولتين. إلا أنه على المدى المتوسط ربما لا تتوافق الاستراتيجيات الروسية والإيرانية تمامًا.
من جانبها، تشعر إيران بالسعادة لعملها من خلال حلفاء ووكلاء داخل سوريا مثلما فعلت في دول أخرى. أما روسيا فتفضل دعم الحكومة وإعادة بناء قوتها العسكرية بمرور الوقت. وهنا تكمن المفارقة، فإيران اليوم قد تضمن مصالحها داخل سوريا من دون الأسد، بينما يتعذر على روسيا ذلك (رغم أن كليهما يفضل بوضوح بقاء الأسد - إننا هنا نتحدث عن خطط طارئة).
وقد تكون موسكو وطهران قد اتفقتا بالفعل على تقسيم العمل بينهما، من حيث المهام والمناطق. وسوف نعاين ذلك خلال الأسابيع المقبلة، لكن تبقى الحقيقة أن لكل منهما قدراته الخاصة وموارده التي يوجهها نحو القتال.
بمرور الوقت، ستنبع التوترات من الرغبة الروسية في إصلاح وكبح جماح الميليشيات المتنوعة التابعة للنظام، خصوصا قوات الدفاع الوطني. وقد استثمرت إيران بصورة هائلة في بناء بعض من هذه الميليشيات كسياسة تأمينية ضد سقوط نظام الأسد.
* بالنظر إلى عدم الفعل الأميركي، إلى أي مدى ستتحرك روسيا؟ هل ستقبل واشنطن تداعيات ظهور نظام إقليمي تهيمن عليه روسيا في الشرق الأدنى؟
- يتمثل هدف أوباما في عدم التورط على نحو يصعب الفكاك منه داخل سوريا، مهما كانت تكاليف ذلك بالنسبة للمصداقية والنفوذ الأميركيين. وبغض النظر عن مدى الحرج الذي يسببه له ذلك، فإن التصعيد الروسي يخدم على الأقل هذا الغرض، حيث يمكن لأوباما التوجه إلى الرأي العام والنخبة داخل أميركا وقول: «هل تودون حقًا المخاطرة بالتصعيد في مواجهة روسيا حول سوريا، حيث ليس هناك ما يمكن الفوز به بتكلفة معقولة؟».
من جهته، لا يبدي أوباما اهتماما بالحفاظ على النظام الأميركي المتداعي أو تصميم آخر جديد، وإنما وضع نصب عينيه مصالح أميركية أكثر ضيقًا، ويتفق معه في ذلك كثير من الأميركيين. يعتقد أوباما أن الولايات المتحدة لا يمكن ولا ينبغي أن تكون المصمم الرئيسي والضامن الأساسي لأمن الشرق الأوسط. وعليه فإنه مع تمترس الولايات المتحدة إقليميًا، تظهر فجوة أمام إيران، والآن تسارع روسيا لسدها ومحاولة إعادة تصميم التحالفات بالمنطقة. وقد تمنى هذه الجهود بالفشل وتأتي على حساب تكلفة باهظة لكلا البلدين (وهو الاعتقاد السائد داخل معسكر أوباما)، لكن على المدى القصير يبدو البلدان انتهازيين وبلا هوادة في مساعيهما وراء جني مكاسب.
* هل تعتقد أن واشنطن تأمل في - وتعمل من أجل - هزيمة إردوغان في تركيا، على أمل أن يضعف هذا من شوكة الإسلاميين؟
- ليست لدي أدنى فكرة، فأنا لست متخصصًا في الشأن التركي، لكن أشك في أن واشنطن تتدخل في الانتخابات التركية.
* هل بإمكان المعارضة السورية البقاء حال تعرضها لضربات جوية روسية بالتزامن مع هجوم إيراني بري، ولا مبالاة أميركية واضحة؟
- ستواجه المعارضة السورية المسلحة شهورًا عصيبة للغاية، ذلك أن اتحاد جهود طهران وموسكو و«حزب الله» والأسد من المحتمل أن يسفر عن انتكاسات حقيقية على الأرض. وعليه، وبالنظر إلى الشعور بأن الغرب قد تخلى عنهم، فإن المعارضة المسلحة من المحتمل أن تتحول إلى الراديكالية وترفض أي مسار سياسي، بل إن المعارضة السياسية، في ظل ما تعانيه من ضعف وانقسام، ستواجه معضلة: رفض الحوار برعاية روسية ورعاية الأمم المتحدة والظهور بمظهر الرافض للتعاون مع المجتمع الدولي أم قبوله ومواجهة غضب المسلحين ورفضهم.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.