هل يمكن للأطفال التعلم بالفعل من «شارع سمسم» منذ سن ما قبل المدرسة؟ كان هذا هو السؤال حين استحوذت ورقة عمل صدرت مؤخرًا عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية في أميركا بعنوان «تعليم الطفولة المبكرة: دروس من شارع سمسم»، على اهتمام الإعلام، بما في ذلك «واشنطن بوست». وتخلص الورقة إلى أن «شارع سمسم» يمكن أن يكون بنفس القدر من الكفاءة مثل حضانات ما قبل المدرسة فيما يخص رفع مستوى إنجاز التلاميذ.
وقد ذكر مقال «واشنطن بوست» بخصوص الورقة: «خلصت أكثر الدراسات التي أجريت حتى الآن، والجديرة بالثقة حول تأثير (شارع سمسم)، إلى أن البرنامج الشهير الذي يعرض على التلفزيون العام حقق فوائد تعليمية دائمة لملايين الأطفال الأميركيين - وهي فوائد على ذات القدر من القوة كتلك التي يحصل عليها الأطفال من ارتياد حضانة». جدير بالذكر أن هذه الدراسة اضطلع بها اثنان من الخبراء الاقتصاديين، هما ميليسا إس. كيرني، من جامعة ماريلاند وفيليب بي. ليفين، من ويلسيلي كوليدج. وترى الدراسة أن «شارع سمسم»، الذي جرت إذاعته للمرة الأولى عام 1969، يعد في واقع الأمر أول دورة مفتوحة كبرى عبر الإنترنت (المتاحة منذ عام 2008). وتفحص الباحثان الاختلافات في مشاهدة «شارع سمسم»، وبعد إطلاقه للمرة الأولى عام 1969 في مناطق من الولايات المتحدة ممن كان لديهم «في إتش إف»، ومناطق أخرى كان بها «يو إتش إف» الأضعف، والتي لم تتمكن بنقل بث إرسال المحطة التي تذيع البرنامج بصورة مناسبة.
بعد ذلك، جرت مقارنة قوة بث الإرسال بما ذكر الباحثان أنه نتائج الطلاب، وذلك في محاولة لإظهار أن الأطفال في المناطق التي كان بث المحطة فيها أفضل حققوا نتائج دراسية أفضل بدرجة كبيرة عن أقرانهم بالمناطق التي كان إرسال المحطة بها ضعيفًا، والتي من المحتمل أن الأطفال بها لم يشاهدوا البرنامج.
إلا أن الباحثين القائمين على الدراسة استطردا بأنهما ليست لديهما معرفة مؤكدة بما إذا كان الأطفال بأي من المجموعتين قد شاهدوا بالفعل «شارع سمسم»، وإنما الأمر كله يعتمد على أن البرنامج كان متاحًا بصورة أكبر عن مناطق أخرى، وأنهما تمكنا من حساب العوامل الأخرى المسببة لاختلافات في نتائج الطلاب. وتقول الدراسة: «تشير النتائج إلى أن (شارع سمسم) أنجز هدفه المتمثل في تحسين مستوى الاستعداد للالتحاق بالمدارس. وبدا واضحًا أن الأطفال في عمر ما قبل المدرسة داخل المناطق التي تميزت بإرسال أفضل للبرنامج كانوا أكثر احتمالاً لأن يحققوا نتائج دراسية أفضل في المدرسة مقارنة بعمرهم. ويتجلى هذا التأثير بصورة خاصة في الأطفال الذكور والأطفال من خارج أصحاب الأصول اللاتينية، وأصحاب البشرة السمراء، وكذلك من يعيشون في مناطق فقيرة.. أما الأدلة المرتبطة بالتأثير على مجمل الإنجاز التعليمي والأداء داخل سوق العمل، فليست قاطعة».
وتابعت الدراسة: «وقد توصلنا إلى أن الأطفال الذين كانوا في سن ما قبل المدرسة عام 1969 وعاشوا بمناطق تمتعت ببث جيد لبرنامج (شارع سمسم)، كانوا أكثر احتمالاً بكثير لأن يكونوا عند المستوى الدراسي المناسب لعمرهم..».
إلا أن الباحثين لا يجزمان بأن «شارع سمسم» ثبتت فائدته العلمية لأطفال ما قبل سن المدرسة، وإنما أعربا عن اعتقادهما بأنه أداة تعليمية قيمة. وقد اختتما دراستهما على النحو التالي: «مع استمرار الأبحاث والمناقشات حول السياسات التعليمية في التركيز على التعليم خلال المراحل الموجهة لمرحلة الطفولة المبكرة، نعتقد أن تأثير (شارع سمسم) يستحق تضمينه بجانب (بيري بريسكول) و(هيد ستارت) والبرامج الأخرى المشابهة». كما ذكرا أيضًا أن مرحلة الحضانة السابقة للالتحاق بالمدرسة «التي تخلط بين بيئة تعليمية تتضمن اتصالات إلكترونية تحمل محتوى تعليميا وعنصرا بشريا يوفر (المهارات الناعمة) قد تكون أفضل وأكثر جدوى من حيث التكاليف».
في الواقع، في أفضل الأحوال يمكن القول بأن هناك دلائل طفيفة تشير إلى أن هذا المزيج التعليمي يمثل نموذجًا ناجحًا. علاوة على ذلك، فإن ستيف بارنيت، مدير «المعهد الوطني لأبحاث التعليم المبكر» التابع لجامعة روتغرز، كتب خلال رسالة بريد إلكتروني يقول: «تصديق نتائجهما يتطلب تصديق أن التعليم عبر التلفزيون من خلال برنامج (شارع سمسم) يترك تأثيرا أعمق بكثير على الطفل عن وجود مدرس، فما هي النظرية التي يمكنها تفسير ذلك؟ ليس لديهما نظرية ولا تفسير لكيف يمكن أن تتوافق نتائجهما مع الكيان المعرفي الأكبر المرتبط بالتعلم والتعليم. وهذا تحديدًا أكثر جانب مثير للقلق في الدراسة».
وقد سألت جيمس جيه. هكمان، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو بروفسور لعلم الاقتصاد بجامعة شيكاغو ومدير لمركز اقتصادات التنمية البشرية التابع للجامعة، عن رأيه بالدراسة، فأجاب كتابيًا على النحو التالي: «لقد أثارت دراسة (تعليم الطفولة المبكرة: دروس من شارع سمسم)، التي وضعتها ميليسا إس. كيرني وفيليب بي. ليفين، اهتماما كبيرًا، وللأسف وقعت في فخ تعميم مقارنات مع برامج أخرى موجهة لمرحلة الطفولة المبكرة. ومثلما أشار المؤلفان، فإن الدراسة تركز على تأثيرات مشاهدة (شارع سمسم)، وليس قيمة (شارع سمسم) مقارنة بـ(هيد ستارت) أو أي برنامج آخر قيم لمرحلة ما قبل المدرسة. وقد تولت الدراسة قياس مجموعة صغيرة من النتائج قصيرة الأمد نسبيًا والتي عكست بعض - لكن ليس جميع - نتائج (هيد ستارت) وبرامج التعليم للطفولة المبكرة الأخرى.
وإن كنتم تبحثون عن وصفة سحرية، فإنه ليس التلفزيون، وإنما أدوات دعم التنمية منذ المولد حتى سن الخامسة. إن المهارة تولد مهارة على امتداد دورة حياة الإنسان بمجال التنمية والتعلم. وتؤكد الكثير من الأبحاث المهمة أنه يمكن تحقيق نتائج أفضل مع الفئات المغبونة من الأطفال من خلال مزيج من الصحة والتغذية والتعليم الأبوي وتوافر موارد للتعليم المبكر منذ المولد حتى الخامسة والتي تعزز التنمية المعرفية والاجتماعية والعاطفية، وتوفر أساسا للنجاح في الدراسة والحياة.
وتكشف دراسة كارولينا أبيسيدريان بوضوح هذه النقطة، حيث ركزت الدراسة على الأطفال منذ المولد، ودمجت التعليم الأبوي والرعاية الصحية والتغذية والتعليم المبكر وتعليم ما قبل المدرسة. وبذلك نجد أن برنامج أبيسيدريان الوحيد الذي حقق مكاسب دائمة باختبارات الذكاء، بجانب تحقيق نتائج أفضل على المستويات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية عن البرامج الأخرى. كما أن نجاحه في تعزيز مستوى الذكاء لعب دورًا مهمًا في تقليص الأمراض المزمنة في الذكور والسمنة في الإناث.
إن الحل لتعزيز الاستعداد للمدرسة والمهارات الإنتاجية لا يكمن في مجرد غرس الأطفال أمام شاشات التلفزيون أو الكومبيوتر، وإنما يمكن أن تعمل البرامج التعليمية رفيعة المستوى كعنصر تكميلي لتعليم على مستوى عالٍ من الجودة موجه إلى المراحل المبكرة من الطفولة، وليس كبديل». وفي سؤاله حول ما إذا كان يعتقد أن «شارع سمسم» يعد «على نفس الدرجة من الفاعلية مثل الحضانة في فترة ما قبل المدرسة»، أجاب ليفين خلال رسالة بعث بها عبر البريد الإلكتروني: «أعتقد أن عبارة (على نفس القدر من الفاعلية مثل الحضانة في فترة ما قبل المدرسة) تنبع من النتيجة القائلة بأن تأثير البرنامج على نتائج الأطفال في الاختبارات وعلى احتمالات الاستمرار في مستويات تعليمية مناسبة، مشابه لتأثير بـ(هيد ستارت)». في رسالة منفصلة عبر البريد الإلكتروني أيضًا، أشارت كيرني، الباحثة المشاركة في الدراسة، إلى أن الباحثين القائمين على الدراسة لم تتوافر لديهما معرفة مؤكدة بما إذا كان الطلاب الذين شملتهم الدراسة قد شاهدوا بالفعل «شارع سمسم»، لكنهما ركزا على المناطق التي تمتعت بقدرة أكبر على مشاهدة البرنامج.
وكتبت تقول: «حقيقة أننا لسنا على علم بما إذا كان الأطفال شاهدوا البرنامج تعني أننا نقول نتيجة ما بخصوص جيل من الأطفال تمتع بقدرة أكبر على مشاهدة البرنامج. وأرى أن هذه نقطة حقيقية في منهجية الدراسة، وليس نقطة ضعف. وقد توصلنا إلى أن الأطفال الذين عاشوا بمناطق توافرت فيها إمكانية مشاهدة البرنامج بسهولة، ظهرت عليهم دلائل تحسن نتائجهم التعليمية مقارنة بأقرانهم في المناطق التي افتقرت إلى إمكانية مشاهدة البرنامج بسهولة. وعليه، فإن بإمكاننا أن نخلص إلى أن هذا التحسن هو نتاج مشاهدة البرنامج.
ويعتمد تحليلنا على عناصر تقييد للتباينات بين المناطق التي شملتها الدراسة عبر استغلال مجموعة مقارنة من الأطفال الأكبر سنًا ممن كانوا بالفعل في المدرسة عندما بدأت إذاعة البرنامج - وقد اعتمدنا على هذه المجموعة في تحديد أية اختلافات قائمة من قبل في النتائج التعليمية لمجموعات الأطفال داخل المدن المختلفة. بعد ذلك، توصلنا إلى أن الأطفال الموجودين بمدن بها بث أفضل للبرنامج حققوا نتائج تعليمية أفضل نسبيًا. أما العوامل التي كنا بحاجة للسيطرة عليها فهي السياسات الأخرى التي تم إقرارها عام 1969 تحديدًا وأثرت على التحصيل العلمي لدى أطفال ما قبل المدرسة على نحو مختلف عن الأطفال الأكبر سنًا.
في المقابل، فإن دراسات سابقة عنيت بالأطفال الذين يشاهدون البرنامج مقابل أطفال لم يشاهدوه، واجهت مشكلة أن الأطفال الذين شاهدوا البرنامج ربما انتموا لنمط مغاير تمامًا من الأسر أو الآباء والأمهات - مثلاً، قد يتمتع الأطفال الذين شاهدوا البرنامج بآباء وأمهات لديهم التزام قوي حيال تعليمهم، لذا فإنهم يشاهدون البرنامج. في هذه الحالة، فإن الباحثين يعجزون عن إيعاز الاختلافات في مستوى التحصيل الدراسي إلى مشاهدة البرنامج. أما توجهنا فقد قهر هذا التحدي».
في المقابل، أبدى بارنيت رفضه لهذا الرأي، ففي رده على سؤال حول رأيه في المنهجية التي اعتمدها الباحثان، قال بارنيت: «إنها تدفع مشكلة التحيز الانتقائي لأعلى فحسب، من مستوى الفرد إلى مستوى المجتمع».
أما مسألة السبب وراء اعتقاد علماء الاقتصاد أن بمقدورهم تقدير كل تأثير محتمل وتحييده، بحيث يتبقى أمامهم العنصر المحدد الذي يدرسونه بحيث يخلصون لنتائج قاطعة بخصوص السبب والتأثير، فإنه أمر مختلف سنناقشه في فرصة أخرى. في الواقع، إن بعض الاقتصاديين يدعون أن بمقدورهم التخلص من كل عامل آخر يؤثر على أداء طفل ما على المستوى التعليمي لتحديد «قيمة» المدرس لهذا الطفل، بجانب كيفية رد فعل الطفل للعنف داخل الحي الذي يعيش به، والاضطرابات العصبية ما بعد الصدمات النفسية، والإحباط والجوع والمرض.
من بين النقاط الأخرى الجديرة بتناولها فيما يخص الدراسة، أنها تقارن بين برنامج «شارع سمسم» والدورات الكبرى المفتوحة عبر الإنترنت. وتقول الدراسة إن فاعلية البرنامج قد تحمل دروسا مستفادة للمناقشات غير الرسمية حاليًا فيما يخص قدرة هذه الدورات على تحقيق تحسين في المستويات التعليمية. وترى الدراسة أنه في جوهره يعد «شارع سمسم» أول دورة من هذا النوع، فرغم تباينهما في المحتوى، فإن «شارع سمسم» يتوافق مع السمة الرئيسية المتمثلة في نقل إلكتروني لمحتوى تعليمي أونلاين، وكلاهما (شارع سمسم والدورات الكبرى المفتوحة عبر الإنترنت) محتوى تعليمي بتكلفة تمثل نسبة هينة للغاية من تكلفة الفصول المدرسية التقليدية.
ورغم أن «شارع سمسم» قد يوفر دروسًا مفيدة بالفعل، لكن فكرة أن المناقشات حول الدورات الكبرى المفتوحة عبر الإنترنت الموجهة للبالغين يمكن أن تستفيد من كيفية استيعاب أطفال ما قبل المدرسة للمعلومات، تنطوي على مبالغة واضحة - تمامًا مثل فكرة أن برنامجا تلفزيونيا يمكن أن يوفر أداة تعليمية بنفس كفاءة الحضانة فيما قبل المدرسة.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»