ما إن أعلنت اللجنة العليا لجائزة الإبداع العراقي في العاصمة بغداد، عن فتح باب الترشيح لنيل جائزة عام 2015 وشروط المشاركة والحقول المعرفية المشمولة بها، حتى أثارت جدلاً كبيرًا واتهامات متبادلة بين أوساط المثقفين والفنانين في العراق بشأن آلية الاختيار وضيق الوقت المخصص للمشاركة وعدم وضوح بعض فقراتها، وعدم شمولها على كل فنون الإبداع، في الوقت الذي عدها آخرون بوابة جديدة لتجاوز الأخطاء التي صاحبت الجوائز الماضية بكونها مركزية ومرتبطة بوزارة الثقافة وبإشراف لجان مختصة، كذلك ابتعادها عن الهيمنة الحزبية وتأثيرات الشخصيات المتنفذة في اختيار المبدعين.
وكانت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية قد أعلنت عن فتح باب الترشيح لجائزة الإبداع العراقي لعام 2015 ويستمر التقديم لغاية العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وأن النسخة الجديدة من الجائزة هذا العام تخص الإبداع العراقي فقط وتشتمل على حقول الفنون والثقافة للعراقيين سواء كانوا في داخل العراق أو خارجه، والجائزة ستكون سنوية ويجري توسيعها لتشمل حقولا أخرى في الأعوام القادمة، وتشرف عليها لجان فرعية من كبار الأسماء المتمرسة في حقول الفن والثقافة وعلى الصعيدين النظرية والتطبيقي لاختيار الأعمال الفائزة.
وزارة الثقافة العراقية أكدت، من خلال الناطق الرسمي عن الجائزة الدكتور عقيل مهدي، رغبتها الجادة لأجل «اللحاق بالأدب والفن والثقافة على مستوى العالم العربي والتنافس معه، إضافة إلى تنمية العقل النقدي والخيال الفني لوجدان الشعب العراقي في مكوناته وأطيافه ومغادرة محن الماضي ومآسي التاريخ الظلامية القديمة منها أو القريبة لبناء دولة المؤسسات والقوانين وحرية الرأي والإبداع».
وحددت اللجنة العليا للجائزة في دورتها الأولى حقول معرفية شملت السرد والنقد الأدبي والتطبيقي والرسم في حقل التشكيل والإخراج المسرحي في حقل المسرح وعلم الاجتماع في العلوم الإنسانية، وأشارت إلى أن الجوائز ستوزع بين الفائزين في حفل تكريمي يليق بالمبدعين وتكون تقليدًا سنويا يحتفي من خلاله بالإبداع العراقي.
وسبق أن شكا مثقفون وفنانون من عدم نزاهة الاختيارات في المسابقات الثقافية للسنوات الماضية، التي كانت ترعاها وتنظمها دائرة العلاقات الثقافية في الوزارة.
مثقفون أثاروا جدلا فيما بينهم وانتقدوا بعض الإخفاقات التي شابت شروط المشاركة والآلية التي رسمت لها. يقول طالب كاظم، وهو متخصص في أدب الأطفال: «هناك إجحاف في تحديد المشاركين، كون الجائزة اشترطت أن تأتيها المشاركات عن طريق النقابات والمنظمات الثقافية والاتحادات، وهذا غير متوفر لدى كثيرين، كذلك لم يحدد كيف تكون مشاركة العراقيين في الخارج، بالإضافة إلى ضيق وقت المشاركة، وهناك أيضًا مسألة شمول كل الحقوق الإبداعية، فعندما حدد السرد لم يجر تحديده، فالقصة القصيرة جدا نوع من أنواع السرد، فهل ستتنافس مع الرواية مثلا؟ كذلك هل سيتم احتساب السيناريو وأدب الطفل ضمن حقل السرد؟ كذلك حقل الإخراج المسرحي، هل يعني المشاركة بعرض مسرحي متكامل ومعروض أم مكتوب فقط؟».
ولفت إلى أن الجائزة ستخيم عليها ذائقة اللجنة المشرفة التي ستنحاز لذائقتها الأكاديمية ومستواها الثقافي، وستكون حصة فوز الشباب المغمور فيها ضعيفة، وتوقع طالب أن المسابقة بشكلها الحالي لن تستطع تجاوز أخطاء المسابقات الماضية، مقترحًا أن تكون هناك جائزة دولة سنوية للمبدعين على مجمل أعمالهم لأجل فسح المجال أمام الشباب للمشاركة في مسابقات أخرى.
وعبر النحات قاسم حمزة عن أسفه لتجاهل فن الخزف والنحت من الحقول المشمولة بالجوائز، رغم أن تاريخ النحت يمتد منذ بدايات تأريخ العراق القديم، وقال: «هذه مثلبة أولى على منظمي الجائزة، ونحن نرفضها، بشكلها الحالي».
بدوره انتقد مدير دائرة الفنون التشكيلية الدكتور شفيق المهدي، القيمة المالية للجائزة التي حددت بـ«خمسة آلاف دولار» للفائزين الخمسة، وقال إنها متدنية جدا ولا تتناسب مع جهد المبدع أو ما تقدمه بقية المسابقات العربية التي لا يقل فيها مبلغ الجائزة عن خمسين ألف دولار مثلا، مشيداً في الوقت نفسه بالآلية الجديدة للجائزة التي تخطت هيمنة الأحزاب أو التفرد في العمل والمحسوبية، واعتبر أن ترشيح أسماء لها وزنها وثقلها في المشهد الثقافي والأدبي مبعث تفاؤل كبير للمشهد الثقافي لأجل الارتقاء بالجودة ومغادرة العرقية والطائفية والعقائد المنحرفة التي تحاول التأثير على الترشيح الموضوعي والنزيه للجائزة.
أما في ما يخص القيمة المادية، فرد المستشار الثقافي حامد الراوي في مداخلة له خلال المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه عن الجائزة، قائلاً: «القيمة المادية ليست المعيار الأول والأخير في هذه الجائزة، وإن ذلك تحدد بسبب الضائقة المالية التي تمر بها عموم الحكومة العراقية ومبلغ التخصيصات المالية لوزارة الثقافة»، مضيفًا أن الجائزة إن جاء الإعلان عنها متأخرا لكنها خطوة جيدة وأولى لمنح جوائز لهذا العام وحتى لا يضيع هذا العام بلا جوائز، لذا تم استبعاد حقول كثيرة من الجائزة على أمل إضافتها في العام المقبل، وذلك لضيق الوقت.
وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي، فرياد رواندزي، سبق أن أوضح أن هذه الجائزة ستكون بنمطية تختلف كثيرًا عن الجوائز السابقة التي كانت توزع من دوائر الوزارة، وبذلك «تكون هذه الجائزة هي الأولى من نوعها التي تتبناها الوزارة كمركز، واستعدادها لتقديم كل أشكال الدعم المادي واللوجيستي».
ويترأس اللجنة العليا المشرفة على الجائزة الوزير والمستشار الثقافي حامد الراوي كمقرر لها، وعضوية كلّ من: الدكتور عقيل مهدي والدكتور صالح الصحن والدكتورة ناهضة ستار والدكتور بلاسم محمد ونصير فليح والأستاذ شجاع العاني والباحثة نظلة الجبوري.
وعما تحمله جائزة الإبداع العراقي من قيمة جديدة للمبدعين والمثقفين، قالت الشاعرة والأكاديمية الدكتورة ناهضة ستار، من أعضاء اللجنة العليا للجائزة: «هناك اتجاه نحو منهجية وعلمية في اختيار الأعمال الناجحة، فاللجنة العليا مكلفة باختيار ثلاثة خبراء لكل تخصص إبداعي، نقوم بتمحيصهم ونختار ناسا ذوي إبداع وروح تربوية وإبداعية، ويتم تزويدهم باستمارة مخصصة تتكون من عشر نقاط يحددها الخبير يكشف فيها عن كامل شخصية المبدع وأعماله وحضوره وحراكه في المشهد الثقافي، وشخصيته وحضوره، وبعد أن تصل إلينا نتائج الخبراء نقوم بفحصها وتبيان مقدار الموضوعية فيها ومنح الدرجات ومن ثم ترتيب المتنافسين بحسب درجاتهم التي حصلوا عليها، وعمومًا الجائزة مكرسة لأصحاب التجارب والخبرات والنتاج المميز، بمعنى أنها تستهدف آباء الثقافة العراقية، لكن هناك نية لإطلاق جائزة تشجيعية للشباب دون سن 35 سنة».
جائزة «الإبداع العراقي» تنعش المشهد الثقافي.. وتثير الجدل أيضًا
أطلقتها وزارة الثقافة العراقية بنسخة جديدة
جائزة «الإبداع العراقي» تنعش المشهد الثقافي.. وتثير الجدل أيضًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة