كان لدور الإعلام حضور أساسي في تغطيته للحراك المدني الذي انطلق في لبنان قبل أكثر من شهر، من دون أن يخرج عن «صورته النمطية» المنقسمة سياسيا وحزبيا، بينما بقيت وسائل التواصل الاجتماعي «مسرحه الحقيقي» الجامع لمختلف المواقف. إضافة إلى الانقسام التقليدي للصحافة المكتوبة وفقا لتوجهات كل جريدة، توزّع الإعلام المرئي في مقاربته للحراك بين «المتوازن» إلى حدّ ما و«المهاجم له» و«الداعم المطلق» له، وهو ما رأى فيه البعض، لا سيما في الحالتين الأخيرتين، خروجا عن دور الإعلام بما يناسب مصالح أصحاب هذه الوسائل المالية والسياسية.
وهذا ما أشار إليه الأستاذ في الإعلام، محمود طربيه، معتبرا أنّ المسؤولية الوطنية لوسائل الإعلام في تغطية الحراك المدني لم تكن في المستوى المطلوب، وأتى سلوكها ضمن السياق العام للإعلام المنقسم في لبنان، وتخطى في أحيان كثيرة دوره الحقيقي إلى التجييش ضدّه حينا والتعبئة له حينا آخر، مضيفا: «عندما تتخلى الوسيلة الإعلامية عن دورها المهني وتظهر في دور المحرّض عندها تطرح علامة استفهام».
وأوضح طربيه في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلام اللبناني انقسم بشكل أساسي، إلى نوعين؛ الأول حاول التقليل من أهمية الحراك ومهاجمته، فيما تعامل الثاني مع القضية بطريقة تخطت دور الإعلام بعيدا عن المعايير الإعلامية وإصدار الأحكام والاتهامات من دون نسبها إلى مصادرها، حتى إنها تحوّلت إلى (ناطقة) باسمه من خلال المتابعة الدائمة في النقل المباشر على الأرض وفي الاستوديو كما تحوّل بعض المراسلين إلى محللين»، مؤكدا: «بإمكان الإعلام أن يتبنى المطالب الشعبية لكن عليه مقاربة الموضوع بمهنية والمحافظة على الحد الأدنى من الحرفية».
في المقابل، يقول بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة محطة «إل بي سي»، التي وصفت بأنها «رأس حربة» في الحراك: «اعتدنا كوسيلة إعلامية القيام بواجبنا في تغطية التحركات لا سيما الشعبية منها، فكيف إذا كان حقا مطلبيا وتحركات بهذا الحجم الذي رأيناه في موضوع النفايات، الذي هو مطلب عام؟». وردّ على من اعتبر تغطية القناة مبالغا بها موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كان التحرك مقتصرا على 50 شخصا لم تتعد تغطيته أكثر من الدقائق المعدودة لكن عندما تحوّل إلى حراك جمع آلاف اللبنانيين كان من واجبنا منحه التغطية اللازمة لا سيما أنه تحرك يختلف عن غيره من التحركات بعيدا عن الاصطفاف السياسي والحزبي الذي اعتدناه في لبنان، وتحت شعار (طلعت ريحتكم) المرتبط بالفساد في لبنان منطلقا من أزمة النفايات».
وأضاف: «مواكبتنا للتحركات تنطلق من عملنا كوسيلة إعلامية بغض النظر عن موقفنا من التحرك، والدليل على ذلك أنّنا لم نغفل مواقف السياسيين في هذه القضية، لا سيما أن مجموعات الحراك قد تخطئ أحيانا كما قد يخطئ السياسيون». كذلك، وضعت كرمى خياط نائبة رئيس مجلس إدارة «قناة الجديد» تغطية المحطة للحراك، في خانة «الدور المهني»، مؤكدة الوقوف إلى جانب المطالب المحقة في مواجهة الفساد والهدر المنتشر في لبنان وغياب الدولة الكامل.
وقالت «الشرق الأوسط»: «مواكبتنا الدائمة للحراك لا تختلف عن عملنا الذي اعتدناه في السنوات الماضية، إضافة إلى نشاطات فريقي 8 آذار و14 آذار، حيث كانت التغطية دائمة ومتواصلة، بغض النظر عن موقفنا السياسي من البعض منها، وردت على الاتهامات التي وجهت للقناة بالتمويل من الخارج والتحريض»، سائلة: «لماذا عندما نواكب التحركات السياسية لا نتّهم بالتجييش والتحريض، أم أن المطلوب أن نكون كالأنظمة الديكتاتورية ونقفل الهواء وتجاهل ما يحصل لإرضاء السياسيين؟».
وأضافت: «الإعلام قد يساعد من خلال التغطية بدعم الحراك، لكنه ليس هو الذي أوجده، بل هو نتيجة تراكم الأخطاء التي قامت ولا تزال تقوم بها السلطة. نحن ننقل الواقع وعلى الرأي العام أن يقرّر موقفه من كل ما يحصل».
وأكدت الخياط: «إذا حصلت أخطاء في الحراك، فلن نتردّد في الإضاءة عليها، لكننا نجد لغاية اليوم أنّها مطالب محقّة وتسير في الطريق الصحيح وتستحق أن نقف ويقف الشعب اللبناني إلى جانبها».
ونفى كل من الضاهر وخياط، حصول القناتين على دعم خارجي أو مادي. واعتبرت الخياط أن اتهام الإعلام بالتمويل من بعض الدول دليل خوف وإفلاس من المسؤولين الذين بدلا من أن يجدوا حلولا للمشكلات التي يعاني منها البلد ويقفون على مطالب الشعب، وهو الأمر الذي ينطبق (بحسب الخياط) على الاتهامات العشوائية التي وجهت لمجموعات الحراك المدني المبنية على فرضيات من دون أدلة، الممولة من سفارات حينا والمدعومة من أحزاب حينا آخر. كذلك قال الضاهر: «يبدو واضحا لغاية الآن أن المعلومات التي أشارت إلى تمويل مجموعات الحراك المدني من بعض الدول أو جهات سياسية غير صحيحة ولا شيء ملموس في هذا الإطار».
في المقابل، أكد حسين الوجه مدير أخبار «قناة المستقبل»: «من اللحظة الأولى أخذنا قرار التغطية المهنية والحيادية ونقل الوقائع كما هي، بنقل مطالب الناشطين ووجهة نظر المسؤولين، وإن كنا في الواقع ميالين إلى التحرّك الذي انطلق من مطلب يعني كل المجتمع اللبناني بعيدا عن الانقسامات الحزبية والطائفية».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: من يقول إننا تعاملنا مع الحراك انطلاقا من الجهة السياسية المحسوبين عليها فإما لم يتابع أو ينطلق من أحكام مسبقة، مؤكدا: «لسنا إعلام سلطة ولم ولن نلعب هذا الدور، وإن كنا كما غيرنا من وسائل الإعلام محسوبين على فريق سياسي». وأضاف: «على العكس من ذلك، نحن منحازون للحراك وأعطيناه حقّه في التغطية الموضوعية بعيدا عن المبالغة والتحريض والتعبئة، حتى إنّه يمكنني القول إنها المرة الأولى التي كنا صادقين خلالها مع أنفسنا».
ورغم عدم نفيه لدور الإعلام الإيجابي في الحراك ومتابعة نشاطاته، يرى حسان الزين، الصحافي الناشط في حراك «طلعت ريحتكم» أنّ الإعلام اللبناني لم يخرج عن صورته التقليدية، وكانت تغطيته للحراك متنوعة من دون أن تحكمها الرؤية المهنية بل أتت مقاربتها بما يناسب مصالح أصحاب وسائل الإعلام المالية والسياسية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في وقت وقفت فيه بعض القنوات المحسوبة على جهات حزبية ضد التحرك، وقامت بحملات ضده وضد ناشطين فيه، يمكن القول إن قناة (المستقبل) المحسوبة على فريق رئيس الحكومة، كانت متوازنة في تغطيتها في المرحلة الأولى حاملة العصا من المنتصف، قبل أن تشهد تبدلا سلبيا في الأيام الأخيرة، وتحديدا عند طرح ما عُرف بـ«خطة وزير الزراعة أكرم شهيب» التي رفضها المجتمع المدني.
أما فيما يتعلّق بأبرز القنوات التي حملت لواء الحراك، وتحديدا «إل بي سي» وقناة «الجديد»، رأى الزين أن الإعلام على اختلاف توجهاته لم يخرج عن مصالحه وارتباطاته السياسية والمالية، مضيفا: «على سبيل المثال، ظهرت قناة (إل بي سي) أنّها يتيمة غير مرتبطة بصفقة محددة، فاستفادت كما غيرها من الحراك على اعتبار أنّه الحدث الأهم». مضيفا: «أما بالنسبة إلى قناة (الجديد)، فقد أتى الحراك في لحظة تمر خلالها المحطة بـ(هدنة) مع حزب الله وخلاف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وحربها التاريخية المستمرة مع تيار المستقبل، فأتت مواكبتها لمطالب المجموعات متطابقة مع هذه التوجهات».
أمام هذا الواقع يؤكّد الزين أن الدور الأبرز والأهم، كان لمواقع التواصل الاجتماعي، التي إن خرقها الانقسام السياسي في بعض الأحيان، إلا أنها شكّلت «المسرح الحقيقي» للحراك بعدما كان قد تحوّل في الفترة الأخيرة إلى ساحة اعتراضية كاملة للوضع السياسي والفساد المستشري في لبنان، مضيفا: «علما بأنّ معظم الناشطين في الحراك هم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ويعرفون لعبتها، وسبق أن استمدوا شعبيتهم منها».
8:17 دقيقة
الإعلام اللبناني يحافظ على انقسامه التقليدي و«يتخطى المهنية»
https://aawsat.com/home/article/461906/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D9%88%C2%AB%D9%8A%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9%C2%BB
الإعلام اللبناني يحافظ على انقسامه التقليدي و«يتخطى المهنية»
بين «المهاجم» و«الداعم» و«المتوازن».. تبقى وسائل التواصل الاجتماعي «مسرحه الحقيقي»
- بيروت: كارولين عاكوم
- بيروت: كارولين عاكوم
الإعلام اللبناني يحافظ على انقسامه التقليدي و«يتخطى المهنية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة