تعترف مالوري ريغو، أول فرد في عائلتها يرتاد الجامعة، بأنها بالغت في إيمانها الأعمى بقوة التعليم. وتشير ريغو، التي التحقت ببرنامج للدراسات العليا بعد تخرجها عام 2008 من إيمانويل كوليدج، وهي كلية للفنون الحرة في مدينة بوسطن الأميركية، إلى أنها اضطرت إلى ترك مقاعد الدراسة بسبب الديون.
ورغم تأجيل قروضها الفيدرالية، فقد حل موعد سداد ديونها الخاصة فيما كانت لا تزال تدرس للحصول على شهادة تخصصية في مساعدة الأطفال على التأقلم أثناء تلقي علاجات طبية مجهدة. وتقول ريغو إنها لم تكن تستطيع سداد تلك المديونيات، التي بلغت الآن 220 ألف دولار، علاوة على تحمل مصاريف الإيجار والكتب الدراسية. وتعمل ريغو حاليا في محل لبيع الزبادي، كما تحصل على أجر مقابل توصيل طفل توحدي من وإلى المدرسة.
وتقول الآنسة ريغو، التي تبلغ من العمر 29 عاما، وتحمل درجة البكالوريوس في علم النفس وتعيش مع والدتها وإخوتها في مدينة هامدين بولاية كونيتيكت الأميركية، إن «الجامعة بدت وكأنها بطاقتي إلى النجاح، كما بدت المبالغ الكبيرة التي كنت أقترضها وكأنها مشكلة ستتعامل معها مالوري المتعلمة الغنية في المستقبل.. لا أدعي أنني لم أورط نفسي في هذه الفوضى».
عادة ما يقبل الكثير من الطلبة المقترضين حزم المساعدات المالية، والتي ربما تتضمن أكواما من القروض الخاصة، حيث إنها تغطي ما لا تغطيه القروض الفيدرالية، لكنهم لا يدركون أن تكلفة هذه الديون أكبر، علاوة على أن خيارات الإفلات منها ضئيلة في حال تعثروا عن السداد. كما أن آباء هؤلاء الطلبة وأقاربهم لا يكونون دائما على وعي كامل بالعواقب عندما يوقعون كضامنين لتلك القروض (90 في المائة من القروض الخاصة تتطلب ضامنا) إذ يجدون أنفسهم مسؤولين قانونيا تماما.
ولذلك سرعان ما تتحول المشاكل المالية التي قد يواجهها المقترض إلى أزمة عائلية، وفي بعض الحالات المتطرفة تصل إلى ساحات القضاء. ويقول بعض المقترضين إن ضامنيهم (لا سيما الأقارب من غير الوالدين) أصيبوا بالذعر عندما أدركوا أن الأفق المالي لدخل الخريج المستقبلي ليس مبشرا، ورفعوا دعاوى قضائية ضد الطالب بزعم تعرضهم للنصب والاحتيال.
ويقول روهيت تشوبرا، الذي شغل منصب أمين المظالم في مكتب الحماية المالية للمستهلكين حتى يونيو (حزيران) الماضي: «لا يسعني حصر عدد المقترضين الذين تحدثوا معي عن التوتر البالغ الذي حدث عندما رفض الدائنون التفاوض معهم». ويتابع تشوبرا، الذي أصبح زميلا كبيرا في مركز التقدم الأميركي، قائلا: «الآن، ودون سابق إنذار، يُستدعى آباؤهم وأجدادهم، ويصبح الأمر قضية للنقاش على مائدة عيد الشكر».
على عكس القروض الفيدرالية، التي تأتي متضمنة إجراءات حماية للمقترضين المتعثرين، بما في ذلك السداد على أساس الدخل علاوة على برامج سماح متعددة، يكون المقترضون من القطاع الخاص تحت رحمة دائنيهم، والذين ربما تتسم شروطهم بالغموض وعدم الشفافية وتكون عرضة للتغيير في كل اتصال بخدمة العملاء. كما أن تلك الديون، شأنها شأن القروض الفيدرالية، لا تلغى آليا عند الإفلاس، حيث يتعين على المقترضين رفع دعوى منفصلة لإثبات عدم القدرة على السداد.
وتمثل نسبة القروض الخاصة من إجمالي الديون مستحقة الدفع على الطلبة، والتي تبلغ 1.27 تريليون دولار، ما يقدر بـ7 إلى 10 في المائة، لكن القروض الجديدة تسجل ارتفاعا مطردا. وقدم الدائنون قروضا خاصة جديدة بقيمة 6.7 مليار دولار في العام الدراسي 2014 - 2015، بحسب شركة «ميجرون» (Measureone)، التي تحلل بيانات 6 من مقرضي وحملة الديون الخاصة، يملكون مجتمعين نحو 71 في المائة من جميع الديون المستحقة. ويزيد هذا المبلغ بنحو 14 في المائة على 5.87 مليار دولار قدمها المقرضون في العام الدراسي 2009 - 2010.
وتقول ناتاليا أبرامز، المديرة التنفيذية في «Student Debt Crisis»، وهي مجموعة للدفاع عن حقوق الطلبة المقترضين، إن «كلفة التعليم الجامعي أصبحت باهظة جدا، مما يزيد اعتماد الناس على تلك القروض، أحيانا للوفاء بمصاريف جامعة حكومية».
واكتشف مكتب الحماية المالية للمستهلكين، الذي كان يجمع شكاواهم بخصوص قروض الطلبة الخاصة على مدار 3 سنوات، أن المقترضين كانوا في العادة يواجهون تعنتا عندما يطلبون المساعدة. لكن يبدو أن ضغوط الجهات التنظيمية دفعت عددا من الدائنين إلى تحسين بعض سياساتهم، على الأقل ظاهريا. لكن الوقت وحده كفيل بإثبات أن مثل هذه التغييرات كافية لإحداث فارق في حياة المقترضين أم لا.
في هذه الأثناء، يواصل المكتب رصد المظالم والتي ربما تكون بمثابة جرس إنذار للمقترضين المحتملين وضامنيهم. وفي أحد التقارير التي وضعها السيد تشوبرا في عام 2014، يرصد أمين المظالم السابق شكوى كثير من المقترضين بأنهم تعرضوا للزجر الشديد عندما طلبوا المساعدة من الدائنين.
كريستوفر، الذي وافق على الحديث شريطة التكتم على اسم عائلته، عاش تجربة مشابهة، بعد حصوله على شهادة في العلوم السياسية من جامعة روتجرز عام 2012. كريستوفر تمكن بسهولة من تأجيل قروضه الفيدرالية بعدما عجز عن إيجاد وظيفة مربحة، لكن مقرضيه من القطاع الخاص، والمدين لهم بنحو 90 ألف دولار، رفضوا التزحزح عن موقفهم، مما اضطره إلى التوقف عن السداد، فقاضاه الدائن.
ويقول كريستوفر، الذي يبلغ الآن 25 عاما، ويعمل في مخزن مقابل 13 دولارا في الساعة ويعيش مع والدته: «رفضوا القبول بأي شيء أقل من المبلغ كاملا، وطاردوني بعدة مكالمات هاتفية يوميا عندما لم أسدد الأقساط كاملة».
هناك أيضا المقترضون الذين وقعوا ضحية خدع أخفاها الدائنون بين طيات المستندات الفاخرة، والتي تضمنت بنودا تسمح لهم بالإعلان عن تعثر المدين إذا تأخر عن سداد فاتورة مستحقة لنفس المقرض؛ حتى لو كانت غير ذات صلة بالقرض الأصلي، علاوة على أمور أخرى كثيرة. وفي عقود أخرى، إذا رفع الضامن دعوى إفلاس أو وافته المنية، يحق للدائن إعلان تعثر المدين (ليصبح قرضه واجب السداد بالكامل على الفور) حتى لو كان الأخير منتظما في سداد أقساطه، حسبما يفيد مكتب المستهلكين.
ويقول العديد من كبار المقرضين من القطاع الخاص إنهم لا يتورطون في مثل هذه الممارسات، لكن الجهات التنظيمية تدفع بأن هذه المشكلة ما زالت تظهر في قروض أعدت وبيعت للمستثمرين. ويقول سيث فروتمان، القائم بأعمال أمين المظالم في قروض الطلبة بمكتب الحماية المالية للمستهلكين: «بغض النظر عما يقوله المقرضون، ربما تزعم الشركات التي تخدم القروض بعد بيعها أنها ستكون مساءلة أمام حملة الأسهم في حال لم تنفذ الشروط الواردة في هذه العقود».
لكن بعض مؤشرات التحسن ظهرت مؤخرا، وأعلن «سيتزنز بنك» (Citizens Bank) أنه يعتزم الشروع في تعديل قروضه قريبا، بينما بدأ «ويلز فارغو» (Wells Fargo) بالفعل في تعديل شروط قروضه في نهاية العام الماضي. ومن أصل 194 قرضا قام بتعديلها، خفض الأقساط بواقع 30 في المائة في المتوسط، عبر تقليص معدلات الفائدة في معظم الأحيان إلى نحو 6 في المائة. ومن المحتمل أن يخفض المصرف، صاحب 12 مليار دولار من القروض الخاصة مستحقة الدفع، معدل الفائدة مؤقتا أو بصفة دائمة.
كما أعلنت «نافينت» (Navient)، التي تقدم قروضا للطلبة وتعرض تعديلات ائتمانية منذ 2009، أنه جرى إدراج نحو ملياري دولار من القروض الخاصة في برنامج لخفض معدل الفائدة، بما يمثل 7 في المائة تقريبا من محفظتها الائتمانية البالغة 28 مليار دولار.
وبدأت أيضا سالي ماي (Sallie Mae)، والتي تعدل القروض بالفعل، في تقديم خطة لسداد القروض للخريجين الذين استدانوا بعد الأول من يوليو (تموز) 2013. وبعد فترة السماح التي تستمر 6 أشهر، يتسنى للمقترضين أن يدفعوا 12 قسطا بقيمة الفائدة فحسب في محاولة لمساعدتهم على تخفيض فاتورتهم الشهرية.
غادرت كريستين ريوبيل جامعة نيوهامبشاير في عام 2012 بعدما حصلت على درجة البكالوريوس في المسرح، وتخصص فرعي في الأعمال، بالإضافة إلى قروض خاصة بقيمة 95 ألف دولار. لكنها استفادت من هذه النوعية من البرامج، رغم أن العمل مع بعض المقرضين كان صعبا. وعلى مدار عامين، سددت دفعات بقيمة الفوائد فقط على دين واحد، بينما تمكنت من دفع أقساط زادت تدريجيا على دين آخر.
لكن راتبها كمساعدة إدارية لا يزال عاجزا عن تغطية أقساطها الشهرية كاملة، لذا يدفع والدها نحو 200 دولار على أحد القروض، والذي وقع عليه ضامنا لابنته. ومؤخرا، وحدت معظم ديونها الخاصة في «سيتزنز بنك»، وهو الإجراء الذي تقول إنه سيساعدها على دفع أقساطها بانتظام على مدار 20 عاما.
وتقول ريوبيل (25 عاما)، والتي احتاجت رغم ذلك إلى ضامن: «والدتي ليست سعيدة بذلك، لأنه يؤثر على تاريخها الائتماني أيضا».
وهذه بدورها مشكلة أخرى، حيث تعلن بعض المصارف أنه يمكن إعفاء الضامنين بعد سداد المقترض عددا معينا من الأقساط، علاوة على أشياء أخرى. لكن ذلك ثبت أنه ليس بالأمر السهل، إذ كشف تقرير من الجهات التنظيمية في يونيو (حزيران) أن نحو 90 في المائة من المقترضين الذين تقدموا بمثل هذا الطلب؛ قوبلوا بالرفض.
ويقول مارك كانتروويتز، ناشر موقع «إدفيزورز دوت كوم» (Edvisors.com)، والذي يقدم المشورة حول تحمل تكاليف الدراسة الجامعية، إن «الكثير من الضامنين يظنون خطأ أنهم بمثابة مرجع للمقترض.. لا يدركون أن القرض هو قرضهم، على الأقل ليس قبل أن يحاولوا إعادة تمويل رهنهم العقاري، ليفاجأوا بأن المقرض يرفض بسبب زيادة ديونهم عن الحد المسموح».
وينصح كانتروويتز الطلبة بأن يحصلوا على قروض خاصة أقل في البداية، علما بأن 47 في المائة من الطلبة المقترضين في العام الدراسي 2011 - 2012 لم يستنفدوا فرصهم في الحصول على قروض فيدرالية قبل أن يسعوا لنيل قروض خاصة، بحسب معهد كوليدج أكسيس آند ساكسيس (Institute for College Access and Success).
وتقول مديرة المعهد لورين أشر للطلبة: «إذا كنت بصدد التفكير في المكان الذي تود أن تتعلم فيه، وتلقيت عرضا ماليا يتضمن قروضا خاصة أو جرى تشجيعك على قبولها.. واصل البحث».
* خدمة «نيويورك تايمز»
1.7 تريليون دولار تطارد طلبة أميركا بعد تخرجهم في الجامعات
«قروض التعليم».. من مشكلة مالية إلى عائلية وربما تصل لساحات القضاء
1.7 تريليون دولار تطارد طلبة أميركا بعد تخرجهم في الجامعات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة