تضاعفت التعقيدات التي تحيط ببرنامج الولايات المتحدة الأميركية لتدريب مقاتلي المعارضة السورية، إثر إعلان واشنطن عن أن مجموعة من مقاتلي المعارضة خضعت لتدريب أميركي، سلمت ذخائر ومعدات لـ«جبهة النصرة»، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، إذ رأى معارضون سوريون أن هذا الإقرار «يحمل مؤشرًا إضافيًا على أن البرنامج في أساسه خاطئ»، فيما رأى آخرون أن واشنطن «تحاول القول إنها استنفدت كل الخطط لدعم المعارضة، وكان آخرها التدريب، لكن السوريين أفشلوها».
وجاء في إعلان البنتاغون أول من أمس أن المجموعة المدربة أميركيًا «سلمت ذخائر ومعدات لجبهة النصرة، لقاء السماح لها بالمرور من دون التعرض لها»، وهو ما يتعارض مع نفي سابق للوزارة لمعلومات تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي ومفادها أن معارضين سوريين دربتهم واشنطن وسلحتهم إما انضموا إلى جبهة النصرة أو سلموها أسلحتهم.
وقال ممثل الائتلاف السوري في واشنطن نجيب الغضبان لـ«الشرق الأوسط»، إن «البرنامج لم يبدأ بداية جيدة، واعترته مشكلات كثيرة، حيث فشل بتجنيد أعداد كافية، فضلاً عن محدودية هدفه بمحاربة داعش دون النظام، قبل أن يحتجز مقاتلو النصرة جزءًا من المدربين، ما يؤكد أن البرنامج انطلق متعثرًا لجهة رؤيته وطريقة تطبيقه». وقال إن «اعتراف البنتاغون يحمل مؤشرات إضافية عن خطأ يعتري البرنامج منذ انطلاقته»، موضحًا: «إننا كمعارضة مؤيدين بالتأكيد لمبدأ محاربة داعش، لكنن نطالب بأن يقاتلوا قوات النظام أيضًا»، معتبرًا أن اقتصار مهمات المتدربين ضمن البرنامج على قتال «داعش».. «هو جزء غير مكتمل ولن ينجح، نظرًا إلى أن النظام هو المسبب والداعم للإرهاب في سوريا». وتعد النقطة الأخيرة، أبرز أسباب هجوم «النصرة» على الفرقة 30، وإقصائها من العمل، عبر اختطاف أعضاء فيها، ومطاردة آخرين وقتل آخرين.
ورأى المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد أن التصريح الأميركي «يعتبر قمة الوقاحة والكذب»، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يتحدث الأميركيون اليوم بلهجة كأن الثوار ارتكبوا خيانة»، متسائلاً: «حين تُحاصر المجموعة المدربة أميركيًا التي يبلغ عديدها 50 عنصرًا من قبل جبهة النصرة وهي من أقوى الفصائل المقاتلة في الشمال، ماذا يتوقعون منها؟». واعتبر أن الخطة أساسًا «كارثية»، كما أن الأميركيين «لم يستمعوا للنصائح من خلال الشروط التي وضعوها أمام المتدربين لجهة اقتصار القتال على (داعش)، وهو ما أعطى (النصرة) ذرائع لتكفير المتدربين، والمزايدة على الثوار بأهدافهم».
وإذ رأى أبو زيد أن «هذه النتيجة كانت متوقعة من البداية»، قال: «مشكلتي مع الأميركيين أنهم أوحوا بأن ما حصل مع الفرقة 30 هو أمر مفاجئ، علمًا بأننا حذرنا من هذه النتيجة، لكنهم تجاهلوا تحذيراتنا». ورأى أن واشنطن «تحاول تقديم نفسها من خلال الحادثة، على أنها استنفدت كل الخطط لمساعدة الثوار السوريين، لكن السوريين أنفسهم أفشلوا المساعدة»، معتبرًا أن خطط المساعدة «جاءت بهدف رفع العتب فقط ليعفوا أنفسهم من مسؤولية في المستقبل، لعلمهم بأنها ناقصة ولا يمكن أن تنجح من غير تدريب قوات قادرة فعلاً على محاربة (داعش) والنظام». وأضاف: «كان الأميركيون قد تعهدوا بحماية أعضاء الفرقة، لكنهم لم يفعلوا شيئًا لمنع هجوم النصرة عنهم، كما لم يساعدوهم حين قصف الطيران النظامي مقرهم»، مشيرًا إلى أن واشنطن «أعطت (النصرة) ذريعة للمزايدة على الثوار ووصمهم بالكفار، وسهولة اتهامهم بالخيانة».
وكان المتحدث باسم البنتاغون الكابتن جيف ديفيس قال: «تبلغنا للأسف اليوم (الجمعة) أن وحدة (القوات السورية الجديدة) تقول الآن إنها سلمت فعلا ست شاحنات (بيك أب) وقسما من أسلحتها إلى عناصر يعتقد أنهم من جبهة النصرة». من جهته، قال الكولونيل باتريك رايدر المتحدث باسم القيادة الوسطى التي تشرف على الحملة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، إن المقاتلين سلموا معداتهم لقاء السماح لهم بالمرور بأمان في المناطق التي تهيمن عليها جبهة النصرة. وقال رايدر: «في حال كان الأمر صحيحا فإن التقارير عن قيام عناصر في القوات السورية الجديدة بتسليم معدات إلى جبهة النصرة مثيرة للقلق للغاية وتشكل انتهاكا لقواعد برنامج تدريب وتجهيز مقاتلين سوريين». وأضاف رايدر أن آليات البيك أب والأسلحة تمثل نحو 25 في المائة من التجهيزات التي سلمها الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى وحدة المقاتلين.
بدوره، قال مسؤول أميركي ردا على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية، إن أيًا من المقاتلين لم ينضم إلى جبهة النصرة، لكنه أضاف: «لا نعرف سوى ما يقولونه لنا».
وتشكل هذه المسألة انتكاسة جديدة لمصداقية هذا البرنامج الذي أطلقته الولايات المتحدة في مطلع العام والرامي إلى «تدريب وتجهيز» مقاتلين من المعارضة السورية للتصدي لمتطرفي تنظيم داعش.
تقديم بعض حلفاء واشنطن أسلحتهم لـ«النصرة» يعقّد التدريب الأميركي لقتال «داعش»
المعارضة السورية ترى في إقرار البنتاغون بذلك مؤشرًا إضافيًا على خطأ البرنامج
تقديم بعض حلفاء واشنطن أسلحتهم لـ«النصرة» يعقّد التدريب الأميركي لقتال «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة