كانت هناك بعض اللحظات عندما تثير الرياح الغبار في الفضاء الصحراوي المنبسط الذي تغطيه بعض الشجيرات المتناثرة هنا وهناك، ثم تصنع حبيبات الرمل العالقة بالهواء حجابا برتقالي اللون يحجب أشعة الشمس. وبين الحين والآخر، يسمع دوي صفق الأبواب بسبب الرياح التي تعصف بالمنازل بين الفينة والأخرى، وفي هذه الأثناء، يبدو الأمر وكأنه لا تزال هناك حياة في مدينة تاورغاء (تتبع محافظة مصراتة وتبعد عن مدينة مصراتة 40 كيلومترا إلى الغرب)، ويتخيل المرء أنه في أي لحظة سيعود الناس لبيوتهم ليزيلوا الكتابات من على جدران المنازل، ويصلحوا النوافذ، ثم يلبسوا أحذيتهم التي تركوها متناثرة على درجات السلم ليستأنفوا ما كانوا يفعلونه قبل مغادرتهم منازلهم. لكن فجأة، هدأت العواصف الرملية بنفس السرعة التي هبت بها. وعندما انقشع الغبار، ظهرت المدينة في حالة مزرية: أفق ممتد تغطيه أشجار النخيل الصريعة على الأرض.. بيوت محترقة وهياكل سيارات يعلوها الصدأ.
يصف البعض تلك الصورة، التي ظهرت عليها مدينة تاورغاء، بأنها عار على الثورة الليبية. كانت تاورغاء هي الضحية التي شهدت قدوم متمردي مصراتة للأخذ بثأرهم بسبب الحصار الدموي الذي استمر ثلاثة أشهر ضد مدينتهم. دفعت تاورغاء ثمن ولائها للقذافي، حيث إنها استضافت - على مدى ستة أشهر - قوات النظام التي كانت تطلق القذائف وصواريخ «غراد» باتجاه مدينة مصراتة. غير أنه بعد أن استطاع الثوار كسر الحصار والتقدم باتجاه تاورغاء في أغسطس (آب) من عام 2011، تراجع جيش القذافي من دون قتال وترك أهل المدينة عزلا من دون سلاح. وعندما وصل المتمردون إلى تاورغاء، طاردوا أهلها وأخرجوهم منها، ثم أشعلوا النيران في منازلهم للتأكد من أنهم لن يعودوا إليها مرة أخرى. في الماضي كان يعيش 40 ألف نسمة في تاورغاء، أما الآن فالبلدة خالية تماما من الحياة. قدرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نحو 170 ألف نسمة تشردوا خلال النزاع في ليبيا، لكن البلاد شهدت عملية إعادة توطين سريعة إلى حد كبير. وقد عاد أكثر من ثلثي هذا العدد بالفعل إلى ديارهم أو جرى تسكين بعضهم بشكل دائم في أماكن أخرى. لكن جميع الذين فروا من بلدة تاورغاء ما زالوا يعيشون في مخيمات بائسة مؤقتة في طرابلس وبني وليد وبنغازي.
* كفى إراقة للدماء
* وفي رقعة أرض خالية من الماء بجانب الطريق السريع المزدحم على مشارف طرابلس، يقود طريق وعر زلق إلى مجموعة من الثكنات - المبنية من كتل خرسانية - والتي يعيش بها ثلاثمائة أسرة من بلدة تاورغاء على مدى العامين ونصف العام الماضية. لم يجر بناء تلك الثكنات لتكون منازل دائمة، حيث كانت قد جرى بناؤها كوحدات لإقامة العمال المؤقتين من قبل شركة تركية غادرت ليبيا على عجل عندما اندلع القتال في عام 2011. داخل تلك البنايات، تشعر بحرارة شمس فبراير (شباط) خانقة بالفعل. لم تكن هناك حمامات خاصة أو أي نظام للتخلص من النفايات في ذلك المخيم، الذي تصل إليه رائحة كريهة بسبب حرق القمامة عبر مدخل المخيم. وقد توفر أخيرا صهريج ينقل مياه الشرب للمخيم، حيث كان الناس يشربون المياه المالحة من نهر قريب.
تبدو النساء هن اللائي يحافظن على تماسك عائلاتهن الآني. وعند البناية تلو الأخرى، ترى الزوجات يقفن وقد تشبث الأطفال بأرجلهن. وتحكي كل واحدة منهن كيف جرى اعتقال أزواجهن وأبنائهن الكبار من قبل ميليشيات مصراتة. تقول إحداهن: «كفى إراقة للدماء، نريد فقط أن يعود إلينا أبناؤنا الذين يقبعون في السجون في الوقت الحالي»، ثم انهارت باكية. الأمر الصادم حقا هو السرعة التي ذرفت بها دموعها؛ فقبل تلك الدموع بدقيقة واحدة، كانت تغطي وجهها ابتسامة عريضة وهي ترحب بنا في منزلها. لكنها عندما انفجرت باكية بصوت عال، أصبح واضحا أن دموعها لم تكن بعيدة جدا عن السطح.
أما «زهرة»، فلم يكن لديها أدنى أمل تتشبث به في ما يخص عودة زوجها المعتقل. كان زوج «زهرة» يقود سيارته في طرابلس خلال أيام الفوضى التي أعقبت سقوط تاورغاء في يد قوات الثوار، عندما جرى إيقافه عند نقطة تفتيش ميليشيا من مصراتة. ألقي القبض عليه واقتيد إلى أحد الأماكن، ولم تسمع عنه عائلته أي أخبار لما يقرب من شهر. وأخيرا تلقت «زهرة» مكالمة تخبرها أن زوجها يرقد ميتا في أحد مستشفيات مصراتة. وعندما أحضرت جثته إلى المخيم، لاحظت «زهرة» وجود علامات التعذيب على جسد زوجها. أصرت «زهرة» على أن جريمة زوجها الوحيدة هي أنه كان من أهالي بلدة تاورغاء. تقول «زهرة» عن زوجها إنه «لم يكن عضوا في الجيش النظامي ولم يشترك في الحرب. لقد اعتقلوه عشوائيا من الشارع بسبب بشرته السوداء».
ومثل «زهرة»، هناك العديد من أبناء بلدة تاورغاء يؤمنون بأن العنصرية تعد أحد الأسباب الرئيسة وراء المحنة التي يواجهونها. ويتحدر سكان تاورغاء من عبيد غرب أفريقيا الذين يتميزون ببشرة داكنة أكثر من غالبية الليبيين. وعلى الرغم من أنهم عاشوا في البلاد على مدى عدة قرون ويتحدثون اللغة العربية ويدينون الإسلام ويعيشون في سلام جنبا إلى جنب مع باقي الليبيين قبل الثورة، فإنهم يعتقدون أنهم قد وضعوا بالتبعية في خانة المرتزقة الأفارقة السود الذين جنّدهم القذافي للقتال إلى جانب جيشه خلال الصراع.
لكن المسألة تبدو أكثر تعقيدا. يقول مبروك ميدويسي، وهو زعيم محلي من تاورغاء: «لقد هتف جميع أبناء تاورغاء (يعيش القذافي!)». وأضاف ميدويسي، الذي كان جالسا في مكتبه الصغير على مشارف المخيم: «جميع أبناء تاورغاء من الفقراء، ولكن عندما سأل القذافي عما نريده، قلنا (نريد أن نراك بصحة جيدة فقط)».
كان القذافي يرى أهل تاورغاء كحلفاء. وقبل بضع سنوات من الثورة، بنت الحكومة 1.500 منزل جديد لأهالي البلدة، وقام القذافي نفسه بزيارة رسمية إلى البلدة في عام 2010. وعندما اندلعت شرارة الثورة، كان أهل تاورغاء سعداء إلى حد كبير باستضافة قوات النظام، حيث كانت النساء يقمن بطهي الطعام لهم، كما انضم الكثير من رجالها للقتال ضد متمردي مصراتة. يقول مبروك ميدويسي «عدّ رجال تاورغاء أنفسهم يحمون البلاد ضد المتمردين والميليشيات المسلحة. غير أن ذلك يبدو مشكلة كبيرة في الوقت الحالي لأنه بسبب انضمام البعض للقذافي، يجري معاقبة أهل تاورغاء بشكل جماعي الآن».
* رواية أخرى
* لكن الكثير من أهل مصراتة يصرون على أن العنصرية ليست هي القضية الأساسية. وفي غرفة معيشة أنيقة في منزل يقع في إحدى ضواحي مصراتة، جلست سميرة وزوجها صالح على أريكة تعلوها صور لابنهم «فؤاد». كان سلاح الـ«آر بي جي» الخاص بفؤاد يستند إلى أحد أركان الغرفة. تقول سميرة «في أحد الأيام، عاد ومعه السلاح وقام بإخفائه وراء الباب، وقد وجدته عندما كنت أقوم بالتنظيف في صباح اليوم التالي. كنت سأشعر بدهشة كبيرة إذا علمت أن فؤاد يستطيع حتى استخدام مسدس صغير قبل الثورة، لكنه أصبح مشهورا بمهاراته في استخدام سلاح (آر بي جي) بعدها. كان الناس يدعونه عندما يريدون التخلص من إحدى دبابات النظام».
عندما بدأت الثورة، ترك فؤاد عمله في مدينة سرت ليعود إلى مسقط رأسه في مصراتة للانضمام للواء الشهداء. وخلال حصار المدينة عندما كانت قوات القذافي تقصف المدنيين المحاصرين وتعمل على تجويعهم، انخرط فؤاد للقتال إلى جانب أصدقائه في الخطوط الأمامية. وعندما اشتد القتال، أصبحت زياراته للمنزل أقصر، وزاد قلق أبويه عليه. وخلال الأيام التي اشتد فيها وطيس القتال، كان صالح يذهب إلى المستشفى لمراجعة قوائم الضحايا الذين سقطوا خلال المعارك.
ويظهر فؤاد مع رفاقه الثوار في إحدى الصور المعلقة فوق الأريكة. يبدو فؤاد وهو يعتمر قبعة صحراوية وقد تدلّت على وجهه، لكنها لم تخف الابتسامة العريضة التي ارتسمت على ملامحه، كما لم تخف حقيقة أنه - مثل كل أهل تاورغاء - يمتلك بشرة داكنة. يقول والده صالح «أهالي بلدة تاورغاء لا يملكون من أمر بشرتهم الداكنة شيئا. هناك الكثير من الناس ذوو بشرة داكنة في مصراتة. ويبدو من الصعب تقبل أولئك الذين يتحملون مسؤولية ما حدث هنا. وحاليا، لا نستطيع العيش في نفس المنطقة تحت اسم أبناء منطقة تاورغاء. إذا عاد أهل تاورغاء إلى بلدتهم، فسوف ينتهي الأمر بقتال شديد بين تاورغاء ومصراتة».
كانت هناك صورة أخرى لفؤاد معروضة في مصراتة. فقد ظهرت الإصابة التي تلقاها في الرأس بجانب مئات آخرين في صور علقت على جدران متحف الثورة في المدينة، وهو مبنى يقع في شارع طرابلس يمتلئ بالأسلحة المستخدمة من قبل المتمردين خلال الثورة، بالإضافة إلى مجموعة من التذكارات من باب العزيزية (مقر إقامة القذافي) بما في ذلك القبضة الشهيرة التي تمسك بطائرة أميركية، وكذلك نصب تذكارية للرجال والنساء الذين فقدوا حياتهم أثناء الصراع.
في الثاني عشر من يونيو (حزيران)، تلقى صالح وسميرة الخبر الذي كانوا يخافون دوما من سماعه: قتل فؤاد في إحدى المعارك وذلك قبل شهرين فقط من نهاية حصار مصراتة. كانت صورته هناك، جنبا إلى جنب مع كل الآخرين.
وكان هناك ركن من أركان المتحف خصص لعدد من أبناء تاورغاء. ولكن هذا لم يكن مكانا لنصب تذكاري - كان لائحة اتهام. كانت الصور هنا صورا للمطلوبين للعدالة، معلقة بجانب قوائم مكتوبة بخط اليد لأسماء أشخاص من تاورغاء، والذين يزعم المصراتيون أنهم ارتكبوا أعمال الاغتصاب المنظم ضد المدنيين. ويقول المصراتيون أيضا إن استخدام الطوارق للاغتصاب كسلاح في الحرب يميزهم عن سكان أي من المدن الأخرى دعمت واستضافت قوات القذافي خلال الثورة، وإن هذه الاتهامات عمّقت من سوء العلاقات بين المجتمعين هنا إلى درجة أن أي مصالحة تبدو، في هذه المرحلة، مستحيلة.
* اعتداءات
* إلى الغرب من تاورغاء، على طريق العودة إلى مصراتة، هناك بلدة أخرى عانت من نفس المصير خلال الثورة. فقد استضاف أبناء مدينة العالم أيضا قوات القذافي أثناء الحصار، وأحرقت البلدة أيضا مع تقدم الثوار. ولكن الأهالي عادوا إلى العالم، وجرى توطينهم مرة أخرى في نفس المنطقة التي كانوا يعيشون فيها في السابق، في صفوف مرتبة من المنازل الجاهزة الجديدة المتطابقة إلى حد كبير مع المساكن الواقعة في تاورغاء المقفرة.
ويوضح أيمن، وهو شاب مصراتي قاتل مع كتائب الشهداء، لماذا جرى التعامل مع اثنين من هذه البلدات المجاورة بشكل مختلف. وقال «هناك أناس اتهموا بارتكاب جرائم اغتصاب في العالم»، لكن هؤلاء الناس جرى تسليمهم وهم في السجن الآن. هناك الكثير من الناس من أبناء مدينة العالم الذين يعملون في مصراتة، ولم تكن هناك أي مشاكل على الإطلاق - والتي هي أيضا سكانها سمر. المشكلة مع أبناء منطقة تاورغاء، الذين رفضوا تسليم أي شخص.
أسفل هذه القشرة الخارجية من السيارات السريعة وموسيقى الهيب هوب والمقاهي، لا تزال ليبيا دولة محافظة إلى حد بعيد. فجريمة الاغتصاب قضية يفضل في كثير من الأحيان السكوت بدلا من الحديث عنها، فالنساء اللاتي جرى الاعتداء عليهن قد يعاملن في كثير من الأحيان كمنبوذات لا ضحايا. فأي امرأة تعرضت للاغتصاب قد تجد صعوبة، إن لم يكن استحالة، في العثور على رجل مستعد أن يتزوجها، فهذه بمثابة وصمة اجتماعية تعني أن ضحايا الاغتصاب يؤثرن في كثير من الأحيان الصمت بدلا من تقديم مهاجميهم إلى العدالة. وقد سعى المحققون بشدة للعثور على نساء في مصراتة يشهدن بأنهن تعرضن للاغتصاب على أيدي رجال من أهالي البلدة أثناء النزاع، لكن هذه الاتهامات لن تكتمل، حتى وإن جرى تسليم الجناة المزعومين للمحاكمة، حيث يصر المصراتيون على أن شعب تاورغاء لن يسمح لهم بالعودة إلى مدينتهم.
وفي الوقت ذاته، يصر أبناء تاورغاء على أنهم لن يرحلوا إلى أي مكان آخر، وأنهم إذا أعيد توطينهم مرة أخرى، فسوف يكون في مكان واحد فقط هو تاورغاء. يقول مبروك ميدويسي: «تقول الحكومة: لا تعودوا مرة أخرى، إذا عدت فسوف تهاجمك قوات مصراتة. الكل هنا يقول إنه سيكون علينا الانتقال إلى مكان آخر. ولكن كل ما أريد القيام به هو العودة. كيف يمكن أن أومن بهذه الثورة إذا بقيت خارج بيتي؟!».
تحولت قضية تاورغاء إلى إحدى أكثر القضايا الشائكة التي تواجه وزير العدل الليبي صلاح الميرغني. على الرغم من أن الصراع في ليبيا كان قصيرا نسبيا، فإن الانقسامات بين أبناء ليبيا ينبغي أن تلتئم حتى تتمكن البلاد من المضي قدما وتصبح ديمقراطية موحدة وفاعلة. وقال الميرغني: «ضحايا الاغتصاب هم مصدر الكراهية في هذا المجتمع. فالأمور تمضي على ما يرام إلى أن يجري التطرق إلى هذه القضية، وحينها تشعر أنك قد اصطدمت بحائط».
يعترف الميرغني بأن حكومة المؤتمر الوطني العام الانتقالية كانت بطيئة في معالجة هذه المسألة، على الرغم من أنه من المعروف أن الاغتصاب كان سلاحا أجاز النظام استخدامه خلال الثورة. وحدد القرار الصادر عن وزارة العدل الأسبوع الماضي الخطوط العريضة لعدد من الخيارات في مساعدة الضحايا في هذا المجتمع الإسلامي المحافظ للاعتراف بهن والخروج من محنتهن. أحد الاقتراحات هو تقديم المال لآباء الضحايا للحج، وبالتالي تحسين وضعهم الاجتماعي وزيادة فرص بناتهم الضحايا في العثور على أزواج. وقال الميرغني: «ينبغي علينا معالجة هاتين القضيتين في آن واحد وألا نتحدث عن أبناء تاورغاء فقط لأن مصراتة عانت أيضا الكثير خلال الثورة. ليس لدينا خبرة في التعامل مع حالات الاغتصاب الجماعي، حتى خلال الحقبة الاستعمارية، ويمكنك أن ترى مدى صعوبة التعامل معها. ولكن الضحايا يتعرضن للإهمال وهو ما يغذي الرغبة في الانتقام».
وربما يبدو أن ميليشيات مصراتة تقدمت في نهاية الأمر لملء الفراغ الذي تركه نظام العدالة المتعثر في ليبيا. وقد جرى القبض على مئات الرجال من أهالي تاورغاء وزج بهم في سجون يديرها المتمردون من دون خضوعهم لأي محاكمات أو حتى السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم.
يزعم «محمد»، وهو رجل في منتصف العمر، أنه ليس لديه فكرة عن سبب احتجازه في أحد مراكز الاعتقال في مصراتة، كما لا يعرف متى سيجري إطلاق سراحه. وكان محمد قد نجا من الفوضى التي اجتاحت تاورغاء وكان يعمل في أحد البنوك في طرابلس عندما ألقى القبض عليه اثنان من الجنود من مصراتة في سبتمبر (أيلول) 2011. يقول محمد: «جاءوا إلى مكتبي وسألوني عما إذا كنت من أهالي تاورغاء، فأجبت بنعم، فقالوا لي إنه عليّ الذهاب معهم للإجابة عن بعض الأسئلة، وبعد ذلك سيطلقون سراحي. لكنني ما زلت أقبع هنا». ويشير محمد إلى أنه لم يشارك في القتال، مضيفا: «أنا لا أعرف ما هي التهمة الموجهة لي بالضبط. الشيء الوحيد الذي أعرفه أنني من أهل تاورغاء».
وبالعودة مرة أخرى إلى المخيم، الذي يقيم فيه نازحو تاورغاء، يؤكد مبروك على وجهة نظره أن «المشكلة هي أن أهل مصراتة لديهم العديد من أشرطة الفيديو التي تظهر أن جميع من جاء إلى مصراتة من جيش القذافي يمتلك بشرة داكنة. لذلك عندما تقول نساء مصراتة إن رجالا ذوي بشرة داكنة اعتدوا عليهن، فإن الجميع يقول ببساطة إن هؤلاء المعتدين من أهالي تاورغاء». غير أنه بدأت تظهر في الأفق علامات - وإن كانت قليلة - على قرب التوصل إلى مصالحة. يقول الميرغني إن هناك قضايا يجري الإعداد لتحريكها ضد 38 شخصية رفيعة المستوى من نظام القذافي متهمين بالتحريض وتنظيم عمليات اعتداء جماعية ضد المدنيين خلال الثورة. غير أنه سيكون من الصعب رفع دعاوى ضد الأفراد الذين نفذوا عمليات الاعتداء تلك، ولكن حتى يحدث ذلك ستبقى تاورغاء بقعة سوداء في ليبيا الجديدة.